«مصر قريبة» عمل غنائى أهم ما فيه بساطته الشديدة، وهو الأمر الذى جعل الناس تستقبله بقدر من الحفاوة، خاصة أنه دعوة لإنعاش السياحة الخليجية لمصر، مما جعل المصريين يقومون بمتابعته، ونشره على مواقع التواصل الاجتماعى كنوع من الدعم للوطن، وهو أمر يعكس مدى التفاف المصريين حول بلدهم في أوقات المحن والأزمات.

القائمون علي هذا العمل شعروا من أول لحظة أن مثل تلك الأعمال التي تحمل في مضمونها شكل الدعاية أو الإعلان لمنتج ما، يجب أن تعتمد علي لغة السرعة، والإنجاز، بمعني أن تقول كل ما تريده في أقل وقت ممكن، لذلك كان العمل مثل الإعلان أو الفيلم الدعائى لمصر.

الحملة الموسيقية بسيطة جداً، وجزء من تركيبتها الاعتماد على أغنية من التراث، وهو المقطع الذي جاء على لسان الفنان محمد منير الذي يقول فيه «سالمة يا سلامة»، واختيار منير في حد ذاته أيضاً رسالة باعتباره أحد أبناء جنوب مصر «النوبة» وهي أكثر المناطق المتضررة من تراجع السياحة، وبالتالى تجد أبناءها أحرص الناس علي انتعاشها، فكان ظهور منير جيداً، خاصة أنه جاء في وقت ابتعد عن الأضواء لأسباب لا نعلمها، وربما يجدها هو فرصة لإعادة ترتيب أوراق مشواره. وجاءت مشاركة أنغام باعتبارها أكثر النجمات المصريات من المطربات تأثيراً في الخليج العربي، إلي جانب قدرتها على أداء الأعمال من نوعية السهل الممتنع. وكان لنجوم الخليج المشاركين في العمل مثل بلقيس أحمد فتحي التي تحمل الجنسية الإماراتية، وهي ابنة المطرب وعازف العود الشهير أحمد فتحى، وهي من الأصوات المهمة جداً وهي مستقبل الغناء ليس في الإمارات فقط، ولكن الخليج كله، وهي تتمتع بمقومات كبيرة جداً، إلى جانب السعودى بندر سعد، ونوال الكويتية، وفايز السعيد من الإمارات.

وزاد من سرعة الإيقاع أداء كل الممثلين المصريين كان أقرب إلي أداء الموديل في الفيديو كليب، غادة عادل بائعة الورد، ولطفي لبيب «سائق التاكسى»، وسامح حسين «سائق الحنطور» ومحمد هنيدى، وشريف منير «لاعبا الطاولة»، وسمير غانم ودلال عبدالعزيز، وماجد المصرى «من رواد كورنيش النيل»، وإيمى سمير غانم وحسن الرداد، ومحمد شرف على الدراجة النارية، وعمرو يوسف «صائد السمك»، وآسر ياسين «الضابط»، كل واحد من هؤلاء لم يستغرق مشهده أكثر من ثوان معدودة دون الاستغراق في تفاصيل لا تفيد.

العمل جاء في خمس دقائق تقريباً، وأظهر كل ما يعشقه السائح في وطننا مصر.

لكن ربما الخطأ الفنى الوحيد الذي شاهدناه هو إطلاق اسم الأوبريت عليه، وهو خطأ لا يجب أن نقع فيه، فالأوبريت له مفردات أخرى لا تنطبق على هذا العمل، فهو لا يضم أي حوار مغنى، ولا يوجد فيه إطار درامى يجمع الأبطال، وهي ملحوظة يجب تداركها مستقبلاً، خاصة أن مخرج العمل تامر مهدى أعلن عن وجود جزء ثان سوف يصور في سيناء، وبما أن العمل يمثل مصر صاحبة التاريخ الغنائى الكبير، فلا يجوز أن نقع في مثل هذه الأخطاء البسيطة في وجود اسمين كبيرين في عالم الغناء هما محمد منير، وأنغام. الخطأ لا يقلل من أهمية العمل، لكن ربما يظهر قدراً من عدم الدراية بالفرق بين أغنية عادية قام بأدائها بعض المطربين، والأوبريت. والخطأ الشائع عندنا هو أنه في حالة وجود أكثر من مطربين في عمل نطلق عليه أوبريت، وإلا فهذا يعني أن أى أغنية لأم كلثوم أو عبدالحليم قام بغنائها مجموعة من المطربين في حفل واحد وتوقيت واحد وفقرة واحدة يعني أنها تحولت إلى أوبريت.

هذا العمل يطرح سؤالاً آخر مهم، وهو هل هذا يكفى لجذب السياحة؟ أتصور أن الإجابة «لا»، فدائماً الواقع هو الذي يجذب أى مواطن لزيارة أى بلد آخر، لذلك يجب أن تترجم حماس محمد منير وأنغام إلي أمر آخر، وهو عمل حفلات يشارك فيها الاثنان مع أسماء أخرى مثل على الحجار، ومحمد الحلو، وشيرين عبدالوهاب، وتامر حسنى، وعمرو دياب، بلا مقابل، فهذه الحفلات عندما تنقل على الهواء للعالم، فهذا يعني أن مصر بخير، وهذا يعني انتعاش السياحة.

ظهور «مصر قريبة» شيء رائع كإعلان ترويجى، لكن يبقي أن الحفلات تمثل سياحة يطلق عليها العالم سياحة المهرجانات، لا أتصور أن محمد منير بكل ما أعطته مصر أو أنغام أو الحجار أو عمر خيرت سوف يبخلون عليها، والموسيقار الكبير  عمر خيرت له تجربة في حفلات في حب مصر مع المطرب الكبير هاني شاكر وآمال ماهر ونجحت التجربة لكنها لم تتكرر، والدور الآن أصبح علي منير وأنغام أو على الحجار فقد بُح صوته بالمطالبة بعمل جولات في كل ربوع مصر، وتخصيص العائد لصالح صندوق «تحيا مصر».

الكلمات التي نسمعها من كبار مطربينا لم تعد كافية لبناء الوطن. ما أجمل الكلمات الرنانة ذات البريق واللمعان، ولكن الواقع، وما تمر به ظروف البلد تجبر الجميع على التخلى ولو لمرة واحدة عن النظرة المادية للأمور، ويعطى لمصر جزءاً مما أعطته له، فهي أعطته المال والشهرة، والانتشار فى العالم العربى، لذلك جاء وقت رد جزء بسيط مما أعطته للجميع.