fiogf49gjkf0d
قول الحقّ وإن عزّ واحدة من أهمّ مصاديق حلية الصالحين وزينة المتقين التي يطلبها الإمام زين العابدين سلام الله عليه من الله سبحانه وتعالى، قول الحق، وإن قلّ ناصروه وكثر مناوئوه وتبعته المخاطر والصعوبات. ملاحظتان في البدء قبل أن نشرع في بيان ذلك لا بدّ من تأكيد نقطتين هامّتين في الموضوع، هما: 1. إنّ قول الحقّ يعدّ من أهمّ أسس الصلاح والتقوى للفرد المسلم، يؤيّد ذلك ما صدر عن أهل البيت سلام الله عليهم من القول بالحقّ دائماً، ولولاه لما كنّا اليوم مسلمين ولما بقي للإسلام والإيمان من أثر، خصوصاً في ظلّ محاولات الحكّام الظلمة، الهادفة إلى محو الدين وطمس أهمّ معالمه ورموزه. 2. لقد أمرنا الدين الحنيف مراراً وتكراراً أن نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق للصلاح والتقوى، وأن نشفع سؤالنا هذا بالعمل والتطبيق؛ قال تعالى: ﴿قُلْ مَا يَعبَأ بكم رَبي لَولاَ دعَاؤكم﴾(1) في إطار التحريض على الدعاء وإدراك أهميته. وقال أيضاً: ﴿وَأنْ لَيْسَ لِلإنْسَان إلاَّ مَا سَعَى﴾(2) حيث ينبغي أن يكون السلوك الصالح مصدّقاً لما يلهج به في الدعاء. لماذا القول وليس العمل؟ قد يتبادر إلى الذهن هذا السؤال وهو أنه: لماذا قال الإمام في هذا الدعاء: «قول الحقّ» ولم يقل: العمل بالحقّ؟ إنّ لمعاريض كلام أهل بيت النبوّة عليهم الصلاة والسلام جوانب عديدة وآفاقاً مديدة، وما غاب عنّا أكثر مما نستحضره، إلا أنّ ما يمكن قوله بهذا الصدد هو أنّ المجتمع الإسلامي كما هو بحاجة إلى فعل ليصدق عليه أنّه مجتمع إسلامي، كذلك هو بحاجة إلى قول وتصريح بالموقف الحقّ وبحزم. أمّا إذا اقتصرت حياة الفرد على الجلوس في الدار دون أن يتكلّم بما يطلبه الحق منه، وتبعه الآخرون من أفراد المجتمع في الإحجام عن القول والتصريح أدّى ذلك إلى عدم العمل أيضاً، فعند ذلك لن يتحقّق الهدف المتمثّل ببناء مجتمع الصلاح والتقوى في المجتمع الإسلامي أبداً. نعم قد جرت العادة في القرآن الكريم والأحاديث والروايات الشريفة على حثّ الإنسان على العمل أكثر من القول، نظراً لأنّ العمل هو الركيزة الأساسية في الإنسان؛ فإنّ تلفّظ الفرد بشهادة «لا إله إلا الله» أسهل عليه ملايين المرّات من العمل وفق شروطها؛ إذ العمل بهذه الشهادة يستوجب في كثير من الأحيان تقديم التضحيات الجسيمة وتحمّل المصاعب والمشكلات الكبيرة. ولكي يهون الأمر في سبيل ذلك فلابدّ من نظرة إلى من نصّبهم الله تعالى قدوة، لتؤنس وحشتنا بعظيم رزئهم، وتشحذ هممنا بجميل صبرهم، فلقد كان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه نموذجاً أوحد في العمل بمقتضى شرائط التوحيد، الأمر الذي كلّفه أن يقصى عن الحكم مدّة خمسة وعشرين عاماً، وهو الأعلم والأفضل والأتقى والأقضى من بين الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله. وكذلك كان شأن الكثير من عظماء الإسلام ممّن شايعه واقتدى به مثل الصحابيّ الجليل أبي ذر الغفاري رضوان الله تعالى عليه الذي التزم وعمل بشهادة التوحيد ما أمكنه جهده؛ فمات بسبب ذلك نفياً وغربة ووحدة وجوعاً، بعد أن كابد الفاقة والجوع قبل ذلك فترات طويلة. إذاً المجتمع الصالح، بحاجة إلى القول كما هو بحاجة إلى العمل، ولعلّ الإمام استعمل هنا كلمة (قول) لإرادة هذا الأمر، وإن كان ثمّة تناوب في الاستعمال بين هاتين الكلمتين، حيث قد تُطلق إحداهما ويراد بها الأخرى، كقولهم: قال بيده هكذا أي عمل هكذا، إلا أنّ الذي هو ثابتٌ أنّه لا يكفي من أجل صلاح المجتمع، العمل بالحقّ وحده، بل لابدّ من الدعوة إليه، والتصريح به.