في مثل هذا اليوم 1 مارس عام 1938، ولد حبيب العادلي، أحد أشهر وزراء الداخلية في تاريخ مصر الحديث، وهو الذي كان أحد أسباب اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير نتيجة ممارسات جهاز الشرطة "القمعية" في عهده، وانتشار ألوان التعذيب داخل السجون والمعتقلات، إضافة إلى اتهامه إبان الثورة بقتل المتظاهرين قبل أن يبرئه القضاء هو ومساعديه..

حبيب العادلي.. الذي ظل قابعا على كرسي وزير الداخلية لمدة 17 عاما، بدا في مرافعته عن نفسه قبل عدة أشهر في قضية قتل المتظاهرين السلميين في أحداث ثورة 25 يناير، والإضرار بالمال العام من خلال تصدير الغاز لإسرائيل، وكأنه المظلوم الذي لم يرتكب جرمًا طوال حياته، فظهر العادلي بثوب الشيخ تارة وثوب المصلح الاجتماعي تارة أخرى.. إلخ..

حبيب العادلي.. الشيخ

خلال مرافعة حبيب العادلي، في قضية قتل المتظاهرين، بدأ مرافعته بآيات من القرآن الكريم حيث قال: أبدأ بقول الله تعالى: "رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي".

ولم يكتف بهذا القدر بل واصل خطبته: "سيادة الرئيس، لقد سبقني في الحديث الدفاع، فيما يسمى بـ"قضية القرن"، وأفاضوا بدفاع شامل لجوانب القضية وتفنيدًا لأدلة الاتهام، تفنيدًا قانونيًا واقعيًا وبأدلة دامغة، وجاءت مرافعتهم في سيمفونية قانونية رائعة مظهرة للحق، دامغة بالدليل، بنغمة مختلفة تميزت عن مرافعاتهم في المرة السابقة أمام الهيئة السابقة، رغم أن المتهمين هم ذاتهم ونفس الأدلة والقانون الذي استقوا منه دفاعهم هو ذات القانون، إلا أن ما جعل الدفاع يتميز هو أن الله سبحانه وتعالى كشف الحق والأمور التي كانت غائبة عن ملايين المواطنين، وأراد سبحانه نصرة المظلومين".

حبيب العادلي.. المخدوع

يقول حبيب العادلي في رده على اتهامه بأنه "سفاح" وقاتل للمتظاهرين السلميين: "ما حدث في 25 يناير كان حلقة من حلقات مؤامرة خارجية، مخطط له أهداف استراتيجية كانت تستهدف مصر، وليست مصر فقط بل والوطن العربي تحت ما سمي بالربيع العربي، ويا ليته كان ربيعًا أو خريفًا، بل كان انهيارًا للدول العربية، وإذا كان الله أنقذ مصر في وقت مناسب، إلا اننا نشاهد ما يحدث في العراق وسوريا واليمن وليبيا، وهو ما يؤكد أن هذا المخطط يستهدف الأمة العربية كلها، مخطط نفذه متسللون تسللوا يوم 27 يناير، وتنفيذه بدأ يومي 27 يناير و28 يناير، وشوهد هؤلاء الأجانب في كافة مسارح الأحداث إلا أنه للأسف الشديد لم ينصت لي أحد، ومن أنصت لم يرغب في أن يعلم أحد بما قلت، ومن أنصت وصدق، إلا أنه لم يُفعّل قناعته لقول الحق، أما ملايين المصريين فلا يعلموا عما قلت شيئًا، لأن المرافعات والجلسات لم تكن مذاعة وقتها".

حبيب العادلي.. المكافح

لم يفوت حبيب العادلي فرصة استعراض تاريخه المهني فارتدى رداء الرجل العصامي المكافح متحدثا: "شاركت في خدمة بلدنا العظيم منذ عام 1961 وحتى 29 يناير 2011 بعد دراسة العلوم الشرطية والقانونية في كلية الشرطة، وخدمت 50 عامًا لأمن هذا البلد، وعاصرت بعد ثورة 1952 وقت أن كنت طالبًا، وعاصرت الرؤساء نجيب وعبدالناصر وأنور السادات والرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، شفاه الله وعافاه، وبتوفيق من المولى عز وجل، تقلدت عدة مناصب بوزارة الداخلية، بدأت حياتي بضابط في الأقسام ثم المباحث الجنائية، ثم رُشّحت بعد 3 سنوات في المباحث الجنائية للعمل في المباحث العامة، الأمن الوطني حاليًا واستمريت في هذا الجهاز في 1964 حتى عينت نائبًا لهذا الجهاز، ثم مساعد الوزير لمنطقة سيناء والقناة، ثم للقاهرة، ثم مساعد أول الوزير للمنطقة المركزية، ثم مساعد الوزير للأمن ثم مساعد أول الوزير لمباحث أمن الدولة. اكتسبت العديد من الخبرات الفنية حتى أصبحت وزيرًا للداخلية في 17 نوفمبر 1997 وتبوّأت هذا المنصب لمدة 14 عامًا، ولم يسبق لوزير داخلية في مصر أن تولى هذه المسؤولية بهذه الوزارة التي تعتبر من أخطر وأصعب الوزارات".

