إ : ف


تتابع الجالية المصرية في ألمانيا أحداث الوطن الأم بشكل متواصل، ولا تفصل بينها وبين ما يجري فيه مسافات البعد ولا اختلاف اللغة، بل هي جالية فعّالة ومشاركة بجدية في كل مراحل التغيير المصري.

 
ميونيخ: تبنى  المصريون في ألمانيا الرأي الواحد بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير)، إلى أن استلم الرئيس المعزول محمد مرسي مقاليد السلطة، قبل أن يطيح به الجيش، فبدأت بوادر الانقسام تشق الصف المصري، وتوارت مطالب الثورة وحلت محلها أولويات جديدة، تمثلت في الأخونة والتمكين. فازداد الصراع اشتعالًا، وزادت هوة الانقسام بين ابناء الوطن الواحد.
وبعد الإطاحة بمرسي، لم يلتئم شمل المصريين في ألمانيا بل ازدادوا انقسامًا. وربما عزز هذا الانقسام حرص المصريين على متابعة أدق التفاصيل في الأحداث التي تجري في وطنهم يوميًا.

فعاليات شاملة
في كل مراحل الثورة المصرية، نزل أبناء الجالية المصرية إلى كل ميادين المدن الألمانية الكبيرة ببرلين وميونيخ وفرانكفورت، رافعين الشعارات المؤيدة للديمقراطية والمساندة لحقوق الشعب المصري في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
وبعد ذلك، في مرحلة الانقسام، رفع كل فريق  شعاراته الخاصة، وانقسموا في ألمانيا كما ينقسمون في مصر. وآخر هذه الانقسامات بشأن الدستور الذي تم الاستفتاء عليه. ففي الوقت الذي رأى فيه بعض أبناء الجالية المصرية أن ما حدث في ارض الوطن كان انقلابًا عسكريًا صريحًا، رأى البعض الآخر أن الخطوات التي قام بها الجيش المصري ووضعه لخارطة طريق ومن ثم الاستفتاء على الدستور الحالي إنما هي خطوات ضرورية لتلبية مطالب الشعب، في وضع حد لمعاناة الناس التي تفاقمت بشكل كبير في ظل حكم الإخوان المسلمين.
 
أخطاء الإخوان 
يقول السيد مصطفى حافظ من الجالية المصرية في ميونيخ: "كانت أخطاء الإخوان  كثيرة ، تمثلت في سن قوانين هزلية، ولم يتخلصوا من أركان النظام القديم بل حافظوا عليهم بشكل غير مباشر، وتخلوا عن تحقيق أهداف الثورة من حرية وعيش وعدالة اجتماعية، ثم انفردوا بالحكم وعزلوا شباب الثورة والقوى السياسية الأخرى، ولم يتمكنوا من تحقيق أبسط متطلبات الحياة اليومية للمواطن البسيط، وتفاقمت الأزمات اليومية مع الماء والكهرباء والقمامة، وغاب الأمن، وارتفعت الأسعار ما دفع بالمواطنين للثورة ضدهم واسترداد السلطة أو الشرعية التي منحها لهم الشعب".
يضيف: "واصل الإخوان المسلمون  نشاطهم طيلة ثمانين عامًا من اجل الوصول إلى سدة الحكم، وعندما نجحوا في ذلك لم يحققوا أي نجاحات ملموسة على ارض الواقع، ورغم إنني لست إخوانيًا إلا أنني لم اتفق مع إقصاء الجيش لمرسي، رغم أن الإقصاء يبقى فقط مقبولًا في حالة عدم فهم الرئيس لمفهوم الشرعية الذي فقده بخروج الشعب عليه، ليس فقط يوم 30  حزيران (يونيو)، لكن يوم رفض شعب مصر في مدن القناة الاستجابة لقرار مرسي بتطبيق حالة الطوارئ ويوم اعتداء الأخوان بطريقة فاشية على معارضي الرئيس السابق أمام قصر الاتحادية".
 
