الطوابير كانت مسيطرة على المشهد فى اليوم الأول للاستفتاء على الدستور، فتلك الجموع أرادت توجيه أكثر من رسالة إلى أطراف عدة، فى الداخل والخارج أيضا، أهم هذه الرسائل أن الشعب قرر أن يكون مشاركا فى تحديد مصيره، سواء بالموافقة على الدستور أو رفضه، فرغم الدعوات المطالبة بمقاطعة المشاركة فى الاستفتاء شهد أغلب مراكز الاقتراع تزاحما كبيرا وامتد بعض الطوابير أمامها فى سلسلة بشرية طويلة، وزاد التزاحم بعد ظهر أمس مع خروج الموظفين من أعمالهم وإصرارهم على المشاركة فى الاستفتاء.
المشاركة أمس كانت أيضا تحديا قويا للتهديدات الإرهابية، حيث أصر المواطنون على الحضور رغم الحديث غير الرسمى من أطراف عدة عن استهداف مركز الاقتراع فى هذا اليوم، وكذلك الدعوات التى خرجت من أطراف قريبة من جماعة الإخوان تتحدث عن محاولات لمنع المواطنين من المشاركة فى التصويت وتنظيم مظاهرات أمام اللجان، وافتعال اشتباكات أمام اللجان لإثارة أجواء من التوتر، والهلع يدفع المواطنين إلى الإحجام عن المشاركة.
 
أستاذ علم الاجتماع فى جامعة عين شمس، على ليلة، اعتبر أن الخروج الشعبى أمس للمشاركة فى الاستفتاء يدل على حالة الاطمئنان التى يشعر بها المواطن البسيط، والوعى الذى أصبح يتمتع به هذا المواطن إلى درجة كبيرة، لافتا إلى أن غالبية الشعب كشفت الحجم الطبيعى لجماعة الإخوان المسلمين، وعدم قدرتها على تنفيذ ما هددته به، من عرقلة عملية الاستفتاء، مشيرا إلى أن البيانات التى أصدرتها القوات المسلحة والداخلية عن استعداداتها لتأمين عملية الاستفتاء جعلت المواطن يحرصون على المشاركة.

وقال ليلة «الخروج أمس جاء كنوع من التحدى للقوى الداخلية والعالمية ولتأكيد أننا شعب كبير ولن نقبل أن يفرض أحد سواء فى الداخل أو الخارج رأيه أو موقفا معينا».
 
القيادى بحزب التجمع وعضو لجنة الخمسين حسين عبدالرازق، قال: «مشهد أمس إيجابى»، لافتا إلى أنه جاء ليؤكد التحليلات الكثيرة التى تحدثت عن أن الشعب المصرى سيُقبل على المشاركة فى الاستفتاء بنسبة غير مسبوقة وهو ما ثبتت صحته منذ الساعات الأولى لفتح باب التصويت على الاستفتاء.
 
وأشار إلى أنه كما كان متوقعا أيضا محاولة جماعة الإخوان وحلفائها افتعال عدد من الاشتباكات بهدف إثبات الوجود على الأرض، بعدما فقدوا أى سند شعبى فى الفترة الأخيرة، لكنهم فشلوا فى مخططهم لمنع المواطنين من المشاركة فى الاستفتاء.
 
عبد الرازق شدد على أن الشعب المصرى أكد بمشاركته أمس، أنه مصرّ على التوجه نحو التحول الديمقراطى والإسراع بإنهاء المرحلة الانتقالية وتحقيق الاستقرار والأمن والتوجه لفرض سياسات اقتصادية واجتماعية جديدة تحقق مصالح الطبقات الشعبية الفقيرة، وأنه، أى هذا الشعب، أصر على الذهاب لبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التى ناضل من أجلها كثيرا.

واستبعد أن تكون لنتيجة تصويت المصريين فى الخارج تأثير على نسبة المشاركة فى الاستفتاء، لافتا إلى أن وضع تصويت المصريين فى الخارج مختلف و«لا يمكن القياس عليه لأنه فى الخارج مطلوب من المواطنين التوجه إلى السفارة أو القنصلية، وهناك مواطنون يقيمون فى أماكن بعيدة عن مقرات تلك السفارات وبالتالى لم يتمكنوا من المشاركة خصوصا بعد إلغاء التصويت عن طريق البريد لما يشوبه من ملاحظات، وبالتالى جاءت نسبة المشاركة فى الخارج ضعيفة».

