لا يزال المهاجرون في المغرب يعانون من انتهاكات حقوق الإنسان على أيدي قوات الأمن والسكان المحليين الممتعضين من تواجدهم في البلاد، على الرغم من الإصلاحات التي تم إدخالها على سياسة الهجرة والتي كانت موضع ترحيب من قبل منظمات حقوق الإنسان المحلية عندما تم الإعلان عنها منذ خمسة أشهر.
وقد أشادت منظمات حقوق الإنسان بالجهود التي بذلها المغرب في الآونة الأخيرة لإقامة نظام لجوء يعترف باللاجئين للمرة الأولى، فضلاً عن الخطط لتقنين أوضاع عدد محدود من المهاجرين غير الشرعيين والتوقف عن ترحيلهم القسري إلى الجزائر، ووصفتها بأنها خطوات في الاتجاه الصحيح. ولكن لا تزال بعض التقارير ترد عن مهاجرين يواجهون العنف بشكل روتيني، لاسيما الأفارقة من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، الذين يحاولون الوصول إلى سبتة ومليلية، وهما جيبان إسبانيان صغيران يقعان على الساحل الشمالي للمغرب المطل على البحر المتوسط.
وقد أرسلت مجموعة من ثماني منظمات غير حكومية محلية ودولية تعمل مع المهاجرين خطاباً مفتوحاً إلى السفير الإسباني في المغرب يوم 13 فبراير يبرز بالتفصيل روايات المهاجرين عن سوء المعاملة التي يلقونها على أيدي قوات الأمن الإسبانية والمغربية. كما يوثق الخطاب الحوادث التي تعرض خلالها المهاجرون للضرب لدى وصولهم إلى إسبانيا على أيدي الحرس المدني، وهي الشرطة الإسبانية، والطرد التعسفي مرة أخرى إلى المغرب. ويصف أيضاً العنف الذي تتسم به إجراءات اعتقال المهاجرين من قبل قوات الأمن المغربية.
وفي هذا السياق، أشارت منظمة كاريتاس، التي تدير مركزاً لتقديم المساعدة الطارئة للمهاجرين في العاصمة المغربية الرباط وإحدى المنظمات الموقعة على الخطاب، إلى أنها عالجت 24 مهاجراً على مدار شهرين من إصابات لحقت بهم خلال تلك الاعتقالات.
وأشار الخطاب إلى واقعة حدثت في 6 فبراير عندما حاول مئات المهاجرين الوصول إلى مدينة سبتة. ففي حين اقتحم غالبية المهاجرين أسوار الحدود البرية، قفزت مجموعة صغيرة في البحر، في محاولة للسباحة حول كاسر الأمواج الذي يشكل جزءاً من الحدود الدولية، فغرق ما لا يقل عن 12 شخصاً.
وذكرت كاريتاس أن عشرات المهاجرين، الذين ألقي القبض عليهم في وقت لاحق بشكل جماعي وتم نقلهم بالقوة إلى الرباط، أخبروا المنظمة أن “قوات الأمن الإسبانية أطلقت الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع على الزوارق والأشخاص أنفسهم الذين كانوا يطلبون المساعدة، مما أدى إلى وفاة العديد منهم غرقاً”.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، أكد ليو، وهو رجل كاميروني شهد الحادث، أنهم “أطلقوا الغاز المسيل للدموع في الماء بينما كان الناس يسبحون للنجاة بأرواحهم”.
من جانبه، نفى الحرس المدني في البداية استخدام الرصاص المطاطي، إلا أن وزير الداخلية الإسباني خورخي فرنانديز دياز اعترف في كلمة أمام البرلمان يوم 13 فبراير بأنهم أطلقوا الرصاص المطاطي تجاه المهاجرين في البحر، ولكنه وصفها بأنها طلقات تحذيرية ونفى أن تكون قد تسببت في أي وفيات.
استمرار العنف
وتتفق مزاعم المهاجرين عن العنف المنهجي على حدود سبتة ومليلية مع النتائج التي توصل إليها تقرير هيومان رايتس ووتش الصادر في 10 فبراير، والذي يوثق غارات عنيفة على مخيمات المهاجرين المؤقتة، وسرقة المال وبطاقات الهوية من قبل الشرطة، والاعتقالات الجماعية دون اتخاذ الإجراءات القانونية الواجبة. كما أكد مارك فاو، المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في المغرب، وقوع “عنف مؤسسي” ضد المهاجرين في سبتة ومليلية والمناطق المحيطة بهما.
وقد رد المغرب بالإشارة إلى التقدم الذي أحرزه في قضايا الهجرة منذ أن أعلن عن إصلاح سياسة الهجرة في سبتمبر 2013. وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير الاتصال مصطفى الخلفي في تصريح صحفي: “لقد تم اعتماد ثلاثة قوانين جديدة للتعامل مع مسألة الهجرة: قانون لمكافحة تهريب الأشخاص، وقانون يتعلق بإقامة الأجانب، وقانون يختص بحق اللجوء”.