حبيب العادلي.. المفكر

كان العادلي صاحب فكر هذا ما قله بلسانه في خضم حديثه عن مواجهة الإرهاب: "اعتمدت خطتنا في مواجهة الإرهاب ليس فقط في مطاردة قادة الإرهاب، الذين كانوا يختبئون في السفوح الجبلية، لكن كانت هناك مواجهة فكرية لنبذ العنف، وهو ما أسميناه "المصالحة الفكرية"، والتي اعتمدت على تصحيح الأفكار الخاطئة التي تبنتها الجماعات الإسلامية المتطرف، وقامت قيادات تلك الجماعات بمقابلة المساجين وأقنعوهم بخطأ فكرهم، ونجحت الفكرة، وأدى إلى أن نسبة كبير جدًا من المعتقلين تم إخلاء سبيلهم، وتم بالتنسيق مع رجال الأعمال والمحافظين والوزراء حتى يستطيع أن يعود هؤلاء إلى المجتمع بفكر جديد يجعلهم مطمئنين على مستقبلهم، و"ما اتخميناش غير في 2 أو 3 رجعوا لنشاطهم تاني"، وكانت هناك متابعة لهم".

حبيب العادلي.. المصلح الاجتماعي

للعادلي وجوه كثيرة وأحد تلك الوجوه، المصلح الاجتماعي" الذي يزور في الأفراح ويواسي في المآتم.. في هذا الشأن يكشف وزير داخلية مبارك عن شخصيته الإصلاحية فيقول: "خلال قيادتي لوزارة الداخلية كان هناك اهتمام كبير بالجريمة الاجتماعية لانتشار جريمة الاتجار في المخدرات، وانتشر التعاطي وأصبحت الأسر تلجأ للوزارة لإنقاذ أبناءهم، ورغم العمليات المستمرة لملاحقة زراعات تلك المخدرات في الجبال وسيناء، والتنسيق مع أجهزة الأمن العالمية للاشتراك في منع الاتجار عبر الحدود، إلا أن ظاهرة التعاطي كانت في منتهى الخطورة، وبفضل من الله، نجح الأمن العام والإدارة العامة للمخدرات بالقضاء على قضية المخدرات في مصر في مدة لا تزيد عن شهر ونصف".

حبيب العادلي.. القنوع

بعيدا عن ثروته المقدرة بمالايين، لكن العادلي يصر على أنه رجل قنوع فيقول: "كنت أنوي بعد احتفالات عيد الشرطة 2011 وفي الانتخابات الرئاسية، إني أقول لسيادة الرئيس "كفاية عليا كدة عاوز أشوف أسرتي وحياتي زي باقي الناس"، فقد كنت أحاسب على كل كلمة، وتلك كانت نيتي، لكن ربنا أراد أن "يوديني حتة تانية".

حبيب العادلي.. المتحضر

نسي العادلي أن الدول المتحضرة تحترم حقوق الإنسان ورجل الشرطة فيها لا يعتدي على المواطنين، وتذكر أنه في تلك الدول يوجد احترام من المواطنين لرجال الشرطة فيقول: "في الدول المتحضرة، نجد أن العسكري يحترم، والناس تحيي رجل لشرطة وهو يحيي المواطن، إنها حضارة، أما عندنا للأسف فلا، وقد يكون من بيننا من كان يسيئ، ومنا من هو سيئ، فهي شريحة كأي شريحة في المجتمع، فيها الشرس والطيب، "وما فيش شريحة كلها أنبياء"، وأقول إن أنا "وأعوذ بالله من كلمة أنا"، كنت حريصًا على تدريب الضباط واعاشتهم "فايف ستارز"، والنوادي وغيرها".

حبيب العادلي.. المتسامح

تلك الشخصية القنوعة والمتحضرة والمتدينة لابد لها وأن تكون متسامحة حتى تكتمل الصورة "الملائكية"، يقول العادلي: "كان همي الأول مواجهة الإرهاب واستطعت سريعًا تحديد القيادات والتعامل معهم، وهم قتلة فكنا نتعامل معهم بالطرق المطلوبة لأنهم كانوا يقتلون الضباط والمجندين، وأنا لم أميل للعنف، وكان عندنا 4 من القيادات صدر عليهم أحكام عسكرية بالإعدام، ومنهم من تمكن من الهرب وتمكنا من ضبطه بالتنسيق مع الشرطة الدولية، والإخوة في أمن الدولة عرضوا تنفيذ الحكم، ورأيت أنا أنهم قيادات ثقيلة، ومنهم شقيق قائد تنظيم القاعدة، ولم أرد أن أفتح على نفسي النار، فاتصلت بالرئيس وأخبرته أنني لن أنفذ، عندما دخلت الوزارة كان المعتقلين 23 ألفًا وعندما خرجت كانوا لا يزيدون على 800 شخص".

حبيب العادلي.. العطوف

التسامح لابد وأن يقترن بالعطف، فـ"كان من بين أوائل القرارات التي اتخذتها وأنا وزير، تعديل النظام الغذائي للمساجين، كانوا بياكلوا بـ40 مليون خليتها 80 مليون، لأنهم كانوا بياكلوا أكل لا يصلح للحيوانات، ونزل جدول بالمساجين والطعام الخاص بهم، وكان المسجون عندما يعاقب إداريا، كان من سلطة السجن جلده، وتعليقه في "العروسة" ويتم جلده، وأنا ألغيت عقوبة الجلد والعروسة، ولم يطلب مسجون زيارة أمه أو أبوه المريض أو ابنته تتزوج ورفضت، أبدا".