قبل أن تحاور أحمد أبوالغيط وزير الخارجية الأسبق، يجب أن تشحن بطارية معلوماتك جيداً، وتعى تاريخه الوظيفى الاستثنائى، فأبوالغيط الذى يحمل اسماً دبلوماسياً، ارتبط قرابة خمسين عاماً بمنظومة الأمن القومى المصرى، فهو جنرال فى زى دبلوماسى.

وإذا تحدث أبوالغيط، عليك أن تنصت لرؤيته الاستراتيجية التى تمزج بين أدبيات السياسة والدبلوماسية، وبين التاريخ العسكرى، ليس المصرى فحسب ولكن العالمى أيضاً.

هنا كان حوار «الوطن» مع الرجل حول الأمن القومى المصرى الذى تحدث فيه بنظرة شاملة حول المخاطر والتحديات التى تواجه أمننا القومى.. إلى التفاصيل:

* من واقع معايشتك لملفات الأمن القومى المصرى لنحو نصف قرن ما هو التعريف الأنسب لمصطلح الأمن القومى المصرى؟

- بشكل مبسط يمكن القول إن الأمن القومى المصرى يتجسد فى مجموعة المبادئ الأساسية التى تلقى إجماع المجتمع المصرى على مر الزمان التى لا تتغير إطلاقاً، ويمثل الخروج عنها خروجاً على الشرف المصرى، بمعنى أنه إذا ما لم نتمسك بها فنهدد مستقبل مصر وهذه المبادئ يتم تنفيذها من خلال استراتيجيات عليا تستهدف تأمين الأمة المصرية فى حاضرها ومستقبلها.

* ما هذه المبادئ؟

- هذه المبادئ تشمل شقين؛ الأول داخلى والثانى خارجى، تمثل منظومة متكاملة وأسسا لا يمكن الخروج عنها فى علاقات مصر بما هو خارج حدودها، وأقول إن الأرض المصرية وحدودها مقدسة ومصالحها الاستراتيجية لا يمكن التهاون أو التنازل عنها إطلاقا، بمعنى أن مياه النيل وحصة مصر منه أيضاً مقدسة ولا يجب ولا يمكن التهاون فيها على الإطلاق، وفى إطار هذه المنظومة والمبادئ وشبكة المصالح العليا يكون على الأمة المصرية أن تسعى للحفاظ على علاقات حسن جوار وصداقة واتصال مع ما هو مجتمع خارجى بشكل يؤمن لها تحقيق هذين المبدأين الأولين؛ مبدأ قدسية الأرض وحدود مصر، والمياه، ويأتى تحت هذا الكثير من المفاهيم التى سنتحدث عنها.

* وماذا عن البعد الداخلى؟

- الشق الداخلى، وبإيجاز شديد وفى كلمات محكومة ومضبوطة، يتمثل فى تحقيق الأمن والأمان والعدل للمواطن المصرى وسيادة القانون والالتزام الحرفى بالدستور وبشكل يحقق الاستقرار المستديم.. ولكل كلمة معناها.

* بمعنى؟

أرضنا وحدودنا مقدسة و«حصتنا» من مياه النيل «حياة أو موت»

- بمعنى أن الأمن والأمان للإنسان بحيث لا يخشى على أسرته ولا حياته ولا ممتلكاته، وأن يستطيع أن يعيش بشكل كريم أن يأكل ويشرب ويتمتع بمباهج الحياة التى وفرها له الله وتقدمها هذه الأرض المصرية المقدسة، ولا يمكن إلا أن نقيم العدل على الأرض بشكله الإيجابى وليس السلبى بمعنى بناء الثروة وتعزيزها وأن تكون للمجتمع بكامله وتوزيعها بالشكل الذى يحقق للجميع إشباع حاجاته، وهذا سوف يؤدى إلى الاستقرار المؤكد بما يؤمن المجتمع المصرى فى مستقبل أيامه وفى حاضره.

هذه هى مفاهيم الأمن القومى المصرى بالنسبة لى وحرصت أن تكون فى مقدمة كتابى الأول الذى حمل عنوان «شهادتى: السياسة الخارجية المصرية 2004- 2011» أوضحت رؤيتى التفصيلية لما تحدثت عنه.

