روى أبو يعلى، وغيره عن أبي السفر قال: «لما قدم خالد بن الوليد الحيرة، أتي بسمٍّ، فوضعه في راحته، ثم سمَّى وشربه، فلم يضره».
وواقعة شرب خالد بن الوليد للسم قد أخرجها أيضاً أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة، والطبراني في المعجم الكبير، والأصفهاني في معرفة الصحابة، وابن أبي شيبة في المصنف، واللالكائي في كرامات الأولياء، وابن عساكر في تاريخ دمشق من عدة طرق، كما ذكرها غير واحد من أهل العلم، ومنهم الذهبي، وغيرهما، وذكر محقق كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان أن سندها حسن لغيره.
وورد في تاريخ دمشق، أنه لما انصرف خالد بن الوليد من اليمامة ضرب عسكره على الجرعة التي بين الحيرة والنهر، وتحصن منه أهل الحيرة في القصر الأبيض، وقصر ابن بقيلة، فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى نفذت، ثم رموه بالخزف من آنيتهم، فقال ضرار بن الأزور: ما لهم مكيدة أعظم مما ترى، فبعث إليهم ابعثوا إلي رجلًا من عقلائكم أسائله، ويخبرني عنكم، فبعثوا إليه عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة الغساني، وهو يومئذ ابن خمسين وثلاثمائة سنة، فأقبل يمشي إلى خالد.
قال: ومعه سم ساعة يقلبه في يده، فقال له: ما هذا معك؟ قال: هذا السم، وما تصنع به؟ قال: أتيتك فإن رأيت عندك ما يسرني وأهل بلدي حمدت الله، وإن كانت الأخرى لم أكن أول من ساق إليهم ضيمًا وبلاء فآكله وأستريح، وإنما بقي من عمري يسير، فقال: هاته، فوضعه في يد خالد، فقال: بسم الله وبالله رب الأرض ورب السماء الذي لا يضر مع اسمه داء، ثم أكله، فتجلته غشية، فضرب بذقنه على صدره، ثم عرق وأفاق، فرجع ابن بقيلة إلى قومه، فقال: جئت من عند شيطان أكل سم ساعة فلم يضره، أخرجوهم عنكم، فصالحوهم على مائة ألف".
وأكدت العلماء أن تلك القصة إن صحت تلك فشرب خالد بن الوليد للسم كان ثقة منه بالله، وتوكلًا عليه؛ بغرض نصرة دين الله، وإرهاب الكفار، وتقوية إيمان المسلمين، وهذا إما أن يكون من كراماته - رضي الله عنه - أو لَعَلَّهُ كَانَ عِنْد خَالِد فِي ذَلِكَ عَهْد - أي من رسول الله صلى الله عليه وسلم - عَمل بِهِ. كما ذكر ابن حجر في الفتح.