fiogf49gjkf0d

يوم عمل شاق فى دكانه الصغيرة أمام كورنيش النيل، الآمال التى وضعها عندما نزل يوم الثورة الأول تبخرت، حالة اليأس خيمت فوق رأسه، حين فتح صحيفة ليقرأ الأخبار المعتادة، إضرابات هنا، اشتباكات هناك، تصريحات نارية تشعل البلد، وردود وهمية تسكب الجاز فوق النيران، انتهى اليوم ورحل العمال وجلس هو وحيدا، رجل أربعينى لم يعرف مهنة سوى التجارة، بين أوراق العمل المتناثرة التقط ورقة صغيرة ليلضم فيها حروف الحزن على بلاده "حدادا على مصر"، ملَّ من طرق الميادين، والهتافات الفارغة.. حملها بين يديه فى الطريق إلى الخطاط لتصبح لافتة محله الجديدة حتى إشعار آخر.

بين قسم إمبابة وميدان الكيت كات، يقع محل شريف السمرى، لفرش السيارات "والحداد على مصر".. لافتة سوداء بلون الأيام التى نعيشها من وجهة نظره اعتلت بضاعته لتقول لكل من يمر من أمامه فى كلمتين فقط رسله يوضحها بلسانه "أعلنوا الحداد على أم الدنيا، لحد ما نفوق ليها ونخليها ذى ما كنا بنتمنى أول ما نزلنا الشارع نضحى بروحنا".

السمرى شارك فى الثورة مع يومها الأول، الفساد كان قد وصل مداه مثلما يقول: "مين مكنش قرفان من اللى بيحصل فى البلد، نزلت أقول يسقط النظام" ولكن الآن يرى الأوضاع أصبحت أسوأ، ترك الميدان واكتفى بدكانه الذى يقول من بين أرففه "دلوقتى كل الناس بتعمل شو إعلامى على حساب البلد، وعندهم استعداد يولعوا فيها بس الناس تقول عليهم صح وبتوع الثورة".

عيد الطبقى 27 عاما، وشقيقه سيد 23 عاما، عاملين فى محل "الحِداد" لم يفكروا فى كتابة اللافتة ولكنهم تضامنوا معها بمجرد أن قام صاحب المحل بتعليقها يقول عيد بلهجة أولاد البلد "الثورة ما جتش غير على الغلابة، وكل يوم بيعدى بيبقى خسارة على الغلبان ومكسب على الحرامية" بجسده النحيل يتابع سيد من جانب شقيقه "ما بقيناش عارفين مين الصح ومين الغلط، ذهقنا من السياسة وعايزين الناس تشتغل لصالح البلد وبس".

الخلفية السوداء التى أصبحت العنوان الأول لمحل السمرى، هى طريقة بسيطة يحكى منها لحظات اليأس التى شاهدها فى عيون أهل حارته، وأصدقائه، وحتى سائقين السيارات الذين يتبدلون عليه يوميا لشراء فرش سياراتهم، ولكنها ليست اللون الذى يتمنى أن تكمل به المحروسة طريق تاريخها عقب الثورة، وبالتبعية يكمل هوا بها كلافتة لمحله، فقط ينتظر اليوم الذى يشعر فيه ببارقة أمل، ولو صغيرة ليرفع اللافتة السوداء ويبدلها بواحدة أخرى تحمل فى مضمونها بعضا من معانى الأمل.