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب منح 580 من طالبي اللجوء وضع لاجئين منذ شهر سبتمبر الماضي. وهذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها المغرب بالأشخاص الذين تصنفهم المفوضية على أنهم لاجئون. فقد تم منحهم بطاقات هوية خاصة باللاجئين وسوف يحصلون في المرحلة المقبلة على أوراق إقامة تسمح لهم بالعمل والحصول على بعض الخدمات الاجتماعية، بما في ذلك الرعاية الصحية المجانية المحدودة. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يستفيد 25,000 مهاجر غير شرعي من القرار بمنح أوراق إقامة “استثنائية” في عام 2014. ويشمل المرشحون المؤهلون الأشخاص المتزوجين من مغاربة، والذين لديهم عقود عمل، وغير المواطنين الذين يمكنهم إبراز وثائق تثبت إقامتهم في المغرب لمدة خمس سنوات على الأقل، والذين يعانون من ظروف صحية وخيمة.
وتقول الحكومة المغربية أيضاً أنها أوقفت ممارسة طرد المهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود الصحراوية مع الجزائر.
وفي سياق متصل، عبرت انكه شتراوس، رئيسة بعثة المنظمة الدولية للهجرة (IOM) في الرباط، عن ترحيبها الحذر بالتحول غير المتوقع في سياسة الحكومة “من التركيز التام على الأمن إلى نهج يستند أكثر إلى حقوق الإنسان”. وأشارت شتراوس إلى أنه باستثناء بؤرتي التوتر، سبتة ومليلية، “هناك بعض الممارسات وانتهاكات حقوق الإنسان التي توقفت. لم نعد نرى - على الأقل هنا ]في الرباط] - أعداداً كبيرة من الاعتقالات وعمليات الترحيل القسرية إلى الجزائر”.
ويتفق المهاجرون في شوارع الرباط مع هذا الرأي. “في السابق، كانت الشرطة تضايق الجميع، ولكن الآن انخفضت المضايقات كثيراً،” كما أشار ليو، على مرأى من شرطيين لم يحاولا حتى النظر باتجاه العامل الكاميروني.
وع ذلك، أفادت المنظمة الدولية للهجرة ومنظمة كاريتاس أن سياسة جديدة أدت إلى اعتقالات جماعية للمهاجرين الذين كانوا يقيمون في مخيمات بالقرب من حدود سبتة ومليلية على مدار الشهرين الماضيين، ثم ترحيلهم قسراً إلى الرباط وفاس والدار البيضاء ومراكش.
فلوران، وهو مهاجر كاميروني آخر، وصف تجربته بعد ضبطه في قارب مطاطي قرب طنجة، وهو ميناء مغربي يبعد 35 كيلومتراً عن البر الرئيسي لإسبانيا، عبر مضيق جبل طارق. وقال في حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): “انتشلونا من البحر، وقبضوا علينا وأحضرونا إلى الرباط. هم لا يسألونك عن رأيك أو يمنحونك حق الاختيار”.
وأضاف معلقاً على محاولات العبور إلى سبتة ومليلة وإلى البر الرئيسي: “إنها القصة ذاتها: إما أن ننجح في عبور الحدود ثم يعيدنا ، أو يوقفوننا قبل أن نصل إلى هناك، ولكننا نتعرض للضرب في جميع الحالات”.
طريق مسدود
ويعتبر وضع الهجرة في المغرب معقداً؛ فهو ليس فقط الموطن الرئيسي للمغاربة الذين يهاجرون إلى أوروبا، بل وأيضاً بلد عبور حيوي بالنسبة للأفارقة من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء العازمون على تحقيق نفس الهدف. ولكن الكثيرين منهم يجدون أنفسهم في طريق مسدود نظراً للنجاح المتزايد للجهود التي تبذلها الحكومتان لمنع عبور الحدود بطرق غير مشروعة إلى إسبانيا. ويدعي الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن المغرب “تمكن في السنوات الأخيرة من تقليص حالات الهجرة غير الشرعية بواسطة القوارب بنسبة 93 بالمائة”.
وقد وقع المغرب عدداً كبيراً من الاتفاقيات مع دول الاتحاد الأوروبي التي تهدف إلى تعزيز حدود أوروبا. وفي عام 2012، وقعت الرباط ومدريد اتفاقية إعادة القبول واتفاقية تعاون الشرطة، التي تسمح لقوات الأمن على جانبي الحدود بالعمل معاً لإعادة المهاجرين من الأراضي الإسبانية إلى المغرب.
من جهتها، اعترفت شتراوس بأن “المغرب في موقف صعب، لاسيما بعد اتفاقه مع إسبانيا على محاولة إبقاء المهاجرين داخل البلاد”.