* لو أخذنا هذه المبادئ من البعد النظرى إلى التطبيق فى واقع مصر الآن فيما يخص الحدود والمياه وحال المواطن، ترى ما التحديات التى تواجه أمننا القومى المصرى؟

- المؤكد أن هناك تحديات على كافة هذه العناصر، محور الأرض وقدسيتها يتعرض للتهديد، وكذلك المياه والحاجة لتأمين احتياجات المصرى من المياه، وتتعرض للتهديد على مدى عقود إن لم يكن قرناً كاملاً من الزمن، مصر تتعرض أرضها وحدودها لتهديد على مدى قرون، والمصرى عليه أن يعى من أين يأتيه التهديد، بما يجعل من الضرورة إتاحة كل الموارد للقوات المسلحة لتأمين الحدود وقوى الأمن الداخلى لتأمين الاستقرار بالداخل وأن المواطن داخل الحدود يحتاج للأمن وهو أولى درجات التقدم والحياة الكريمة وتأمين حصول مصر على حصة كافية وعادلة من المياه تضمن للمجتمع المصرى استمرار نموه، وهذا يقتضى تطوير علاقاتنا بدول المنبع وترشيد استخدامنا للمياه، بداخل الوطن.

* سأتوقف عند موضوع الحدود، كيف ترى الوضع الآن فى حدودنا الشرقية مع إسرائيل وقطاع غزة، والغربية مع ليبيا، وتهريب السلاح من السودان فى الجنوب إلى داخل سيناء؟

- «شوف» تاريخ الدفاع عن مصر وفلسفة ورؤية القوات المسلحة المصرية توضح الآتى: هناك مناطق عسكرية لمصر؛ هناك المنطقة الشمالية التى تطل على البحر الأبيض المتوسط ومحور للتأمين ضد التهديدات الآتية من الغرب أى الصحراء الغربية والحدود مع ليبيا وليست فقط مع ليبيا، بل التشاد ومنطقة جنوب الصحراء، وهناك منطقة جنوبية، وهى الحدود مع السودان ولكنها تمتد أيضاً إلى منابع النيل الأزرق والأبيض ثم المنطقة الشرقية، أى الاتجاهات الشرقية الأربعة، مصر قررت أن يكون لها منطقة عسكرية لكل محور، وأضيف على ذلك أنه ومع مجىء ثورة يوليو 1952 رأينا أن الاهتمامات المصرية تمتد إلى ما بعد هذه الحدود المباشرة التى تمثل الحدود المصرية المقدسة فرأينا أنفسنا نتحدث عن اهتمامات مصرية فى المشرق واهتمامات فى الخليج وننظر لمنطقة مضيق باب المندب رأيناها تمثل المجال الحيوى للحركة المصرية أى الصومال وأريتريا، وجنوب البحر المتوسط ومداخل قناة السويس التى تمثل لمصر موارد هائلة ويجب تأمينها والتأمين لا يبدأ من السويس أو جبال عتاقة أو جنوب الأراضى المصرية؛ التأمين يبدأ من مدخل البحر الأحمر فى الجنوب.

* وما دلالة هذه المفاهيم؟

أبو العيط يتحدث للوطن

- هذه هى المفاهيم التى تحكم العسكرية المصرية فى تأمينها لحدود بلادها، وبالتالى هذه العسكرية والتخطيط المصرى فرض على صاحب القرار السياسى أن يبقى أيضاً سواء من خلال أجهزة الأمن الأخرى أو المخابرات العامة أو الدولة المصرية تبقى أيضاً على هذه الاهتمامات المصرية فى هذه الدول، رأينا اهتمامات مصرية فى ليبيا، على مدى عقود، وكذلك السودان، ورأينا مصر تمد نفسها إقليميا فى كافة هذه الاتجاهات، وعندما قامت الثورة، يوم 25 يناير 2011 كان هناك وحدات بحرية مصرية تزور أبوظبى، وهذه رسالة مصرية لكافة الأطراف الإقليمية بأن الأمن القومى المصرى يبدأ من الخليج.

صحيح عندما تحدثت أكدت على قدسية الأرض المصرية ولكن.. حيوية الدفاع عن الأرض المصرية ليس بالضرورة يبدأ هنا، هو يمتد إلى دمشق ويمتد إلى الخليج وإلى الخرطوم وإلى جنوب الخرطوم يصل بالاهتمام المصرى إلى منطقة البحيرات، وهكذا.

