ربما تركته محاولات الاغتيال الإسرائيلية مثخنًا بالجراح، ودفعته للاختباء، لكن اسم محمد الضيف، القائد "الخفي" للجناح المسلح لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، برز، لأنه العقل المدبر للحرب مع إسرائيل، ولأنه المخطط الاستراتيجي الذي ساعد على تكوين شبكة من الأنفاق تحت حدود إسرائيل. واستطاع الضيف أن يأخذ عدوه القوي على حين غرة، بهجمات مباغتة، سببت خسائر فادحة في الأرواح. ورغم الضربات الإسرائيلية العقابية، في الصراع المستمر منذ أكثر من شهر، واصلت حماس إطلاق الصواريخ، التي وصلت إلى العاصمة التجارية تل أبيب.

وقد منحه موقعه القيادي صوتًا مسموعًا بين قادة الحركة الإسلامية، وفي توجيهها نحو الحرب أو الهدنة، لكن يتردد أنه يفضل دوره العسكري على السياسة الداخلية.

ولا يعرف كثيرون شكل الضيف، الذي يعتقد أنه في الخمسينيات من عمره، بعد أربع محاولات إسرائيلية على الأقل لقتله، كما أن الصور القديمة له نادرة.

وأظهرت لقطات فيديو نادرة، تعود لعام 2002، الضيف وهو مضرج بالدماء، وقد جلس منتصبًا بينما كان رجل يحاول سحبه بعيدًا عن حطام سيارة أصابها صاروخ أطلقته طائرة هليكوبتر إسرائيلية.

ولا تعلق حماس على صحة الضيف، وتقول إنه يسيطر بشكل كامل على جناحها العسكري منذ التسعينيات.

وذكرت بعض التقارير الإسرائيلية أنه فقد إحدى عينيه وبعض أطرافه، ويجلس على مقعد متحرك، كما لا يزال مكان اختبائه لغزًا، وقال وزير إسرائيلي، الشهر الماضي، إن الضيف يختبيء في أنفاقه الخاصة منذ سنوات.

لكن مسئولاً في المخابرات الإسرائيلية قال لرويترز، إن إسرائيل تعتقد أن الضيف يلعب دورًا مهمًا في حرب غزة.

وقد قابلت حماس القوات الإسرائيلية بعدة أساليب، شملت استخدام الأنفاق، لشن هجمات مفاجئة، وخسر الجيش الإسرائيلي 64 من جنوده في القتال، أي أكثر بستة أمثال من عدد الجنود الذين قتلوا في الغزو السابق لغزة، أوائل عام 2009.

وتقول إسرائيل إنها قتلت مئات من مقاتلي حماس، ودمرت أكثر من 30 نفقًا.

وقال حمزة أبو شنب، وهو خبير في شئون الحركات الإسلامية، مقيم في غزة: "لقد طور الضيف من فكرة الأنفاق".

وقال مصدر في حماس، يعرف الضيف منذ التسعينيات، إنه في قلب التطورات داخل الجناح المسلح منذ عام 1994.

واتفق إيهود ياري، وهو باحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ومقيم في إسرائيل، مع هذه النظرية، وقال: "ظل محمد الضيف في موقع قوة طيلة الوقت.. ربما لم يلحظ البعض ذلك، لأنه كان مختبئًا في الظل".

ووفقًا لمصدر حماس، فقد ولد الضيف في مخيم خان يونس للاجئين، وكانت أسرته فقيرة، لكن والده، الذي كان يعمل منجدًا، أصر على أن يتم أبناؤه تعليمهم.

وحصل الضيف على درجة في العلوم من الجامعة الإسلامية في غزة، حيث كان يدرس الفيزياء والكيمياء والأحياء، كما أبدى الضيف ميلًا للفنون.

وقال المصدر: "كان رئيس اللجنة الترفيهية بالجامعة، وكان يمثل على المسرح ويؤلف عروضًا كوميدية".

ثم انضم الضيف إلى حركة حماس، التي كانت وليدة آنذاك، خلال الانتفاضة الأولى عام 1987، وسجنته إسرائيل في عام 1989، وتقول بعض الروايات إنه أمضى أكثر من عام في السجن.

ومع صعوده داخل حماس، تصدر الضيف قوائم المطلوبين في إسرائيل على مدى عقود، وألقيت عليه شخصيًا مسئولية مقتل عشرات الإسرائيليين في تفجيرات انتحارية.

ووصف يورام شفايترز، من معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، الدور الحالي الذي يلعبه الضيف بأنه بين رئيس أركان الجيش ووزير الدفاع.

وقال شفايتزر: "نظرته الشخصية وخبرته جعلت منه خصمًا لا يستهان به".

وفي رسالة صوتية نادرة، بثت يوم 29 يوليو، قال الضيف: إن حماس ستواصل مواجهة إسرائيل، حتى رفع الحصار عن غزة.

وقال الضيف: "لن ينعم الكيان المحتل بالأمن، حتى ينعم شعبنا بالحرية والكرامة".

ويقول أبو شنب: إنه رغم رسالته المسجلة: فإن الضيف ليست له طموحات سياسية داخل حماس، ويفضل التركيز على القضايا العسكرية.

وحماس هي حركة متعددة القيادات، وتتخذ معظم القرارات بالتشاور مع الجناح المسلح، والقيادة السياسية المشتتة بين السجون الإسرائيلية وغزة ومصر وقطر، حيث يقيم رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، منذ خلافه مع مضيفيه السوريين في عام 2012.

وقال أبو شنب: "الحركة هي من يحكم، ولا وجود للمفاجآت داخل حماس ... لا يوجد شخص يقرر بمفرده."

لكن المحلل المقيم في إسرائيل ياري، يقول: إن الجناح المسلح لحماس هو "القوة الرئيسية" في عملية اتخاذ القرار الجماعية.

وقال ياري: "محمد الضيف يتمتع بحق النقض، لكنه لا يستخدمه كثيرًا"، مضيفًا، أن الضيف قد اعترض على قرار مشعل بقبول هدنة سابقة أدت إلى محادثات غير مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في مصر.

وتقول حماس إن قائد الضيف ومعلمه كان عماد عقل، الذي كان سلفه في قيادة الجناح المسلح لحماس في قطاع غزة، وقتلته القوات الاسرائيلية بالرصاص عام 1993.

وتعلم الضيف صناعة القنابل على يد يحيى عياش المعروف باسم "المهندس"، وأحد مؤسسي كتائب عز الدين القسام، ورغم الجهود المضنية لتفادي الاغتيال، نجحت إسرائيل في قتل عياش عام 1996 في غزة، عن طريق زرع متفجرات في هاتف محمول.

ويبدو أن التصميم والحذر هما السمات الرئيسية للضيف، وتوعدت إسرائيل، يوم السبت الماضي، بالعثور عليه وقتله.

وقال مصدر حماس، الذي خدم تحت الضيف: "يتمتع بأعصاب من فولاذ ... عندما يقرر أن يستخدم مكانًا ما يمتنع عن الحركة تمامًا ... ليس لديه فضول لرؤية ما يجري في الشارع ... أنه يستخدم أعين وآذان من يثق بهم لهذا الغرض".