الكاتب الصحفى صلاح عيسى قال «مؤشرات الحشد فى الفترات الصباحية لافتة للنظر، رغم عدم اعتماد يومَى الاستفتاء إجازة رسمية من قِبل الحكومة والقطاع الخاص»، ووصفها عيسى بغير المسبوقة فى تاريخ الاستفتاءات قبل الثورة، مؤكدا أن الاستفتاءات دوما ما تختلف من حيث الإقبال عليها عن الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وإن كانت تلك الظاهرة اختلفت نسبيا بعد الثورة وهو ما يدل على عدد من الأمور أهمها ارتفاع درجة وعى المصريين بأهمية المشاركة فى التصويت على الدستور، وتعكس إدراكهم أهمية الدستور كوثيقة سياسية تنظم العلاقة بين الشعب والدولة، وإن كان هذا الوعى تحقق بمعدل سريع لم يتوقعه أحد على الإطلاق.
 
وأكد عيسى أن الإقبال على التصويت متعلق بالتحدى الذى يواجهه المصريون من قبل جماعة الإخوان المسلمين ومحاولاتهم المستمرة لإنهاك الشعب وجره وراء أحداث غير منتهية من العنف والصراعات، مؤكدا أن الشخصية المصرية إذا لمست نوعا من التحدى أو كسر الإرادة أو الإجبار فإنها تصرّ على تحقيق إرادتها ومواجهة أى تحدٍّ قد يعوق تلك الرغبة، مشيرا إلى أن التحدى ارتفعت حدته حينما افتتح «الحمقى» -حسب تعبير عيسى- صباح يوم الاستفتاء بتفجير قنبلة هواء أمام محكمة بإمبابة وتسبب الانفجار الذى وقع بمحيط محكمة شمال الجيزة فى انهيار أجزاء من واجهة المبنى.
 
أميرة الشنوانى خبيرة العلاقات السياسية الدولية والبرلمانية وعضو مجلس إدارة المجلس المصرى للشؤون الخارجية، قالت «إن خروج الشعب المصرى بكثافة إلى صناديق الاستفتاء على الدستور هو أكبر دليل على أن الشعب المصرى، شعب لا يكفى أن نصفه بأنه ذكى بل هو عبقرى لأنه استطاع فى عام واحد فقط أن يعرف حقيقة الإخوان المسلمين رغم متاجرتهم بالدين ومحاولتهم كسب تأييد الشعب باستخدام عبارات دينية نظرا لما هو معروف عنه بأنه متدين، فضلا عن محاولة جماعة الإخوان المسلمين استغلال حاجة جزء كبير من الشعب المصرى، يبلغ 42% منه (نسبة من هم تحت خط الفقر) بإمداده بمعونات تموينية مثل السكر والزيت، ومع ذلك استطاع هذا الشعب أن يعرف أن الإخوان المسلمين جماعة بعيدة كل البعد عن الدين الصحيح وأنهم يسعون فقط لتحقيق مكاسب ومراكز سياسية، ولذلك خرج الشعب المصرى يوم 30 يونيو بالملايين مطالبا بإنهاء حكم هذه الجماعة المتطرفة، كما أنه خرج اليوم أيضا بكثافة».
 
الشنوانى أضافت «المصريون لم يتأثروا بالتفجير الذى وقع صباح أمس أمام محكمة إمبابة، وخرجوا بكثافة للإدلاء بأصواتهم فى الاستفتاء»، معلنين رفضهم للإرهاب الذى تمارسه هذه الجماعة، حرصا على أداء واجبهم الوطنى نحو مصر، مثلما فعلت أنا أيضا، حيث عُدْتُ من لندن فجر هذا اليوم من أجل المشاركة فى الاستفتاء وأقول نعم لهذا الدستور الذى يعتبر من أعظم الدساتير التى وُضعت لمصر».
 
ولفتت الشنوانى إلى المشاركة النسائية المرتفعة فى الاستفتاء، وإصدار المجلس القومى للمرأة، أمس بيانا أشاد فيه بالإقبال الكبير من قِبل فتيات وسيدات مصر من مختلف الفئات والأعمار للإدلاء بأصواتهنّ فى اليوم الأول من الاستفتاء على مستوى جميع المحافظات. مؤكدة أن تلك المشاركة من جانب المرأة «لإيمانها بأن صوتها أمانة، واستجابة لنداء الوطن».