* بالمثال الذى ضربته حول الوحدات البحرية المصرية فى أبوظبى، جعلتنا نخرج من النظرية إلى التطبيق، دعنا نتحدث عن حدودنا الشرقية، كيف ترى التهديد القادم منها سواء من ناحية إسرائيل وأيضا الوضع فى قطاع غزة وحماس وعلاقتها مع القاهرة؟

- قبل كل شىء يجب أن يكون دائما حاضرا فى ذهننا وضميرنا أن قضية العالم العربى والإسلامى الأولى هى القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته، هذه قضية وجدان الأمة هكذا كانت وهكذا يجب أن تظل، ومن هذا المنطلق تكونت الرؤية المصرية على مدار عقود، وعلى المستوى الشخصى فلسطين بالنسبة لى قضية مقدسة، ولكن هناك معضلة تسمى كيفية التعامل مع المسألة الإسرائيلية، ولا نقول المشكلة الفلسطينية، إسرائيل ظلت تمثل الخطر الأمنى والعسكرى المباشر على مصر منذ عام 1948 حتى عام 1973 وصولاً لمعاهدة السلام فى عام 1979 الانسحاب من أراضى سيناء التى تم احتلالها مرتين بشكل كامل، سيناء احتلت مرتين مرة عام 1956 ومرة عام 1967 وللأسف يخفى على الكثير من المصريين أن أراضى مصر مع كل القدسية التى أتحدث عنها، انتهكت حرمتها، فى عام 1949 ودخلت إسرائيل إلى أرض سيناء وهددت العريش ورفح وتدخلت قوى أجنبية لتفرض على إسرائيل أن تمتنع عن انتهاك حرمة هذه الأراضى، وهنا أتحدث عن بريطانيا التى استخدمت اتفاقية 1936 لكى تقول لإسرائيل فلتخرجى عن أرض سيناء ولتمتنعى عن التهديد، وبالتالى هناك مشكلة وطالما لم تحل القضية الفلسطينية، نظل أمام هذه الإشكالية.

* كيف؟

- طالما لم تحل القضية الفلسطينية يبقى التهديد الإسرائيلى، والقضية الفلسطينية لها توابعها المباشرة على الأمن القومى المصرى، فى هذه المنطقة تحديداً على مدى عقود كانت توجد كتلة سكانية محصورة فى قطاع غزة، وعلى مدى سنوات كانت هذه الكتلة السكانية تتعرض لعقاب إسرائيلى مستمر؛ لأن الفلسطينيين يحاولون الدفاع عن أنفسهم واستعادة حقوقهم، وإسرائيل تصر على الإمساك بمستقبلهم ومقدراتهم، وهذا أدى إلى مشكلة ثلاثية التعقيد والأطراف، مصر بقدسية أراضيها، وإسرائيل بنواياها التوسعية تجاه الفلسطينيين أو مصر، والفلسطينيين الذين يجدون أنفسهم فى هذا القطاع الضيق ويرغبون فى المجال الحيوى وتأمين الذات، وبالتالى ظهر هذا المشكل الذى شاهدناه فى العقد الأخير الذى يمثل بالنسبة للأمن القومى المصرى مشكلة، بل يزعجنى ويؤسفنى أنه يمثل تهديداً.

* تهديد أم كارثة؟

- عليك أن تؤمن بأن مصر كبيرة للغاية وأعتقد دائما أنها قادرة على تأمين قدسية أراضيها، قد يكون هناك بعض الضعف المؤقت ولكن الشعب المصرى فى صلابته وإصراره على الدفاع عن قدسية الأرض سوف يؤمن المستقبل من هذا الاتجاه، على الجانب الآخر أنصح دائما بعدم التصعيد بمواجهة الطرفين إسرائيل والفلسطينيين، والفلسطينيون بالتأكيد هم أشقاؤنا والشقيق عليه أن يراعى أوضاع مصر وحساسية الوضع فى مصر.

* وماذا عن إسرائيل؟

تهديد تل أبيب «الدائم» للأمن القومى مستمر لحين حل القضية الفلسطينية

- إسرائيل ليست بشقيقة هى جار اضطرت مصر للتعايش معها والتعامل معها، والتاريخ هو الذى سيحسم مستقبل هذه العلاقة بين مصر وإسرائيل، وفى هذا السياق أيضاً أعود لمقال كنت قد نشرته فى مجلة المصور وكنت وقتها وزيراً للخارجية وأخذت بعض فقراته فى كتاب «شهادتى».

* ماذا قلت؟

- قلت إن هناك اقتناعاً ولا يزال بأن إسرائيل تمثل تهديداً دائما لحين التوصل لتسوية عادلة للقضية الفلسطينية، هذا ما نشرته فى عام 2009 وكان هناك تمسك بقدسية الأرض المصرية ولا يزال، وأن لا قضية تعلو على أمن الأرض مهما كانت نوايا الخصم أو مشاعر الصديق أو الشقيق، وهذا رد على إشكالية سيطرة حماس على غزة.

