على مدار يومين كاملين لم تتوقف المقاتلات الإسرائيلية من طراز F16 من دك أسطح منازل قطاع غزة وإسقاط ما في جوفها من ذخيرة وصواريخ لا تفرق بين مدني وعسكري حتى بلغت حصيلة الضحايا التي تم تسجيلها حتى الآن 25 شهيدًا.
كتائب عز الدين القسام هي الأخرى لم تقف مكتوفة الأيدي، فأمطرت العاصمة تل أبيب ومدينة حيفا بصواريخ جراد وقسام حتى باتت صفارات الإنذارات نغمة دائمة في أذن المستوطنين الإسرائيليين.
يأتي هذا التصعيد الإسرائيلي بمثابة خرق لتهدئة استمرت بين الجانبين على مدار أكثر من عامين بوساطة مصرية عاش خلالهما المستوطنون اليهود في أمان نسبي من صواريخ المقاومة الفلسطينية.
البداية
ويعود أصل الحكاية إلى اختطاف 3 من المستوطنين الإسرائيليين في مدينة الخليل بالضفة الغربية خلال الشهر الماضي، ولم تترك القوات الإسرائيلية على مدار الأسابيع الثلاث منزلا ولا حيا ولا شقا إلا وفتشته، ولم يعثروا عليهم، فما كان منهم إلا أن طلبوا مساعدة رئيس السلطة الفلسطينية في إيجاد المستوطنين ولكن دون فائدة.
ومنذ أيام قليلة تم العثور على جثث المستوطنين في حلحول قرب الخليل أيضا، فصب الجيش الإسرائيلي والمستوطنون الإسرائيليين جام غضبهم ولأول مرة منذ فترة على أهل الضفة الغربية، وراح المستوطنون يتحرشون بالمارة فهذا يضربونه حتى الموت وتلك ينزعون عنها حجابها.
استمر الوضع على هذه الوتيرة إلى أن فقد 3 من المتطرفين اليهود عقولهم وقاموا باختطاف الشاب الصغير محمد خضيرة من القدس الشرقية حيث يعيش وقاموا بتعذيبه وحرقه حتى الموت.
وقد كانت تلك هي الشرارة التي كان ينتظرها الجميع على ما يبدو، حيث ثارت الجماعات المسلحة لحركتي حماس والجهاد وأعلنوا تضامنهم مع أهالي الضفة الغربية في ظل أن المحتل واحد، ومع توالي الاعتداءات المماثلة على المدنيين بدأت الصواريخ الفلسطينية تعكر صفو حياة المستوطنين الإسرائيليين.
عند هذه النقطة قررت السلطات الإسرائيلية شن عملية عسكرية جوية موسعة أطلقت عليها اسم جرف الصمود وقصفت أهداف عديدة في غزة على مدار يومين متتاليين مما أسفر عن استشهاد 25 فلسطينيا حتى الآن، فيما أمطرت كتائب القسام سماء تل أبيب وحيفا والقدس بصواريخها طويلة المدى ووصلت بعضها لمطار بن جورين كما اقتحمت وحدة تابعة لكتائب القسام وحدة بحرية عسكرية إسرائيلية بمنطقة عسقلان.
تطور المعركة
هناك بعض المتغيرات التي يمكن أن نلحظها في الحرب الحالية بين إسرائيل وحركة حماس كالتالي..
أولا: ولأول مرة تقريبا منذ الانتفاضة الثانية تقوم الطائرات الإسرائيلية باستهداف المدنيين بشكل منتظم ومقصود ومعلن، فقد جرت العادة أن يحدث ذلك بشكل غير ممنهج على أن تسارع إسرائيل بعدها إما بالاعتذار أو بالتبرير، ولكنها هذه المرة أكدت أنها فعلت ذلك بموجب حكم محكمة عقب معلومات تؤكد استخدام هذه المنازل كمنصات صواريخ التي تطلق باتجاه إسرائيل.
ثانيا: أن هذه الحرب شهدت تطورا في نوعية الصواريخ التي تستخدمها المقاومة المسلحة سواء التابعة لحركة حماس أو تنظيم الجهاد، ففي حربي 2012 و2008 كان أقصى مدى يمكن أن تصل إليه تلك الصواريخ هو تل أبيب التي لا تبعد عن غزة بأكثر من 100 كيلومتر على أقصى تقدير، ولكن هذه الصواريخ بلغت حيفا التي تبعد مسافة تتراوح بين 150-200 كيلومتر عن غزة أي أنه بات بإمكان المقاومة ضرب العمق الإسرائيلي بسهولة.
