بعد فشل
إسرائيل في محاولاتها العديدة والتاريخية للوصول لمياه النيل فى أسفل النهر من
مصر، خلال مشروع ترعة السلام التي كانت تصل مياه النيل إلى صحراء النقب، قامت
بالالتفاف من جهة المنابع، حيث اندفعت إثيوبيا فى توثيق علاقاتها مع إسرائيل بغية
تحقيق هدف مشترك بين الدولتين، وهو كسر الطوق العربي في البحر الأحمر، ونزع الصفة
القومية عن هذا البحر، لذلك جعلت إثيوبيا شواطئ إرتريا وجزرها تحت السيطرة
الأمريكية والإسرائيلية، وقدمت لها تسهيلات وإستراتيجية غيرمحدودة.
كانت خرافة
تقول إن الدم اليهودي يسري في عروق منليك وهو أول حاكم إثيوبي، باعتبارهم على حد
زعم الإسطورة ينحدرون من صلب نبي الله سليمان عليه السلام، واستغلت إسرائيل تلك
الإسطورة، في توطيد العلاقات مع إثيوبيا التي رحبت هى الأخرى بهذا التقارب، وسمحت
بعلاقات ثنائية معها شديدة الحميمية، كما راحت إسرائيل هى الأخرى بإرسال شركاتها
لإقامة استثمارات ضخمة هناك، وانتقلت إسرائيل إلى العمل المباشر خلال الثمانينات
بوصول خبراء إسرائيلين لكل من إثيوبيا وأوغندا لإجراء أبحاث تستهدف إقامة مشروعات
للرى على النيل تستنزف 7 مليار متر مكعب أو 20%من وارد النيل إلى مصر، وذلك على
الرغم من انتفاء الحاجة إلى مشاريع رى مائية في أوغندا التي تتلقى أمطارا استوائية
تبلغ سنويا 114مليار متر مكعب.
وترى إسرائيل
أن هناك فوائض في الري المصري تقدر بنحو 10مليارات متر مكعب فى السنة، وأن هذه
الكمية لن يتم استخدامها قبل اكتمال مشروع قناة جونقلي الذي يقلل حجم المياه التي
تفقدها مصر والسودان في البحر المتوسط، كما ترى أن المياه المصرية التي تهدر فى
البحر المتوسط في الشتاء (خلال شهري ديسمبر ويناير) من كل عام بسبب الطلب على
المياه لأغراض الكهرباء والملاحة، ينبغى الاستفادة منها خلال مشروع لنقل المياه
إلى إسرائيل من خلال (ترعة السلام) إلى الصحراء النقب، وتسعى إسرائيل لتحقيق هذا
الهدف من خلال الضغط على مصر بالتعاون مع إثيوبيا.
ولم يكتف
التعاون الإسرائيلي الإثويوبي حول شركات الكهرباء والاتصالات فقط، وإنما أمدت
إسرائيل إثويبيا بالأسلحة والمعدات العسكرية والذخائر، وكذلك قدمت لها دعمًا في
المجال الأمني وحرب العصابات، فضلا عن تدريب الطيارين الإثيوبين بالقوات الجوية
الإسرائيلية، وتطوير نظم الاتصالات بين القيادة الجوية فى البلدين، إضافة إلى
تبادل الزيارات بينهما على المستويين السياسى والأمني.
وبمقتضى
اتفاقية عام 1929 التي مثلت بريطانيا أحد أطرافها باعتبارها قوة استعمارية في
إفريقيا وقتذاك، تحصل مصر على 55.5 مليار متر مكعب سنويا، وهي أكبر حصة من المياه
المتدفقة في النهر وتبلغ 84 مليار متر مكعب، كما أنها تمنح مصر حق الاعتراض على
إقامة سدود وغير ذلك من المشروعات المائية في دول المنبع، وتحصل السودان على 18.5
مليار متر مكعب من مياه النيل، وهو ما جعل ملف سد النهضة الإثيوبي، التي تعتزم
إثيوبيا إنشاءه، من الملفات الحرجة التي تؤثر على العلاقات بين البلدين، ولذا
تحتاج إثيوبيا إلى موافقة الدولتين مصر والسودان على إنشاء المشروع وهو ما يقف
حائلًا بين مشروع السد وإقامته.