تشهد مصر حاليًا موجة شديدة الحرارة والرطوبة تتواكب مع قرب انتصاف طول فصل الصيف فلكيًا، والذي بدأ في 21 يونيو الماضي وينتهي 23 سبتمبر المقبل، حيث يصل السبت إلى يومه الـ43، وفي الصيف تكون أشعة الشمس أقرب إلى العمودي على سطح الأرض، وتكون درجة الحرارة مرتفعة والنهار أطول من الليل، مما يعني وجود فرصة أكبر لاكتساب الطاقة الحرارية من الشمس طوال ساعات النهار، والوقت غير كاف ليلا لفقدان الطاقة للفضاء الخارجي بفعل إشعاع الأرض.

وحرارة الصيف لا ترجع فقط إلى ميل محور دوران الأرض حول نفسها بزاوية مقدارها 23 درجة ونصف الدرجة، الذي يكون متجهًا نحو الشمس في الصيف وبعيدًا عنها في الشتاء، وإنما ترجع أيضًا إلى ثلاثة أسباب حددها العلماء وهى البشر، والتقدم الصناعي، ودورة الطبيعة، والنشاط الزائد للشمس.

وأدى التقدم الصناعي والاعتماد على أنواع الوقود المختلفة مثل البترول والفحم والغاز الطبيعي كمصدر أساسي للطاقة، ومع احتراق كل هذا الوقود لإنتاج الطاقة واستخدام مركبات الكربون والكلور والفلور في الصناعة بكثرة، إلى ارتفاع حرارة الأرض وتزايد انبعاث الغازات الدفيئة بكميات كبيرة تفوق حاجة الغلاف الجوي للحفاظ على درجة حرارة الأرض في مستوياتها الطبيعية، مما أدى إلى زيادة الغازات المسببة للحرارة.

ويعزو بعض العلماء أسباب الارتفاع الموجود حاليًا في درجات الحرارة إلى دورة الطبيعة، استنادا إلى فكرة وجود ارتفاع في درجة حرارة الأرض في بداية عام 1900 والذي استمر حتى منتصف الأربعينيات، ثم بدأت درجة حرارة سطح الأرض في الانخفاض بين منتصف الأربعينيات ومنتصف السبعينيات حتى بدأ البعض يروج لفكرة قرب حدوث عصر جليدي، ثم بدأت درجة الحرارة في الأرض بالارتفاع مجددا في الثمانينيات وحتى الآن والذي يرى معارضو هذا أن سببه ليس دورة طبيعية وإنما هو زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري.

وتتضامن الرياح الشمسية مع تلك الأسباب فتزيد درجة حرارة الأرض نتيجة لزيادة النشاط الشمسي، حيث تؤدي الرياح الشمسية بمساعدة المجال المغناطيسي للشمس إلى الحد من كمية الأشعة الكونية التي تخترق الغلاف الجوي للأرض، والتي تحتوي على جزيئات عالية الطاقة تقوم بالاصطدام بجزيئات الهواء، لتنتج جزيئات جديدة تعد النواة لأنواع معينة من السحب التي تساعد على تبريد سطح الأرض، وبالتالي فإن وجود هذا النشاط الشمسي يعني نقص كمية الأشعة الكونية، أي نقص السحب التي تساعد على تبريد سطح الأرض وبالتالي ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض.

وعلى مدار السنوات الماضية، وقفت درجة حرارة كوكب الأرض حائرة بين الملوثات البيئية والصناعية وعبث الإنسان بالطبيعة وارتفاع انبعاث غاز ثانى أكسيد الكربون في الهواء بنسبة تعدت حاجز 400 جزء من المليون في مايو 2013 وهو قياس تاريخي، لم يحدث منذ ظهور الإنسان على وجه الأرض أي منذ أكثر من 2.5 مليون سنة، طبقا لما توصل إليه علماء الأرصاد الجوية في محطة مونا/ لوا في جزيرة هاواي.

إذا كان هناك اختلاف بين العلماء على أسباب ارتفاع حرارة الأرض فإنهم يتفقون جميعا على أن حرارة الأرض في ارتفاع مستمر، وهذا ما أثبتته قياسات درجات الحرارة خلال السنوات الثلاثين الماضية، وارتفاع حرارة الأرض أمر خطير للغاية لأنه يؤدي لنتائج كارثية، فاستمرار تلك الزيادة في درجة حرارة الأرض يؤدي إلى ذوبان جبال الجليد في القطبين وبالتالي ارتفاع مستوى البحر، ما ينتج عنه إغراق المناطق الساحلية، وكل ذلك يحدث تغيرات كبيرة في مناخ الأرض تتفاوت بين الأعاصير، موجات الجفاف، الفيضانات والحرائق.

وحسم العلم الأمر بإلقاء المسؤولية الكبرى في ارتفاع درجة الحرارة على البشر باعتبارهم سبب الاحترار العالمي، والتغيرات الكبرى التي يشهدها مناخ كوكب الأرض، وبدأت تلوح بالفعل في الأفق، حيث واصل متوسط درجة الحرارة ارتفاعه في جميع دول العالم.

ولهذا، فإن ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف في مصر هو عنصر من منظومة عالمية تعاني منها جميع الدول، فالعالم بأكمله يمضي سريعًا نحو ارتفاع الحرارة حوالي أربع درجات مئوية بنهاية هذا القرن، وهو ما كشف عنه تقرير للبنك الدولي، محذرًا من إخفاقات التصدي لتغير المناخ، التي تنذر بتغيرات كارثية تؤثر على ملايين البشر وتشمل الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، وتقلص مخزون الغذاء العالمي، وارتفاع مستوى مياه البحار.

وتوقع التقرير أن كثيرًا من مناطق العالم ستشهد خلال شهور الصيف كلها تقريبًا موجات من الحر الشديد لا تحدث عادة سوى مرة واحدة خلال مئات السنين، إذ لم يكن هناك احترار عالمي، ولن يكون توزيع آثار هذه الموجات متساويًا، وستحدث أكبر الارتفاعات في درجات الحرارة فوق اليابسة، وتتراوح بين 4 و10 درجات مئوية، كما توقع أن ترتفع درجات الحرارة من 6 درجات مئوية فأكثر في مناطق البحر المتوسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وأجزاء من الولايات المتحدة.

ولن تنجو من هذه المعاناة أي منطقة في العالم، وإن كان البعض سيعاني أكثر من الآخر، بيد أن الفقراء سيكونون الأكثر معاناة، حيث يمضي العالم حاليًا نحو ارتفاع درجة الحرارة حوالي 4 درجات مئوية، خاصة في ضوء عجز الدول عن الوفاء بوعودها المتعلقة بالحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.

والتقاعس عن التحرك إزاء تغير المناخ يهدد بأن تكون البيئة التي سنتركها لأطفالنا مختلفة تماما عن العالم الذي نعيشه اليوم، فتغير المناخ هو واحد من أكبر التحديات التي تواجه التنمية، والبشر بحاجة إلى تحمل المسؤولية الأخلاقية عن التحرك بالنيابة عن الأجيال القادمة، ولاسيما أشد السكان فقرا، وعلى دول العالم أن تتعامل مع مشكلة تغير المناخ بشكل أكثر صرامة، فالمزيد من جهود التكيف والتخفيف من آثار تغير المناخ أساسية، كما أن الحلول ممكنة، ويحتاج العالم فقط إلى استجابة دولية تضاهى ضخامة مشكلة المناخ، وتضع الدول على مسار جديد من التنمية المناخية الذكية والرخاء المشترك.