* هل تعتقد أن الأيام أثبتت صحة مقولتك حينما أعلنت أن من يكسر سور الحدود المصرية سوف تكسر رجله؟

- هذا التصريح الذى تمسكت به طوال هذه السنوات وما زلت، أطلقه فى ظروف محددة عندما قامت فصائل فلسطينية بتحطيم سور خط حدود مصر الذى يفصل بين أرض فلسطين فى غزة وأرض مصر فى سيناء تم تحطيمه وتفجيره وعبر من خلاله فى الأيام الأولى مئات الآلاف من أشقائنا الفلسطينيين وتواجدوا فى كافة أنحاء سيناء، وفى اليوم الأخير للعبور كان يوجد فى أرض مصر 750 ألف فلسطينى، وكانت الدولة المصرية تستشعر الضعف وأن هناك تهديدات ليس بالضرورة من هؤلاء الـ750 ألفاً ولكن تهديدات من هؤلاء الذين يدبرون ضد مصر سواء إسرائيل أو العاملين معها والمتواطئين معها وكذلك إيران والمتواطئين معها كان هناك خشية على تأمين مناطق الكنز المصرى.

* ماذا تعنى بمناطق «الكنز المصرى»؟

- أقصد السياحة وقناة السويس.. كان هناك خشية من الهجوم على سفن تمر بالقناة، لهذا كانت هذه المقولة والتحذير شديد اللهجة لمن يدبر السوء لمصر، والبعض هاجمنى بشدة فى إعلام بلدى وقتها، بالإضافة لدوائر إعلامية إقليمية كان لها أغراضها من مصر، ولكن كشفت الأيام صحة مقولتى وأن هناك من يدبر السوء لمصر ولجنود مصر، ولا شك أن قتل جنود مصر فى رفح فى أغسطس 2012 كان تجسيداً لخشية الدولة المصرية على أمن سيناء فى 2009.. ووقتها نجحت الدولة المصرية فى قفل الحدود فى الأسابيع التى تلت تدمير خط الحدود أى السور، وعندما أقول خط الحدود لا نتحدث عن خط وهمى على الرمال بل سور مبنى تم تحطيمه ونسفه.

* هل كان لديكم معلومات بخطط ومؤامرات تستهدف الأمن القومى وقتها؟

- نعم.. بعد إعادة بناء السور الحدودى، بدأت تتوارد إلى مصر بعد عدة أسابيع أن هناك نوايا جديدة لتكرار نفس ما تم فى يناير 2008 -وهنا أحرص على سرد المعلومة بالتاريخ - عملية اختراق الحدود وتدمير السور كانت فى فبراير 2008 وليست خلال حرب غزة، لأن البعض قال إن مصر تمنع الفلسطينيين وتقطع عنهم الدعم، عندما دارت الحرب فى قطاع غزة، الحرب جاءت بعد عام كامل من اختراق الحدود، الحرب بدأت فى ديسمبر 2008 وانتهت 20 يناير 2009 واختراق الحدود وتدمير السور المصرى كان فى فبراير 2008، فى مارس 2008 بدأ يتوارد إلينا أن هناك نوايا جديدة لتكرار العمل مرة أخرى وتحطيم السور وكان ينبغى إرسال تحذير علنى مع التحذيرات والرسائل الأخرى غير المعلنة، وتحملت مسئولية هذا التحذير وأتمسك به إلى الآن وأقولها مجددا من يحطم خط الحدود المصرى ويدخل عنوة إلى أراضى مصر مستهدفاً بها الشر فلتُكسر قدمه.

والسور الذى بنى فى مارس 2008 لا يزال قائماً حتى هذه اللحظة، بسبب التحذير المصرى.

* كيف كان عمل منظومة الأمن القومى المصرى عندما تم اقتحام الحدود ووصل عدد الفلسطينيين فى سيناء إلى 750 ألف فلسطينى؟

- الرئيس السابق حسنى مبارك عقد عدة اجتماعات وكلف أجهزة الأمن القومى المصرى بأن يعملوا معا، وهناك تصريح له فى هذه الاجتماعات، وقال الرئيس فى اجتماع لجنة الأمن القومى «لا تستخدم القوة إطلاقاً فى مواجهة الفلسطينيين»، ويدفع بهم برفق خارج الحدود ويتم تأمين الخط مرة أخرى ويعاد بناء السور، ولكن توضع من القوات ما يؤمن لمصر أمنها القومى مع التمسك بكل بنود معاهدة السلام، وأضاف أن خرق المعاهدة سيبقى فى سلطة الرئيس.