انتشلونا من البحر، وقبضوا علينا وأحضرونا إلى الرباط. هم لا يسألونك عن رأيك أو يمنحونك حق الاختيار
ولكن في حين يتم منع المهاجرين الأفارقة على نحو متزايد من الوصول إلى أوروبا، إلا أنهم يواصلون التدفق إلى المغرب من جميع أنحاء القارة. وتشير تقديرات وزارة الداخلية إلى وجود ما بين 25,000 و40,000 مهاجر غير شرعي في المغرب، بينما تقول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن عدد طالبي اللجوء في المغرب تضاعف ثلاث مرات في عام 2013، وجاء معظم الوافدين من ساحل العاج وسوريا.
ومن الجدير بالذكر أن يأس المهاجرين الذين يقضون وقتاً طويلاً في المغرب، مثل ليو وفلوران، يجعلهم على استعداد لتحمل المزيد من المخاطر لمغادرة البلاد. وقال ليو: “إنني أعيش في الشوارع منذ ست سنوات. لا بد أن أستمر في المحاولة”.
ويشاركه فلوران نفس الشعور: “ليس لدينا مال يكفي لركوب قوارب ذات محركات، ولذلك فإننا نلجأ فقط إلى القوارب المطاطية ونجدف بأنفسنا. نحن لا نبكي لأننا رجال، ولكننا منكسرون”.
ويفهم كلا الرجلين مخاطر هذا الرحلات البحرية غير الشرعية، وقد تعرضا من قبل لاعتقالات عنيفة على الحدود البرية، ولكن أملهما في الوصول إلى أوروبا يدفعهما للاستمرار في المحاولة.
وتجدر الإشارة إلى أن المهاجرين لأسباب اقتصادية، مثل ليو وفلوران، يتنافسون مع السكان المحليين في المدن المغربية الرئيسية للفوز بعدد محدود من فرص العمل اليدوي. ويقولون أنهم يعانون من العنصرية والعنف كل يوم.
استحالة الإدماج
وحتى الـ10 بالمائة من طالبي اللجوء الذين حصلوا على صفة لاجئين حتى الآن، وهي نسبة ضئيلة من مجموع المهاجرين في المغرب، يجدون صعوبة في المعيشة في المجتمعات المضيفة، ويكاد يكون من المستحيل إدماجهم فيها.
على الورق، تعتبر برناديت* واحدة من قصص نجاح اللاجئين في المغرب. فقد حصلت على إحدى بطاقات هوية اللاجئين الأولى في سبتمبر 2013، وسوف تحصل تلقائياً على حق الإقامة بمجرد دخول هذا النظام الوليد حيز النفاذ. وتمنحها الحكومة المغربية بعض المساعدات المالية، كما تبيع أطعمة غرب أفريقية لغيرها من المهاجرين خارج مقر مؤسسة الشرق والغرب (Fondation Orient-Occident)، وهي مؤسسة خيرية محلية تساعد المهاجرين، بفضل قرض صغير حصلت عليه من مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، لكنها لا تزال تناضل من أجل شراء الضروريات الأساسية، وتعاني من الإهانات العنصرية، كما أنها في الشهور الأخيرة من الحمل ولذلك تخشى على مستقبل طفلها.
فرت برناديت من ساحل العاج وسط أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات في عامي 2010 و2011، التي راح ضحيتها زوجها وابنها. وبعد وصولها إلى المغرب في عام 2012، أقامت مع أخت زوجها، التي كانت قد لجأت بالفعل إلى الرباط. ولكن في العام الماضي، لقيت شقيقة زوجها مصرعها على أيدي عصابة من الشبان خلال هجوم عنصري.
”كانت تعاني من ورم في الرأس جعلها ضعيفة، ولكن عندما ضربوها على رأسها لقيت حتفها،” كما أفادت برناديت.
كما أن عدم قبول المهاجرين واللاجئين يمتد إلى المعاملة التي يتلقونها في مرافق الرعاية الصحية. فعلى الرغم من أن اللاجئين لديهم نفس الحق في الرعاية الصحية الأساسية المجانية الذي يتمتع به الفقراء المغاربة، إلا أن الخدمات محدودة إلى حد كبير، والعنصرية تؤثر على المعاملة التي يتلقونها.
وتشكو برناديت من أنه “إذا كان لديك هذا الجلد الأسود، لا يتعاملون معك عندما تذهب إلى المستشفى. أنا أعرف امرأة أنجبت في غرفة الانتظار”.
لا تعرف برناديت مكان والد طفلها، الذي اختفى بعد أن أخبرها أنه ذاهب ليحاول الوصول إلى إسبانيا عن طريق البحر. ولذلك، فإنها تركز على مشروعها التجاري الصغير.
وأضافت قائلة: “إذا تمكنت من بيع كمية قليلة، يمكنني تناول الطعام ودفع الإيجار. سوف ألد قريباً، وسوف أبقى في المنزل لمدة شهر، وبعد ذلك سأضطر إلى الخروج والبدء من جديد