fiogf49gjkf0d

مرحبا بك فى رمضان على أرض الحرفيين.. هذا الكلام لن تقرأه على لافتة فى حى الحرفيين حيث أشهر وحدة إنقاذ للسيارات على أرض المحروسة منذ التسعينيات وحتى الآن، ولكنك ستشعر به مع كل خطوة إلى داخل شوارع الحى الملتوية حيث تستبدل طبلة المسحراتى بشواكيش السمكرية، وتختفى الزينة المعلقة بين العمارات لتظهر الأوراق الملونة على العربات قبل أن يعاد دهانها، وتظهر أنصاف العربات التى يعاد بيعها قطع غيار "استيراد" لتملأ المكان بدلا من عربات الفول التى تملأ الشوارع، لتعلن أن رمضان على أرض الحرفيين مختلف عنه فى أى مكان آخر لأنه بكل بساطة بطعم الحرفيين.

الحياة هنا سريعة فالجميع يجرى باحثا فى محلات "الاستيراد" المتعامدة فى الشارع عن قطعة غيار تائهة بين المئات من أنصاف السيارات المصفوفة فوق بعضها، أو يستغل سر صنعته فى التقاط حل غير تقليدى لمشكلة حملت له الزبون من أقصى مصر حيث لا يجد حلا سوى فى الحرفيين، فيما يلهث الصبيان لإرضاء "الأسطى" واستقاء سر المهنة منه حتى يؤهلوا أنفسهم ليكونوا على استعداد لاستلام العصى فى الوقت المناسب، ويتنافس أصحاب محلات قطع الغيار فى عرض أفضل الأسعار لجذب الزبائن، ومن بين كل هذا يظهر صوت مدفع الإفطار ليغير كل الأوضاع ويهدئ من سرعة الأمور حتى تتحول الحياة وفقا للغة السيارات التى لا يعرف المكان غيرها إلى "سالنسية" وهدوء دام مثل معظم الأماكن المصرية.

الأصوات تنخفض والروائح تبدأ فى التطاير مع هواء جديد يستغل لحظات الهدوء وتناول الإفطار ليدخل للمكان الذى لا يستطيع الوصول له إلا ويجد عوادم السيارات والدهانات تطارده وهذا هوالسبب الوحيد الذى يمكن أن تهدأ فيه الحركة بالحرفيين.

ويقول أحمد الجناينى أحد العاملين فى ورش إصلاح العربات الألمانية "فى وقت الإفطار لا يتواجد زبائن ونستطيع الإفطار بهدوء والبعض يختار الذهاب للمنزل والآخر يمكنه أن يخرج للإفطار مع الأصدقاء أو فى أى مكان" على الرغم من هذا فالحرفيون لا يمكنهم البعد عن السيارات لأى سبب فهكذا ولد الحى وأبناؤه وفى يد كل منهم "مفتاح عشرة" ويتابع الجناينى " على الرغم من ذلك يبقى البعض للإفطار داخل الورشة حتى لا نضطر لإغلاقها وإعادة فتحها مرة أخرى ولكنهم أيضا يستمرون فى حالة الهدوء حتى تبدأ الحركة مرة أخرى مع صلاة العشاء.

على أرض الحرفيين القانون يحكم كل شىء فالمقاهى تتعامل مع الورش وزبائنها دون سؤال أو طلب أموال ولكنهم يعرفون أن قانون "الحساب بيجمع" سينفذ فى النهاية حسب الاتفاق بينهم والصنايعية والصبيان يتدرجون كل حسب الأقدمية والعمر فالأغلبية الكاسحة من العاملين تربت وولدت على أرض الحرفيين حيث الدستور لا يحتاج لجان لكتابته والقانون لا يحتاج قضاة لحمايته فالأعراف مرتبطة بداخل الجميع ولا يستطيع أحد مخالفتها.

من رحلة للبحث عن قطعة غيار فى عشرات السيارات، "المقطعة" ومحاولة لدراسة حل غير تقليدى لمشكلة سيارتك، وقعدة شاى مع الأسطى ستجد نفسك تلاحق بمدفع السحور دون أن تشعر وهذه هى اللحظة الفارقة فوق أرض الحرفيين حيث يتحول الزبائن إلى ضيوف والحرفيون بنفحة كرم مصرية فطرية إلى أصحاب مكان ويقول أحمد الجناينى أحد أصحاب الورش فى المنطقة "بالتأكيد لا يمكن أن يدفع زبون شيئا دية تبقى شتيمة".

على أنغام "تليين المواتير" الهادئة أحيانا والمرتفعة فى أحيان أخرى وبين العربات المفتوحة توضع ترابيزه السحور فى قلب الورشة حيث يتذكر الجميع المواقف الفارقة والمضحكة وذكريات الورش القديمة وتتعالى الضحكات ويختفى الحديث عن العمل الذى يشغل كل الوقت بسبب المباريات الدائمة فى إثبات المهارة بين أبناء الحى المميز ويقول محمود على "نحن تعودنا على هذه الطريقة فى السحور ونستمتع بها فمنذ صغرنا ونحن نقضى هذا الوقت فى الورشة وأهالينا اعتادوا على هذا فهذه طبيعة حياتنا".

بين ضحكة حلوة وسحور "خمسة سلندر" ويوم رمضانى بروح الحرفيين، تمر الرحلة مختلفة عن أى مكان رمضانى آخر وستخرج لترى كلمة "مرحبا بك فى رمضان على أرض الحرفيين" تودع سيارتك التى أعيد إنعاشها حتى وإن كانت لم تكتب.