* معنى ذلك أن الرئيس مبارك كان ينوى الدفع بالقوات إلى سيناء بالمخالفة لاتفاق السلام؟

- هذا ما قاله الرئيس مبارك نصا، إنه وحده فقط الذى سوف يأمر بخرق معاهدة السلام وزيادة القوات إذا استدعى الأمر وسوف يتخذ من الإجراءات المصاحبة ما يؤمن لمصر مصالحها تجاه كل الأطراف.

* وماذا كان المقصود بالإجراءات المصاحبة تجاه كل الأطراف؟

- المقصود هنا عمل سياسى يؤمن المصالح المصرية، بمعنى أن ما لا ينبغى التركيز عليه هو تعديل الشق الأمنى للمعاهدة لأن تعديله يلقى صعوبات كثيرة ويضع الأمن القومى المصرى فى يد الرضا الإسرائيلى من عدمه، نحن لا نستأذن أحداً.. نحن نقول إن هناك تهديداً مباشراً للأمن القومى المصرى وسوف نقوم بالإجراءات التالية وهى معلنة ونخطر بها كافة الأطراف وأن هذه الإجراءات لا تمثل تهديداً لأحد ونحصل على تفهم المجتمع الدولى لهذه الإجراءات، ثم نمضى فى طريقنا وعندما يزول التهديد نعود مرة أخرى للتنفيذ الحرفى لبنود معاهدة السلام.

والقوت المسلحة كانت تعلم عام 1978 و1979 باحتياجاتها الحقيقية، وعلى مدى 30 عاماً استطاعت مصر أن تؤمن حدودها بهذا القدر من القوات، فى السنوات الأخيرة عندما ضعفت قبضة الدولة المصرية حدث خلل لأمنها وعندما تعود قبضتها من جديد سوف يعود أمنها إلى سابق عهده.

* عندما تنظر للخريطة العربية اليوم.. حالة السيولة الإقليمية كيف تراها.. هل شربنا ما كنا نسخر منه عندما قلنا إن الفوضى لا يمكن أن تكون خلاقة.. هل نعيش مرحلة شرق أوسط جديد.. بكيانات جديدة وأدوار جديدة؟

- نعم تم تحطيم العراق وبمخطط.. وهو لا يزال يعيش فى ظلال مأساة الغزو وتم تحطيم الدولة الليبية.. وسوف تمر سنوات لكى تستعيد ليبيا سيطرتها الكاملة على مقدرات أرضها، ويجرى حاليا صراع فى سوريا يتم خلاله تدمير القوات المسلحة السورية وتدمير الدولة السورية وصولاً إلى شكل جديد.. هناك أخطار على التوازن فى لبنان.. ومصر تحتاج لوقت طويل لكى تستعيد فعاليتها وقدرتها سواء فى مواجهة المحاور الرئيسية للدفاع عن مصر وحدودها أو لظهورها الاقتصادى الذى سيعكس بالتأكيد حيوية سياسة خارجية نشطة.

أبو العيط يتحدث للوطن

ومن هنا فإن المشرق يمر بأزمة غير مسبوقة وسوف يحتاج المشرق لسنوات لكى يستعيد توازنه، وفى هذا كله تبقى للأسف إسرائيل تنظر وتتابع وتبتسم وتضيع القضية الفلسطينية التى حاربنا نحن وآباؤنا للدفاع عنها.

* هل نعيش فى شرق أوسط جديد؟

- نعم هناك شرق أوسط جديد وهناك من يتحدث عن الربيع العربى.. لا أسميه ربيعاً عربياً، ولكن أصفه بأنه تحولات رئيسية فى الدول العربية إما بإتاحة قدر معقول من الديمقراطية أو بإضاعة القدرات العربية فى مواجهة إسرائيل، لا أطلق على ما حدث ربيعاً أو خريفاً أو شتاء لكن «أصف الوضع».. هناك فوضى تعم العمل العربى المشترك ولا أصدق أن الجامعة العربية تسمح حتى ولو كان هناك مقتضيات للتصدى لهذا النظام أو ذاك أن نمكن القوى الغربية من ضرب الدول العربية.