الخوف من الفلول
يعتقد حافظ كذلك أن فلول النظام السابق ومؤيديه، الذين استفادوا من فساد النظام السابق، لن يستسلموا بسهولة وسيحاولون الانقضاض على الحكم والثورة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، "فقد يختبئ الذئب في فرو خروف، أو في بدلة عسكري، وإذا اختفت مشاكل مصر الظاهرية في الأمن والكهرباء وانضباط الشارع، فعلى الفطناء أن يتأكدوا من أن دولة الفلول العميقة تعمل بكفاءة منقطعة النظير، وهي لن تستريح حتى تعود الأمور إلى ما كانت عليه في أيام مبارك".
ويوجه رسالة إلى الإخوان والجماعات الدينية ويقول: "فشلكم الذريع أساء لكم ولنا وللتجربة الديموقراطية في مصر، وستحتاجون لمئة عام للعودة إلى حلبة السياسة المصرية من جديد".
من جهة أخرى، فإن مخاوف المصريين داخل مصر وخارجها تتزايد حول مستقبل الديمقراطية في بلادهم بعد عودة الجيش إلى صدارة المشهد من جديد. ففي ألمانيا، لا يتوقف المصريون عن النقاش ومتابعة أحداث الوطن، وأصبح هم الوطن وتداعيات ما يحدث فيه بعد الثلاثين من حزيران (يونيو) هماً مشتركاً اقتحم حياتهم، وتصدر كل نقاشاتهم، وساهمت في ذلك بشكل كبير شبكات التواصل الاجتماعي التي خصصوها لتبادل الآراء السياسية حول ما يحدث في أرض الوطن.
 
إنقلاب أم ثورة
يرى حسن إسماعيل، وهو مهاجر مصري في ألمانيا منذ أمد طويل، أن ما حدث في مصر انقلاب على حكومة شرعية. وينفي إسماعيل انتماءَه الى الإخوان المسلمين، ويقول: "ما حدث قد تم في إطار الثورة المضادة التي تمكنت أخيرًا من إعادة الحكم العسكري، وأنا لا أدافع عن الإخوان، لكن التغيير يجب أن يكون ديمقراطيًا وليس بالإقصاء والعزل".
من جهة أخرى، يعتقد أن الدولة العميقة قد استأسدت بمؤسساتها الآن، وهذا مكنها من وأد التجربة الديمقراطية في ظل هذا الانقلاب العسكري، لكنه يعود إلى صياغة رأيه من جديد بتذكيره بأن 33 مليونًا خرجوا في كل محافظات مصر رافضين حكم الإخوان، فيقول: "لا شك في أن الإخوان ارتكبوا الكثير من الأخطاء التي ساعدت في الإطاحة بهم، لكن ليست لدي ثقة في التحول الديمقراطي عندما يكون العسكر في المشهد، وأنا أريد أن أقول إن كل ديمقراطيات العالم وراءها جيوش، لكن عليك أن تميّز أي جيوش؟ هل هي جيوش تحمي الديمقراطية والشرعية؟ أم هي جيوش تحكم من وراء الستار باسم الديمقراطية؟ هذا هو الذي أتخوف منه في مصر".
 
انحياز لمطالب الشعب
يرى كثير من المراقبين أن بداية تقسيم الشعب بدأت مع حكم الإخوان، أثناء حكم مرسي الذي لم يتمكن من إحداث التوافق بين فئات المجتمع المصري، وظل أسير فكر الإخوان المسلمين، ما عرضه لانتقادات واسعة من قبل معارضيه.
وفي هذا السياق، يقول مهاجر مصري آخر هو داود احمد: "الرئيس مرسي لم ينجح في لم شمل المصريين، وكانت خطاباته مثيرة للجدل، وهو يرى كذلك أن ما حدث في 30 حزيران (يونيو) ليس انقلابًا عسكريًا، بل هو انحياز من الجيش إلى صف الشعب، فلم يكن هناك خيار آخر، فمصر كانت على شفا حرب أهلية إذ أن مرسي كان أكد انه لن يبرح مكانه إلا على جثته، وهذا ما دفع بالجيش إلى سرعة إقصائه".
ويضيف قائلًا: "يجب عدم إقصاء الإخوان بل على العكس يجب دعوتهم من جديد للمشاركة في مرحلة بناء مصر المستقبل لأنهم في كل الأحوال فصيل مصري لا يمكن اغفاله".