ثالثا استمرار ضعف كفاءة منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية وهي عبارة عن شبكة دفاع مضادة للصواريخ لحماية سماء تل أبيب والمدن لمجاورة لها، فمن بين عشرات الصواريخ التي أمطرت بها القسام إسرائيل لم تسقط هذه المنظومة سوى 4 صواريخ على أقصى تقدير.
الموقف المصري
على الرغم من مرور يومين على بدأ العدوان الإسرائيلي على غزة إلا أن ملامح الموقف المصري لم تتبلور بعد، صحيح أن مؤسسة الرئاسة أصدرت بيانًا وصفت فيه إسرائيل بالقوة المحتلة وطالبتها صراحة بوقف التصعيد لتمهيد الأرض لاستئناف مفاوضات السلام ولكن تبقى بعض الأمور غامضة وغير واضحة.
فعلى سبيل المثال تطرح حماس شرطا أساسيا من أجل وقف التهدئة رفع الحصار عن غزة وفتح المعابر بصورة طبيعية وهذه هي المعضلة التي لطالما عكرت صفو العلاقات المصرية الفلسطينية.
ففي عام 2008 وفي خضم حرب "الرصاص المصبوب" التي شنتها إسرائيل وأسفرت عن مقتل 1200 شهيدا على الأقل مورست ضغوط دولية وإسلامية رهيبة على مصر كي تفتح المعبر وكان مبارك دائم الرفض بحجة أن الاتفاقيات تقضي بضرورة وجود ممثل للسلطة الفلسطينية ومراقبون دوليون لفتح هذا المعبر.
وفي النهاية رضخ وفتح المعبر لعلاج الحالات الحرجة ودخول النساء والأطفال وكبار السن ولكن الأمر لم يمر بسلام وحدث اجتياح للمعبر أسفر عن سقوط ضابط مصري حاول منعهم من الدخول.
في عام 2012 وإبان عملية "عمود السحاب" التي شنتها إسرائيل ضد غزة بسبب محاولة حركة حماس الانتقام لاغتيال قائد الجناح العسكري أحمد الجعبري توسطت المخابرات المصرية لعقد وساطة وهدنة وضمن نظام محمد مرسي للجانب الإسرائيلي التزام الجانب الفلسطيني بالتهدئة التي استمرت حتى وقتنا هذا.
ولكن الأوضاع الحالية تختلف عن الماضي فسيناء الآن غير تلك التي كانت في السابق، فالمنطقة الشرقية لضفة قناة السويس تشهد عمليات تطهير للبؤر الإرهابية بالأسلحة الثقيلة منذ شهور، والأنفاق الواصلة بين الجانبين يتم تدميرها دون كلل أو ملل، والجيش يحاول السيطرة على مداخل ومخارج المنطقة برمتها لحين تطهيرها وفتح المعبر –حسب محللون- يمكن أن يقوض هذه المساعي.
المشكلة الثانية أن بعض الجهات الأمنية تعتبر أن جزءا كبيرا من أزمة سيناء الحالية هي فتح معبر رفح ثم اجتياحه في عام 2008 حيث نتج عن ذلك دخول عناصر شديدة التطرف وتمركزها في شقوق جبال الحلال حتى وقتنا هذا.
ولكن بالتأكيد أخر ما يحتاجه الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي أن يقال عنه إنه يكرر نهج سابقه حسني مبارك في التعامل مع حماس بعجرفة والتعنت في فتح المعبر، ولكنه في الوقت نفسه قرار استراتيجي خاصة وأن سيناء منطقة حرب مثلها في ذلك مثل غزة.
وبين كل هذه التفاصيل التي سبق وأسلفناها تتسرب دماء الفلسطينيين في هدوء لا يقطعه سوى أصوات الضربات الإسرائيلية الجوية، حتى صرخات الأطفال لا تكتمل، فللأسف بعض رموز المقاومة شوهت سمعة القضية عندما اشتغلت بالسياسة وقبلت بالتحيز وانتصرت للجماعات على حساب إرادة الشعوب.