«حارة اليهود».. حملت معالمهم، وأظهرت حرفهم وصناعاتهم التي اشتهروا بها، واختلفت الآراء التاريخية حول يهود الحارة وسبب تواجدهم بها، فالبعض أشار إلي أن اليهود انفسهم من جنحوا إلي التجمع فى مكان يضمهم ويحوي طقوسهم، وآخرون زعموا ان السلطات جمعتهم بهذا المكان وحاصرتهم بربوع الحارة.
والشواهد تؤكد غلبة الرأى الأول من خلال التعرف علي شخصية اليهودي الذي يجنح دائما إلي العزلة بحسب المعتقدات التوراتية؛ للتمكن من ممارسة شعائرهم وطقوس العبادة والطعام والشراب، فاليهودي لايأكل إلا الذبائح التي تذبح بحسب الشريعة اليهودية، ويأثم إثما كبيرا لو أدي صلاة السبت بمفرده، وإنما يتوجب عليه أن يؤديها في جماعة.

بقيت المعالم والبنايات التي تحمل النجمة السداسية هنا شاهدة علي تواجد اليهود واستقرارهم، وبخاصة مع وجود ثلاثة معابد يهودية ما تزال موجودة بالمكان، استوطن اليهود الحارة وراجت تجارتهم، واستمرت شاهدة عليهم وعلي وجودهم، فحارة اليهود بحي الموسكي الذي يتبع الجمالية، لايزال محتفظا بمحلات المجوهرات التقليدية والذهب الصيني، وكأن الزمن أراد صهر الماضي بالحاضر، لكنه استبدل العنصر البشري بآخر، والمادة الخام بمادة أخري، فبدل التاجر اليهودي أضحي هناك التاجر المسلم والمسيحي، وبدلا من صناعة الذهب، تتم صناعة الحلي الشعبية والذهب الصيني رغبة في شيء واحد فقط هو بهجة الفقراء.
معبد موسى بن ميمون
معبد موسى بن ميمون يقع فى 15 شارع درب محمود من حارة اليهود بالقاهرة؛ والمعبد مسجل كأثر بقرار وزير الثقافة رقم 37 بتاريخ 5/3/1986م؛ وذلك لأهميته الدينية والتاريخية والمعمارية، ويرجع تاريخ إنشاء المبنى الحالى للمعبد إلى نهاية القرن 19م.
ينسب المعبد إلى عالم الدين اليهودى القرطبى موسى بن ميمون الذى ولد فى شهر مارس عام 1135م فى قرطبة بالأندلس، وأقام فى مصر وتوفى بها فى 13 من شهر ديسمبر عام 1204م، حيث دفن بمدفن خاص ملاصق للمعبد حتى نقلت رفاته إلى طبرية بفلسطين، ويرمز لموسى فى العبرية باسم “رم بام” وهى الحروف الأولى من اسمه ولقبه “الرب الحاخام موشيه بن ميمون”، وكان موسى بن ميمون عالما بارعا فى العلوم الدينية اليهودية وعلوم الطب والرياضة والفلسفة.

اضطر موسى بن ميمون للهجرة من قرطبة إلى فلسطين، حيث عاش فيها لبعض الوقت، ثم نزل الإسكندرية ومنها إلى الفسطاط، وعمل كطبيب للأمير نور الدين على، أكبر أبناء صلاح الدين الأيوبى، وألّف كتبا فى الطب والهندسة وعلوم اللاهوت أثناء إقامته فى مصر.
150 ألف يهودي لم يتبق منهم سوى عشرات
يقول صلاح الناظر، الباحث الأثري، إن حارة اليهود تعد أشهر تجمع سكني لليهود في مصر، وتقع وسط القاهرة، وتتبع حاليا حي الجمالية بين القاهرة الإسلامية والخديوية، ولم تكن حارة بالمعني الحرفي كما يظهر من اسمها، لكنها حي كامل يضم 360 زقاقا وحارة، سكنها قبل العدوان الثلاثي عام 1956 ما يقارب 150 ألف يهودي، ولم يتبق منهم سوى عشرات.
وأضاف أن سكان حارة اليهود كانوا من مختلف الطوائف، مسلمين وأقباط ويهود، وانقسم اليهود إلى شياختين، أولاهما اليهود القراءون، وهم الذين لا يؤمنون إلا بتعاليم التوراة فقط، وكانت أكثر طائفة يهودية مندمجة في الحياة المصرية، وكان يطلق عليهم الطبقة البسيطة، أما القسم الثاني وهم اليهود الربانيون، وكانوا الطائفة الأكبروالأكثر.
اشتهروا بصناعة الذهب والفضة والأحذية
وتابع: كان الحرفيون من يهود الحارة يعملون في صناعة الذهب والفضة وصناعة الأحذية ومواقد الجاز وإصلاحها وترميم الأثاث، كما تركز عمل التجار منهم في الأقمشة والورق والأدوات الكهربائية، أما اليهوديات فصنعن الحلوى والمربى وتقطير الزهر.

وأوضح “الناظر” أن مجمع إيواء فقراء اليهود من أكثر ما اشتهرت به حارة اليهود قديما، وكان يبلغ عددها الذي أطلق عليه الأوديش، والتي بلغت حينئذ 10 أوديشيات، وكانت عبارة عن مكان واسع مربع الشكل يتكون من طابقين، كل طابق يحتوي على مجموعة صغيرة من الغرف الضيقة، وتحولت حاليا إلى ورش، أما المتبقي منها فيسكنه الأهالي.
توصيلات الكهرباء المتشابكة تسببت فى حرائق متتالية للحارة
اشتهرت حارة اليهود بالحرائق المتتالية بين الحين والآخر، وذلك يرجع إلى أن توصيلات الكهرباء الموجودة بالحارة قديمة جدا ومتشابكة بطريقة عشوائية، ما يتسبب في حدوث الحرائق بين الحين والآخر، فضلا عن تلال القمامة الموجودة في ممرات الحارة الضيقة التي تساعد على انتشار الحريق بشكل أوسع.
أغلب منتجات محلات اليهود التجارية المتراصة من البضائع الصينيية البلاستيكية والإكسسوارات، وبمجرد حدوث حريق بإحداها يمتد للجميع، كما تشمل مخازن البضائع والشقق السكنية، مما تصعب مهمة رجال الحماية المدنية لضيق ممرات الحارة.
نزوح اليهود من مصر
كانت بداية نزوح اليهود ورحيلهم عن مصر عام 1948 تزامنا مع أحداث النكبة ثم أحداث عصابات الهجانة وما فعله السفاحون الصهاينة بالعرب العزل والأطفال، الأمر الذي ترك انطباعا سيئا أو ذنبا حمله يهود مصر بسبب عرقهم الديني، ثم مع بداية ثورة يوليو تزايدت أعداد المهاجرين خوفا من المد الثوري، وزادت وتيرة الهجرة في العام 1967 حيث كان فرارا جماعيا من الأرض التي أتوهم إلي الأراضي المحتلة والبعض إلي دول أوروبية .