من بوابة مخيم عتمة مررنا مسرعين، فيما يبدو أن العيد لم يمر مطلقا بالمخيم الواقع فى محافظة إدلب شمالى سوريا، ويضم نحو 25 ألف لاجئ.

فى الطريق نحو مخيم "الإخاء" الذى لا يبعد عنه سوى بضعة كيلو مترات، كانت بعض مظاهر عيد الأضحى تقاتل لتطل برأسها على استحياء، لكنها رغما عنها بدت مصبوغة بلون الألم ومرارة اللجوء.

فهنا راحت خمس فتيات لا تتجاوز كبراهن عامها العاشر، يخطرن على جانب الطريق فى ملل بملابسهن الزاهية رقيقة الحال، وشعرهن، الذى يتجلى كم أنفقت أمهاتهن من الوقت فى تصفيفه، يتمايل مع خطواتهن المتئدة، بحثا عمن يشاركنه بهجة العيد.. ولكن دون جدوى.

حول خيمة صغيرة تحمل شعار "حركة أحرار الشام"، يتجمع عشرات الأطفال بملابس رثة تتدافع أيديهم طلبا لحلوى أو مساعدة يوزعها 3 شباب وقفوا بباب الخيمة يوزعون مع الحلوى قليل من البهجة على الأطفال، ومطويات حملت رسائل دعوية على الكبار، فيما تمر بجوارهم شاحنة صغيرة تنطلق منها تكبيرات العيد، وما تفتأ أن تتبعها سيارة أخرى يبرز من نافذتها بنقدية سائقها.

أخيرا تصدح ألحان من بعيد ممزوجة بأصوات أطفال متداخلة، تتضح شيئا فشيئا مع اقترابنا من مخيم "الإخاء"، الذى يضم 685 لاجئا، يقيمون فى 115 خيمة، صفت على جنبى المخيم الذى يتوسطه صنبور مياه عمومى، ونصب فى نهايته مسرح خشبى صغير يعتليه عدد من الأطفال، راحوا يتلمسون بعض مظاهر العيد، وفقا لقائدتهم سناء على (14 عاما).

سناء، التى تركت بلدتها (عقربات) فى إدلب، وأتت لتشارك أطفال المخيم العيد، بمصاحبة فرقتها الصغيرة المدعوة "أطفال الشام"، تروى لوكالة الأناضول للأنباء: "هذه أول سنة أشارك فى هذا الاحتفال، وقد نظمه فريق شباب التغيير تحت عنوان (كرنفال العيد يجمعنا)، وأحببت ذلك جدا حتى أستطيع إدخال الفرحة على هؤلاء الأطفال الحزينين".

وما لبثت سناء أن تركتنا سريعا لتؤدى أنشودتها التى ينتظر أن تدخل السرور على قلوب أطفال المخيم، ولكن رغما عنها أيضا خرجت كلماتها تقول: "نحن أطفال الشام انظروا ما يحدث فينا.. قتل وتشريد وخوف رعب مسيطر علينا.. أحلام الطفولة فينا لسه ما كبرت معنا.. قل لى يا ظالم هذا الشعب ماذا عملنا لتقتلنا؟!".

وبينما نغادر المخيم، الذى وقفت بين خيماته المهترئة، طفلة جميلة صففت شعرها وزينته بورود ملونة كأنما تستعد لحفل فى أرقى فنادق دمشق، راح يتبعنا بعض سكان المخيم ليشاركنا كل منهم ألمه الخاص.

خالد عبدول، والد الطفلة براءة التى تبلغ من العمر 4 سنوات ولا يتجاوز حجمها حجم طفل فى عامه الأول، راح يشير إلى طفلته التى حملها على كتفيه، قائلاً: "ابنتى معاقة، لا تسمع ولا تتحرك ولا تستجيب لأى شىء حولها.. ولدت معاقة وأصيبت بنقص أوكسجين نتيجة الولادة المتعثرة.. وأنا بحاجة لمساعدة فى علاجها، حيث إنى منشق عن جيش النظام، ولا عمل لى".

قاطعته "أم أنس"، تعمل فى هيئة تدريس مخيم لاجئين آخر يدعى مخيم "الشهداء": قائلة "لدينا أيتام بحاجة لمساعدة، بينهم طفلة عمرها عامين استشهد والدها فى قصف لقوات النظام، وبقى عمها فقط يرعاها، وعمره 14 عاما" وفيما كنا نودعهم، لم نكن ندرى، ماذا نقول: "كل عام وأنتم بخير.. عيد سعيد".. أم ماذا؟.