فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي حصارا على مدينة القدس والمسجد الأقصى الذي اقتحمته الليلة الماضية حيث أخلت المعتكفين فيه من الفلسطينيين بالقوة, وشددت إجراءات الأمن قبل ساعات من تدشين معبد هاحورباما أو ما يسمى "كنيس الخراب" بالقرب من أسوار الحرم القدسي.
وقد بدأ المستوطنون اليهود بالتدفق نحو القدس المحتلة بأعداد غير مسبوقة، كما تقوم قوات الشرطة الإسرائيلية بنشر الحواجز في مختلف أحياء وقرى المدينة، بالتزامن مع اعتقالات بصفوف المواطنين المقدسيين.
وكشف رئيس قسم المخطوطات بالمسجد الأقصى ناجح بكيرات للجزيرة نت عن اعتقال أكثر من مائة شاب مقدسي في الأيام الأربعة الماضية، ووصف الإجراءات الإسرائيلية في القدس بأنها "لم يسبق لها مثيل".
كما قال إن الإجراءات العسكرية وصلت إلى أحياء تبعد أكثر من كيلومتر عن البلدة القديمة وبينها رأس العامود وسلوان وحي الشيخ جراح ووادي الجوز، مؤكدا أن الجنود متراصين في الشارع ومتقاربين بشكل كبير جدا. ووصف صورة البلدة القديمة بأنها ثكنة عسكرية، قائلا إنها أصبحت مباحة لليهودي والمستوطنين ومحرمة على أصحابها.
ورغم ذلك قال بكيرات إن نحو ألف فلسطيني بين رجل وامرأة من كبار السن مشوا مسافات طويلة سيرا على الأقدام وأدوا صلاة الظهر في المسجد، مشيرا لقيام مخابرات الاحتلال والشرطة بإحصاء عدد المصلين.
وحذر بكريات من استسلام العقل العربي والإسلامي لخرافة بناء الهيكل بعد بناء كنيس الخراب، مضيفا أن ما يردده اليهود مجرد خرافة، مشيرا إلى أن الكنيس بني وهدم أربع مرات دون أن تتحقق خرافتهم.
جاء ذلك بينما قال مراسل الجزيرة إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد أن حكومته ستواصل البناء في القدس "كما كان الحال على مدار السنوات الـ42 الماضية".
وبحسب مدير مكتب الجزيرة في رام الله وليد العمري فإن 12 منظمة يهودية تضم غلاة المتطرفين تنشط بمجالات متفاوتة بهدف نهائي لديها وهو إقامة الهيكل المزعوم مكان الحرم القدسي الشريف، فيما بدأ عشرات اليهود بالاحتفال الذي يستمر اليوم وغداً.
يوم غضب
في هذه الأثناء قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح نبيل شعث للجزيرة إنه لا استئناف للمفاوضات قبل عودة إسرائيل عن كل الخطوات الاستيطانية، كما قال مسؤول ملف القدس في الحركة حاتم عبد القادر إن "أي محاولة لدخول الأقصى من قبل اليهود المتطرفين خلال اليوم (الاثنين) أو الأيام المقبلة سيشعل لهيب كل المنطقة ولن يقتصر على الأقصى أو مدينة القدس".
وأضاف أن عبد القادر أن "الفلسطينيين لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام دخول المتطرفين إلى الأقصى". واعتبر عبد القادر أن "كنيس الخراب ليس مجرد كنيس عادي، فهو نقطة ارتكاز ومقدمة لما يسمى بناء الهيكل على أنقاض الحرم، وهذا الكنيس سيكون مقدمة للعنف والتعصب الديني والتطرف".
بدورها دعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى يوم "غضب ونفير عام" نصرة للقدس والمسجد الأقصى. ووصفت حماس ما يجري بأنه "توطئة لوضع حجر الأساس للهيكل الثالث المزعوم، وسرقة للمعالم الإسلامية، وتعدياً وجريمة بحق القدس والمسجد الأقصى".
ودعا البيان الرئيس محمود عباس إلى "وقف المفاوضات العبثية، والعودة إلى وحدة الصف الفلسطيني لمواجهة الاحتلال الذي يستغل المفاوضات، كمظلة لتمرير مشاريعه الاستيطانية والتهويدية". وطالب الحكومات العربية والإسلامية بالقيام بواجبها في حماية القدس والمسجد الأقصى.
كما وصف عضو المكتب السياسي لحماس عزت الرشق، بناء كنيس الخراب بأنه "إعلان حرب" وحذر الاحتلال من التداعيات.
وينتظر أن يجتمع قادة الفصائل الفلسطينية المقيمين في سوريا في وقت لاحق بمنزل رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل بدمشق لبحث الخطوات الإسرائيلية الرامية لتهويد المقدسات الإسلامية وتغيير معالمها.
وكان رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني عزيز الدويك قد طالب عباس بالدعوة إلى عقد جلسة للمجلس التشريعي في أقرب وقت ممكن تحت أي مسمى من الجلسات لبحث ما تتعرض له مدينة القدس من انتهاكات إسرائيلية.
وقال الدويك، في مؤتمر صحفي في رام الله إن "ما تتعرض له مدينة القدس خطير جدا ولا يجوز تعطيل الشرعية والمهم هو الجوهر وليس الشكليات".
وحمل قادة الأمة العربية والإسلامية المسؤولية التاريخية في الذود عن أقدس مقدسات الأمة، وقال "إن شعب فلسطين يستصرخ ضمائركم لتدافعوا عن حق هذا الشعب في الحرية والكرامة والعيش الكريم".
من جهته دعا المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين الفلسطينيين والمسلمين لشد الرحال للمسجد الأقصى والصلاة فيه لمواجهة المخاطر التي تهدده حاليا من قبل المتطرفين اليهود. وحذر من أن الأيام المقبلة ستشهد تصعيدا خطيرا ضد الأقصى.
كما دعا المجلس الأعلى للقضاء الشرعي الفلسطيني مسلمي العالم للدفاع عن الأقصى، وناشد أبناء الشعب الفلسطيني في كافة مواقعهم إلى شد الرحال للأقصى, داعيا مجلس الأمن الدولي إلى تحمل مسؤولياته بهذا الصدد.
كنيس الخراب
يشار إلى أن "كنيس الخراب" بني في حارة الشرف الفلسطينية التي تسميها إسرائيل (حارة اليهود) وأقيم تحقيقا لنبوءات رجل دين يهودي عاش في القرن الثامن عشر دعا لإقامة الهيكل الثالث اليهودي مكان المسجد الأقصى بعد هدمه.
وتقول مؤسسة الأقصى للوقف والتراث إن هذا الكنيس يعتبر "أكبر وأعلى كنيس يهودي يبنى بالقرب من المسجد الأقصى، وقد أقيم على حساب المسجد العمري وأرض وقفية إسلامية في حارة الشرف، وهو حي إسلامي احتلته إسرائيل عام 1967" ويقول اليهود إن الجيش الأردني هدم هذا الكنيس عام 1948 وإنهم قد أعادوا ترميمه.