قالت الحياة اللندنية خلال تقريرًا لها أن البورصة تشتعل، ومضاربات تدفع الأسهم الصغيرة نحو الصعود، وبيانات غير دقيقة تزج بأسهم متلجلجة في المنطقة الحمراء، وأخرى تصعدها إلى المنطقة الخضراء، وثالثة تتأرجح بين صعود مدهش وسقوط مدوٍ في انتظار إغلاق الجلسات وتقويم المعاملات وإعلان مؤشر البورصة وقياس قوة الأسهم وضعفها حيث سوق الرئاسة المصرية المشتعلة. واسْتُهِل الاشتعال بحريق محدود أشعله «مرشح الشباب» حمدين صباحي ابن الـ59 ربيعاً (وهو للمفارقة عمر المشير عبدالفتاح السيسي الذي يتصدر تعاملات بورصة الرئاسة) بإفصاحه عن تجدد الرغبة التي تملكته من قبل ودفعت به باعتباره «واحد مننا» إلى صفوف مرشحي الرئاسة المحتملين، ثم الفعليين، وأخيراً الخاسرين ولكن المدهشين، بعدما حل في المركز الثالث متفوقاً على عمرو موسى وعبدالمنعم أبو الفتوح. الحريق الذي تؤكد الشواهد احتمال امتداده وانتفاخه واختراقه لحرب الإعلام الأحادي الضروس ودقات معاول الهدم والبناء المتصارعة هو علامة من علامات الغيث الرئاسية التي احتار خبراء السياسة وأباطرة الاجتماع في تفسيرها وتصنيفها. فبدل مضاربات رئاسية عاتية ومراهنات مادية سافرة على سهم واحد لا ثاني له، باستثناء الأسهم الصغيرة المتفرقة يميناً ويساراً، نقل صباحي حلبة الرئاسة من خانة «المونولوغ» إلى «الديالوغ» إلى حين إشعار آخر. الإشعار الأحدث الصادر عن المرشح السابق عبدالمنعم أبو الفتوح المتذبذبة مواقف حزبه، المتأرجحة مضامين بياناته، المتمايلة انتماءاته بين تدين سياسي وتسيس ديني، صب في مصلحة جلسة البورصة الرئاسية الأولى، إذ حسم موقفه من الترشح منهياً أسابيع من «لم أحسم أمري»، «حسمت أمري»، «سأحسم أمري في ضوء ترشح السيسي»، «ترشحي من عدمه لا علاقة له بترشح السيسي»، ثم أخيراً أعلن عدم ترشحه. السهم الخارج من عباءة «الإخوان» الذي سبق أن طرح نفسه باعتباره مرشح «المصري الوسطي المتدين بالفطرة المنفتح بالسليقة القوي بحلمه الضعيف بواقعه» والذي طاف محافظات مصر بشبابه الجامع بين التدين العصري والعصرنة المتدينة على باصات مكشوفة كشف موقفه بوضوح مغلقاً التعاملات على مرشح «إسلامي» محتمل. لكن موقف أبو الفتوح لم يغلق الباب كلية بعد أمام التعاملات على مرشح غير إسلامي لكنه إسلامي محتمل هو رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق الفريق سامي عنان، إذ أعلن صراحة أنه لم يحسم أمر ترشحه بعد، بعد أسابيع من تكهنات تؤكد عدم ترشحه، وتوقعات تجزم بحتمية ترشيحه، وتحليلات تبرهن أنه مرشح الجماعة، وتنظيرات توجه بأنه لا يمت إلى هذا التيار أو ذاك، والجميع ينتظر مصير سهمه الجامع بين بدلة عسكرية سابقة، ومدنية لاحقة، وعلامة استفهام حاضرة. حاضر البورصة الرئاسية ليس كماضيها، وإن كان الماضي يأبى إلا أن يلقي بظلاله الملتبسة على أرجائها، لكن لبس الأمس ليس كلبس اليوم، فلكل منهما خيوطه المتشابكة ومواقفه المعقدة ومضارباته المهلهلة. فحمدين الذي يطرح نفسه ويطرحه آخرون باعتباره المرشح المدني في مواجهة المرشح العسكري المحتمل المكتسح (السيسي) ناصري النشأة والتوجه والأيديولوجيا، بما يعنيه ذلك من مركزية الرجل العسكري. أما المرشح العسكري المحتمل فهو مطروح باعتباره مخلص البلاد ومحرر العباد من قبضة «الإخوان» حيث الكماشة الكلاسيكية بذراعيها «الإخوان» والجيش. وبعيداً من صراع الجيش و «الإخوان»، فإن بورصة الرئاسة التي استهلت أعمالها بجلسة عاصفة لم تخل من لمسات مصرية طريفة من شأنها أن تلقي الكثير من الضوء على جلسات غد وبعد غد. فالانشطارات الذاتية للحركات الشبابية التي وجدت نفسها ممزقة بين صراع مزمن بين العقل والقلب، انحاز بعضها إلى القلب حيث «واحد مننا»، فيما رأى البعض الآخر المضي قدماً على نهج «كمل جميلك وابقى رئيسي». والانحيازات المدنية، أي غير الدينية، دفعت بعضهم ممن اتفق مع نفسه وتواءم مع ذاته وقرر أن يكون صوته للسيسي في حال ترشحه، إلى أن ينقل هواه ويعيد هيكلة نواه ويدعم صباحي بدل السيسي على رغم يقين عارم بأن صباحي مصيره المركز الثاني في حال ترشح السيسي، إما لأن صباحي غير عسكري على رغم ناصريته، أو لأنه مرشح الشباب على رغم شيبته، أو لأن الناخب زملكاوي اعتاد أن يكون في ذيل الأهلي غالباً ومغلوباً. ويبقى سر تفرد البورصة الرئاسية كامناً في ثانوية برامج المرشحين المحتمل منهم والمؤكد، من حسم أمره ومن لا يزال يفكر، حيث تؤخذ القرارات وتحسم التأييدات في ضوء ارتياح قلب الناخب إلى هذا أو انغلاق قلبه إزاء ذاك. |