خطوات عديدة اتخذتها الحكومة المصرية خلال الشهور الماضية لمواجهة أزمة السيولة التي يعاني منها الاقتصاد المصري، فضلا عن تغطية مديونياتها للقطاع المصرفي بما يزيد على 326 مليار جنيه بنهاية السنة المالية الماضية، بداية من رفع البنك المركزي الفائدة على الودائع بالجنيه وفتح الباب أمام البنوك المصرية لاتخاذ إجراءات مماثلة، مرورًا باتجاهات قوية لبيع أصول مملوكة للهيئات الاقتصادية الحكومية لسداد مديونياتها للبنوك، وصولًا إلى فكرة طرح البنك المركزي حصص زيادة رأسمال بنكين مملوكين للحكومة في البورصة خلال أيام بأمر الرئيس عبدالفتاح السيسي.
جاءت تلك الخطوة بعد لقاء ثلاثي جمع بين الرئيس ووزير المالية ومحافظ البنك المركزي وخلال الاجتماع تم مناقشة فكرة طرح بعض أسهم البنوك المصرية الناجحة وشركات قطاع الأعمال عبر البورصة من خلال تنشيط سوق المال بعد نزيف الخسائر المتتالية في رأسمالها السوقي بأكثر من 10 مليارات جنيه عند إغلاقها نهاية الأسبوع الماضي، مما دفع رئيس البنك المركزي طارق عامر لاتجاهات قوية لطرح بنكين حكوميين في البورصة خلال الأيام المقبلة لزيادة رأسمالهما بعيدًا عن البنك الأهلي المصري وبنك مصر باعتبارهما ذراعي الدولة والبنك المركزي .
عدد من خبراء الاقتصاد والمصرفيين أعلنوا عن رفضهم الشديد للعودة إلى ركوب الدولة قطار الخصخصة "الفاشل" من وجهة نظرهم، وإغراق الجميع في بحور الديون والقروض للهروب من شبح تصفية شركات القطاع العام التي تتجاوز خسارتها أضعاف رأسمالها، في حين رأى آخرون أنها خطوة جيدة في طريق إعادة تقييم الشركات والبنوك الحكومية لمعرفة قيمتها الحقيقية في السوق، بعيدا عن "فوبيا" الخصخصة.
ورفض الدكتور ممتاز السعيد، وزير المالية الأسبق وعضو مجلس إدارة بنك الاستثمار القومي تلك الخطوات التي وصفها بـ"الخصخصة المقنعة" ولجأت إليها الحكومة، نتيجة عدم مقدرة الهيئات الاقتصادية التابعة للدولة على سداد مديونياتها للقطاع المصرفي، موضحًا أن فكرة طرح أسهم أي بنك أو شركة يستغرق ما لا يقل عن 6 أشهر للتقييم وتقديم مذكرات طرح في البورصة واختيار الوقت المناسب لذلك وهذا كله لم يحدث حتى الآن.
143 مليار جنيه كانت قيمة فاتورة الفساد التي تطرق إليها تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات فيما يخص عمليات بيع أصول شركات القطاع العام خلال العام الماضي وهذا ما يجعل الكثيرون متخوفين من أي اتجاهات من قبل الحكومة لطرح مصطلح الخصخصة من جديد أو حتى طرح بديل أخر جديد عن طريق البورصة وهي وإن كانت خطوة هامة لمتابعة أداء البنوك والشركات الناجحة بمؤشرات يومية تُظهر أداؤهم ولكنها خطوة ينقصها الخطة الكاملة والرؤية العامة والحصر الشامل للشركات الخاسرة في القطاع العام من أجل البدء في طريق تقييم الآداء وزيادة رأسمالها وتنشيط البورصة المصرية بين الأسواق العالمية، ومن ثم يجب أن تأتي تلك الخطوة في ظل سياسة اقتصادية شاملة .