* ما الدور الذى كان من المفترض أن تضطلع به الجامعة العربية فى هذا الظرف الإقليمى الفارق؟

- كان ينبغى أن نذهب بمفاهيم أخرى وأن نبحث عن وسائل أخرى للتصدى لطغيان القذافى مثلاً، لكن أبدا لا نمكن فرنسا وحلف الأطلسى من ضرب الأراضى العربية، كان ينبغى أن نفكر بتفكير خلاق لكى نتصدى لعدوانية وطغيان القذافى، وتسألنى ماذا كان ممكناً أن نفعل خاصة أن مصر كانت تمر بمرحلة ثورية فى هذا التوقيت.. كان يجب أن تضع العقول السياسية العربية بديلاً، لكن اتجهت الجامعة العربية والمجتمع الدولى نحو استخدام القوة والتدخل.

* لكن مداولات الجامعة العربية فى الحالة الليبية كانت وأنت وزير للخارجية؟

- نعم كنت وزيراً للخارجية وقتها لكنى تصديت لهذا فى 28 فبراير 2011 فى اجتماع الجامعة العربية وكان موقف مصر المعلن من جانبى أننا لا نرغب فى تعريض الجالية المصرية فى ليبيا إلى أى أخطار.

* وماذا عن الموقف غير المعلن؟

- الموقف غير المعلن الذى استقرت عليه القيادة المصرية يومها أى المجلس العسكرى ووزير الخارجية أنه لا ينبغى إتاحة الفرصة للقوى الأجنبية أن تتدخل على الأرض العربية.

* التحولات الإقليمية الراهنة ظهرت معها مجموعة أدوار لأطراف على الساحة فى المنطقة وخاصة إيران وقطر، كيف تقرأ طبيعة هذه الأدوار وإلى أى مدى من الممكن أن تمس بمصالح مصر الاستراتيجية وأمنها القومى؟

- إيران فى تقديرى تسعى لحماية مستقبل مشروعها النووى، عن طريق توسيع دوائر حركتها وفعالية هذه الحركة وللدفاع عن أمن أصدقائها والمؤيدين لها، بالتأكيد إيران تمر بأزمة لأن سوريا تمر بأزمة.. حزب الله يمر بأزمة أيضاً وإيران كانت تستخدم هذين الطرفين لتنفيذ سياستها الخارجية التى استهدفت هذا المفهوم، وبالتالى عندما تمد يدها إلى مصر تريد توسيع أطر الحركة الإيرانية وضم حلفاء جدد تستطيع استخدامهم أيضاً ككروت مثلما فعلت مع سوريا وحزب الله ولبنان.. تريد أن تصبح مصر «كارت».. وإيران لا تفهم أن مصر هى قوة تأثير عربى وإسلامى ساحق والآن تمر بصعوبات ولكن بالتأكيد ستكون وستظل سيدة الشرق المتوجة بلا منازع.. من هنا فمصر لا تستخدم من قبل أحد على الإطلاق ولن تتمكن إيران من استخدام مصر ككارت فى نزاعاتها مع العالم الغربى.

* أنت تعارض بناء علاقات مع إيران؟

- أبدا بالعكس أنا من المؤيدين لبناء علاقات مصرية إيرانية صحية وفاعلة وإيجابية على أساس التكافؤ والمساواة، وألا يتصور طرف أنه يستطيع استخدام الطرف الآخر لتحقيق أهدافه، مصر لها منطلقاتها فى سياساتها الخارجية وبالتالى لن تغامر بهذه السياسات من أجل مصالح إيرانية.

* وماذا عن قطر؟

أمننا القومى يواجه تحديات كبرى ويجب «كسر رجل» من يكسر حدود مصر.. وقتل جنودنا فى رفح أثبت أهمية «تأمين سيناء» بكل الوسائل

- لا أود التحدث عن الدول العربية التى لها تأثير فى المشهد الآن؛ لأنى أفضل أن أترك التاريخ يتناول هذه المسائل، القطريون لديهم رؤية، ويبدو وكأن هذه الرؤية هى الحاكمة للحركة العربية حاليا.. وبالذات فى إطار الجامعة العربية.. هل هذا الأمر سوف يستمر وإلى أى مدى سيبقى.. الزمن كفيل بالحكم على هذه النشاطات.

* هل تخشى على مكان مصر فى الشرق الأوسط الجديد؟

- لفترة من الزمن.. ولكن مصر بقواها وعناصر قوتها الشاملة سوف تكون لها عودتها المؤثرة، كلما نجحنا فى تسوية مشاكلنا الداخلية وأوضاعنا الخارجية، عدنا وبسرعة للعب تأثيرنا.. وكلما استمرت هذه الانقسامات الداخلية وفقدان السيطرة على مقدرات المجتمع وتوجهه، فسوف تبقى معنا ولسنوات ممتدة هذه الصعوبات.

