نحن جيل من يتامى يا أبى إنه نجيب سرور الصارخ فى برية الشعر والمسرح، له فى كل صنوف الثقافة والفن جانب، نتذكره يوم ميلاده، ونواسى وقوفنا عجزة أمام قهر المثقف وسحقه فى ظل الأنظمة المستبدة، وذلك عندما يصبح اختلافك فى الرأى تهمة جاهزة للانقضاض عليك، بما يدفع المثقف لأن يكون أمام خيارين أولهما التدجين وثانيهما المعارضة بتوابعها، لأن الخيار الثالث لا يليق بمثقف وهو المهادنة.. وتجدر الإشارة إلى أن المطاردة والتشريد والتضييق التى تلحق بالمعارض/المختلف قد تدفعه للانفصال عن الواقع والاغتراب الداخلى والقطيعة النفسية مع الحياة. ولد نجيب سرور فى مثل هذا اليوم 1 يونيو 1932 ورحل فى 24 أكتوبر 1978، وبين هذين التاريخين لقى "سرور " من التعنت والظلم الكثير، مما سجله هو فى قصائده خاصة "الأميات" أما جملته الشعرية التى نحن بصددها: نحن جيل من يتامى يا أبى فهى من قصيدة "رسالة إلى أبى" بديوان "التراجيديا الإنسانية"، ولهذا الديوان تاريخان مهمان الأول: تاريخ الكتابة حيث يشمل الديوان القصائد التى كتبها نجيب سرور حتى 1959، والثانى: هو تاريخ النشر 1967، والديوان هو أول أعمال نجيب سرور الشعرية، ويلفت انتباهنا "التناقض" بين اليتم والخطاب للأب، هذه الغربة التى عاشها "سرور " فى الحقيقة هى نوع من "الالتزام" الذى فرضه "نجيب" على نفسه، وهو ناتج عن رغبته فى "التصحيح" فقد كان يؤمن بأنه على قدر الحلم تكون النتيجة، وهذا ما حدث له حيث كتب من قبل قصيدة "الحذاء": أنا ابن الشقاء ربيب الزريبة والمصطبة وفى قريتى كلهم أشقياء وفى قريتى عمدة كالإله وقد استمرت حالة الاغتراب مصاحبة لنجيب سرور طوال حياته، وظهرت فى كثير من كتاباته وقصائده، خاصة بعد أن مر بتجربة الغربة الخارجية والنفى فى موسكو وبودابست بعد أن سُحب منه جواز سفره، حتى تدخل الكاتب الكبير رجاء النقاش وكتب عن أزمته، لكنه عاد مثخنا بجراح كثيرة واختلافات جمة تتعلق بكل المفاهيم ومنها اليسارية والشيوعية والوطن والشعب والعامل، عاد أكثر إصرارا على قضيتهم، كل ذلك ظهر فى ديوانه "لزوم ما يلزم" وهو بمثابة سيرة شعرية له ولأحلامه وللوطن، وهكذا أصبح لنجيب سرور شكلا معينا وأسلوبا واضحا فى الكتابة والإخراج المسرحى، لكن الأمر ازداد قتامة بمجىء السبعينيات، فقد جاء معها الانفتاح الأعمى ليقضى على آخر ثوابت "نجيب" فى الحياة "الفن" فقد امتلأت المسارح بالراقصات وبلغة هلامية لا علاقة لها بالفن، وبارت تجارة نجيب سرور، خاصة بعد أن تكاتفت مؤسسات الدولة ضده فصرخ فى قصيدة الحكم قبل المداولة: وأحمل أطنان شعر أطوف بها فى الشوارع أسأل جرعة ماء جوابا على العطش الأزلى إنه غريب مثل سقراط يطوف فى شوارع المدينة ببضاعته الكاسدة التى هى التعبير الحقيقى عن الأرض والعمال والنيل والحلم، وتزداد الوطأة عليه لكنه لا يخون نفسه أبدا ولا يخون دوره الذى آمن به وصدقه.