خصخصة سيئة السمعة
"كفاية ضحك على الدقون وخوف ورعب وحكومة ضعيفة وسوء إدارة وغباء في اتخاذ القرار.. المسألة محسومة، تطرح أو تبيع أسهم وحصص في البورصة حتى لو بنسبة 1% في القانون اسمها خصخصة".. هكذا أعلنها الخبير الاقتصادي الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية الذي أوضح أن مفهوم الخصخصة سيئ السمعة في أذهان المصريين ومرتبط بعهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي ثار الشعب عليه في مثل هذه الأيام وهي نفس سياسات الدكتور عاطف عبيد، والمهندس أحمد نظيف، ووزير ماليته الأسبق يوسف بطرس غالي التي تتجه نحو البيع والتصفية لكل ما يمت للقطاع العام بصلة، في سبيل تغطية عجز الميزانية والخسائر المتراكمة عبر سنوات طويلة من الإهمال وسوء الإدارة .
وأكد رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية في تصريحات خاصة أن قانون قطاع الأعمال صريح للغاية في مثل هذه النقطة، قائلا: الشركة اللي خسايرها المجمعة تزيد عن نصف راسمالها يجب أن تُصفى" ولكن لأن مصر جميلة، وكما قال نجيب الريحاني "الشىء لزوم الشىء"، فإن لكل قانون ذيل يضيع حق الدولة ويبيع أصول شركاتها بـ"رُخص التراب"، وفي هذا القانون تم وضع استثناء في عمليات البيع والتصفية ينص على أنه : إلا إذا رأت الجمعية العمومية للشركة غير ذلك ومن ثم فالرأي الأول والأخير في قرار التصفية يعود للإدارة الفاشلة وخصخصة البنوك رغم أهميتها ليست حلا وحيدا، وإنما يجب أن تأتي في ظل تبني الدولة لسياسات اقتصادية شاملة غير موجودة وليس أحد في هذه الحكومة الحالية قادر على وضعها على حد قوله.
قوانين معيبة
ثغرات عديدة في مواد القانون تحول شركات القطاع العام إلى جيوب المستثمرين والمنتفعين من وراء تصفيتها أو حتى طرح أسهمها في البورصة على سبيل تقييم الآداء والملكية بحسب تعبير الدكتور عبد الخالق فاروق، رئيس مركز النيل للدراسات الاقتصادية الذي طالب بثورة قانونية لإلغاء القوانين المقننة للفساد أو تعديلها وأعلن أن اتجاه الحكومة لطرح البنوك الحكومية والشركات الناجحة عبر البورصة هي إحدى وسائل التمويل الرخيصة لتغطية خسائر شركات القطاع العام الخاسرة وشراء الماكينات اللازمة لها بدلا من تصفيتها والإجهاز عليها في طريق الخصخصة، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج دون تقييم أو صيانة واحلال وتجديد وتدريب وتغيير لرؤساء مجالس الإدارات .
فكرة الطرح مطلوبة لإعادة تقييم الأداء
وعلى صعيد آخر، أعلن الدكتور مختار الشريف، أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة عن ترحيبه الشديد بفكرة طرح البنوك الحكومية والشركات في البورصة عبر أسهم، لإعادة تقييم الأداء والملكية وليس كما يظن البعض أنها بداية نحو طريق الخصخصة وتحويل ملكيتها لشركات القطاع الخاص.
وعن أبرز البنوك التي سيتم طرح أسهمها في البورصة خلال الأيام الماضية بعد دعوة الرئيس أعلن الشريف أن البداية ستكون غالبًا من نصيب بنكي القاهرة والمصرف المتحد كخطوة أولية في طريق التقييم الحقيقي.
وفرّق الشريف بين تقييم قيمة الشركة، والبنك السوقية وبين مؤشرات الأداء العام التي لا تمثل سوى جزء صغير من قيمتها النهائية التي تشتمل على عدة مؤشرات ومعايير أساسية ضرورية لتقييم إلتزامها بالمبادئ الأساسية والصلاحيات والمسئوليات والمهام الرقابية والاستقلالية والمساءلة وتوفر الموارد والحماية القانونية للمراقبين، فضلًا عن مدى مساهمتها في تنمية المجتمع، طبقًا لما ورد بمبادئ بازل للرقابة المصرفية الصادرة عام 1997 وتستخدمها الدول كمؤشر لتقييم جودة أنظمتها الرقابية وتحديد الإلتزامات المستقبلية للارتقاء بممارسات الرقابة السليمة، قائلا: المفروض كل حاجة في مصر يحصل لها تقييم ويتعرف قيمتها الحقيقية ولكننا للأسف معندناش تقييم لأي حاجة ولا توثيق في أي شىء".