فى وسط حارة "السباعى" العتيقة بعابدين يفتح باب ورشته الذى أعده بطريقة سحرية، يدخل لمنزل يزيد عمرة عن مائتى عام بناه الجدود بالحجارة القديمة، وسط الأخشاب البالية التى تملأ المكان يشير إلى تماثيل يزيد عمرها عن المائة عام ملقاة وسط الكراكيب ثم يصعد دورين بأقدام شابة، يجلس بجوار صورة والده النادرة التى التقطها بجانب تمثال نهضة مصر حين كان مقره فى ميدان رمسيس تستند إلى مجموعة من أعماله التى صنعها بإتقان، ويشير إلى الحجرة التى ولد قبل خمسين عام، ثم يتذكرا كيف بدأ حياته بسبعه عشر جنيها معتمدا على حرفة الجدود، غاضبا من جيل يفضل جلسة القهاوى عن تعلم صنعه مفيدة.

عم أحمد يوسف.. أو أحمد "نابوليا" كما يشتهر بين الشباب نسبة إلى صنعته فى النجارة، يرى أنه بداخل كل منا صنيعى قد الدنيا، يمكنه أن يحول التراب إلى ذهب فى ثوانى، غير أننا أصبحنا إما أسرى لعالم الكمبيوتر، أو نعلق أمالنا على شراء "توك توك" يضمن خمسين جنيه فى نهاية اليوم، وحلمه هو الكبير الآن فى الحياة أن يستطيع إخراج النجار أو الصنايعى الموجود بداخل كل مننا، على أمل أن يوفر آلاف فرص العمل للشباب، ويدعم اقتصاد بلدة التى قضى فيها خمسين عام بداخل منطقة عابدين، كل يوم فيهم كانت الأمور تذهب إلى الأسوأ.

جدود عم أحمد تعلموا صناعة الأخشاب على يد يهود مصر، حيث كانت تتركز رؤوس الأموال قبل مئات السنوات، وتعلم هو منهم أصول المهنة حتى وفاة والدة ليعمل مع أخيه الكبير ويقابل مجموعة من الخلافات، ثم يترك العمل حاملا فى يده عدة أشتراها قطعة بقطعة يتذكرها حتى الآن يقول "كانت شاكوش، ومفك، وأزميل، وكماشة، ومنشار يدوى" إلى جوار 17 جنيها أحتفظ بهم فى جيبه، خرج واتجه على الفور إلى كتالوجات ألمانية فاخرة كان يحتفظ بها والده منذ زمن، بحث فيهم حتى ألتقط فكرة كرسى خشبى يتحول إلى سلم، أشترى أخشاب بستة جنيهات وصنع كرسيين باعهما بثلاثين جنيه لأحد محلات وسط المدينة، ليصنع فى اليوم التالى نصف دستة، ثم دستة ويبدأ رحلة الكفاح مع الحياة.

حارة السباعى التى تقع فيها ورشة عم أحمد الأثرية والمتواضعة فى نفس الوقت، تتفرع من شارع محمد محمود حيث كانت تشتعل الأحداث دائما، على القهاوى المتناثرة فى الشارع، تعرف إلى عدد كبير من شباب الثورة ورسامين الجرافيتى المصريين والأجانب، أصبح مشهور بينهم باسم عم "أحمد نابوليا" وتربطهم به علاقات كبيرة، عَلم العديد منهم النجارة فى ورشته على سبيل الهواية، وذهب معهم إلى المراكز الثقافية الشهيرة فى المقابل، حيث نشر حلمه فى مركز لإعادة إنتاج الصناعات التى تتآكل فى مصر، لصالح مهن يقول عنها برؤية ثاقبة "تعتمد على الاستيراد والمكسب الاستهلاكى الذى لا يخرج منتجات ولا يضيف للاقتصاد، ولو فضلنا كده يبقى نقول على البلد يا رحمان يا رحيم، الأمل الوحيد بعد تدمير الزراعة هو عودة الصناعات ولو البسيطة".