* العلاقة مع الولايات المتحدة إلى أى مدى تؤثر على مصالح مصر الاستراتيجية وهل تعتقد أن مساحات الرفض المصرية التى كانت متاحة فى هذه العلاقات منذ عهد الرئيس السادات قد تراجعت؟

- هناك محاور يجب الاهتمام بها من بينها الدور المتميز للولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى فى عالم اليوم ولعقود قادمة وكيفية التعامل معها وضبط العلاقة بها خاصة أنها المورد الرئيسى للسلاح إلى مصر، كما أن دورها هام فى المسألة الإسرائيلية والمشكلة الفلسطينية ويبقى عنصر ثالث وأخير فى إشكالية العلاقة مع الولايات المتحدة وهى أن النوايا الطيبة للولايات المتحدة تجاه مصر تفتح أبواب ونوافذ الكثير من الاقتصاديات القوية للتعامل الإيجابى مع مصر مثل الاتحاد الأوروبى واليابان والثقل الذى تتمتع به القوى الاقتصادية والمالية الدولية وخاصة الأقرب جغرافيا لنا مثل الاتحاد الأوروبى اقتصاديا وسياسيا ودول مجلس التعاون الخليجى سياسيا وماليا، هذان العنصران الأوروبى والخليجى لا يتعاملان مع مصر بمعزل عن علاقة مصر بالولايات المتحدة وعندما تتحرك مصر إيجابيا مع أمريكا، أيضاً تتحرك هذه الدول بإيجابية مع مصر، فالولايات المتحدة بيدها الكثير من المفاتيح ويجب الحفاظ على العلاقة معها والدفع بها وتطويرها ولكن يجب عدم قبول الخضوع للولايات المتحدة لأنها لن تفكر إلا فى مصالحها ومصالحها فقط.

* الكثيرون يقولون إن الإدارة المصرية السابقة كانت خاضعة للولايات المتحدة؟

- هذا ليس بصحيح، مصر كانت تأخذ فى الحسبان الرؤى الأمريكية لكن عندما كان هناك إحساس مصرى بأن الولايات المتحدة فى تناولها لقضايا محددة لا تأخذ المصالح المصرية فى الحسبان كانت مصر ترفض المواقف الأمريكية وتتصدى لها وأحيانا تهزمها، وهناك الكثير من الأدب السياسى والدبلوماسى الذى كتب ونشر وتسرب فى برقيات «الويكيليكس» الذى قال فيه الأمريكان إننا يجب أن نكسر الدبلوماسية المصرية التى تقاومنا فى مسائل منظومة السلاح النووى أو معاهدة منع الانتشار، عندما كانت مصر والولايات المتحدة تختلفان، كانت مصر تصر على الدفع بقرارات أمام مجلس الأمن للدفاع عن القضية الفلسطينية وتضطر الولايات المتحدة للتصويت بالفيتو وفى الجمعية العامة كانت مصر هى الدولة الأكثر تعارضاً مع الولايات المتحدة كما ترصد تقارير الكونجرس الأمريكى الذى يصدر تقريراً حول مواقف الدول التى تحظى بمساعدات أمريكية، وكانت مصر دائما على رأس الدول التى تتعارض سياستها مع الولايات المتحدة فى قضايا محددة فلا يستطيع أحد أن يزعم أننا كنا خاضعين للولايات المتحدة.

* موضوع آخر وهو ملف المياه، كيف ترى التهديد الذى يواجه أمن مصر المائى فى مياه النيل؟

- شوف، علينا أن نتصدى بالعمل الدبلوماسى المكثف والنشط لأى تهديدات للمياه وسبق أننا حققنا أهدافنا من خلال هذا العمل الدبلوماسى على مدى الزمن ونجحنا فيه حتى مارس 2011، وهو ألا تقام مشروعات على النهر دون رضانا أو قبولنا، وأطالب بعدم الكذب أو التأجيل أو المراوغة أو معالجة المشكلة بالترحيل فى هذا الملف لأن خسائرنا مخيفة وتدفع فاتورتها الأجيال القادمة.

يجب أن تسعى مصر للتفاهم مع دول حوض النيل بكافة الوسائل سواء فى الهضبة الاستوائية أو إثيوبيا فى الهضبة الإثيوبية، ويجب أن نبذل كل الجهد، ولكن فى المقابل لا ينبغى ولا يصح وما أنصح بعدم قبوله هو أن تتم عملية لىّ الأذرع أو فرض الرؤى من قبل الجانب الآخر على المصالح المصرية.

* هل تستشعر الخطر؟

- بالتأكيد فالمياه هى حياة مصر وإذا لم يقبل شركاؤنا فى الإقليم العمل معنا وإذا ما حاولوا ابتزازنا فلنسعَ لتوسيع أطر الحركة المصرية فلنذهب إلى الدول المانحة ونقول لهم إن هناك إجراءات تهدد مصر وأن بعض الأشقاء -وأسميهم الأشقاء- يحاولون الإضرار بمصالحنا وعليكم أن تساعدونا فى إقناعهم وإذا ما فشلتم فى إقناعهم فلتتصدوا لهم، العمل الدبلوماسى الدؤوب والنشط والمواجهة الحقيقية المباشرة يجب أن تكون سيدة الموقف، لا يجب الكذب أو الخداع أو التأجيل فى هذا الملف من جميع الأطراف هذا ملف بالغ الأهمية.

* كيف سيلحق بنا الضرر؟

- النهر ينهمر عليه 1600 مليار متر مكعب مياه يصل منها 55 ملياراً لمصر لا مشكلة لدينا أن يحصلوا على التنمية فى بلدهم، لا مشكلة لدينا فى أن يقيموا السدود من أجل الكهرباء، يجب أن نفهم أن السدود وهم يعلمون ذلك ستغرقهم وتغرق أراضيهم، لذلك الخلاف ليس على السدود وإقامتها، الخلاف على الأسلوب الذى سيبنى به السد، إذا بنى سد للحصول على المياه خلال 3 سنوات فسوف يقتطع هذا السد من الحصة المصرية عدة مليارات من المياه كل عام حتى يمتلئ السد وتتسرب المياه لتشغيل التوربينات ومن هنا يجب الاتفاق على مبادئ محددة أن هناك قدسية فى الاتفاقات التاريخية، والقانون الدولى يقف فى صف مصر ويجب الاتفاق على ألا يقوم طرف بمشروع أو إجراء يلحق الضرر بمصالح الأطراف الأخرى أو طرف آخر محدد، ومن هنا إلزامية الإخطار المسبق عن كل المشاريع، ونحن فى المصب وهم فى المنبع وعليهم أن يخطرونا بمشاريعهم مسبقاً، نحن لم نرفض إطلاقا وفى أى حين أى مشروع تقيمه هذه الدول ولكننا ندرس وننظر لكى نتأكد أن هذا المشروع لا يلحق الضرر بنا، بعضهم يقول أنتم تقيمون مشاريع على أراضيكم فنقول عندما نقيم مشروعاً على أراضينا نحن لا نأخذ منكم المياه، المياه تصلنا ونحن نتصرف فيها وفق مفاهيمنا وأولوياتنا ولكن عندما تقيمون مشاريع على أراضيكم وترفضون إخطارنا المسبق فأنتم تلحقون الضرر أو على الأقل تهددون بإلحاق الضرر بنا.

* تراهن على السعى مع الدول المانحة وهذا كان أسلوب التحرك الدبلوماسى المصرى؟

- وبالعلاقات الثنائية أيضاً نحن نؤمن بتعزيز العلاقات الثنائية وبناء المصالح تستطيع مصر وإثيوبيا أن تقيم المصالح معا، فلتقيموا السدود وسوف نشترى الكهرباء منكم وسوف تستخدم أراضينا لنقل الكهرباء إلى خارج الإقليم وإلى أطراف أخرى فى أوروبا، على سبيل المثال، وأوروبا فى حاجة إلى كهرباء ولكن عندما نقيم التوازن فى المصالح نقيمها من خلال التجارة أى أننا على استعداد أن نتاجر معكم، وتستفيدون ونستفيد لكن لا تبتزونا.. لا ابتزاز فى العلاقة المصرية الأفريقية.

* هل تعتقد أن الدول والجهات المانحة ستقف فى صف مصر الآن فى ظل الظرف السياسى الراهن؟

- لا أعتقد أن الجهات المانحة ترغب فى الإضرار بمصر ولا أعتقد أنها يهمها أن تسقط مصر فى فوضى أو حالة فقر هذه الأطراف والكثير منها أطراف متوسطية أوروبية على مرمى حجر من الأرض المصرية، إن استقرار مصر ومصالحها الاستراتيجية يجب أن تؤخذ فى الحسبان من قبل هذه الأطراف، ما نشهده الآن خلال العامين الماضيين يمثل دقيقة فى الزمن المصرى، «متقوليش أن مصر انتهت.. مصر دى جامدة جدا يا ابنى».. ولكن على أهلها أن يدركوا قيمتها.