يثير الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية الكثير من الجدل غير الحميد حول أفكاره وأفعاله وتصرفاته، وكان قمتها وخلال الفترة الأخيرة حديث السفيرة ميرفت التلاوي وزيرة التأمينات الاجتماعية السابقة. عن مطالبته لها بإيداع حصيلة أموال التأمينات الاجتماعية المصرية في أحد البنوك الأمريكية وبأبسط المعاني فإن وزير المالية يرغب في حرمان مصر من مئات المليارات من الجنيهات وبدلا من توظيفها الآمن لدعم الاستثمار والتنمية فهو يضغط لنقلها خارج الحدود إلي بنك أمريكي ليوظفها ويستثمرها كما يشاء وبدرجة عالية من المخاطرة وعدم الأمان‏,‏ كما كشفت الأزمة المالية العالمية الكارثية ومع تجاهل قزقزة الوزير للب السوبر في مجلس الشعب ولغته الخشنة والعنيفة التي لم يسلم منها حتي المستشار جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المسئول عن متابعة ومراقبة الخزانة العامة وموازنة الدولة وصولا إلي اتهامه بسب الدين للمواطنين تحت القبة وغيرها وغيرها الذي يتجافي ويتنافر مع حضارة مصر والمصريين التي يباهون بها الأمم والدول والشعوب عبر الزمن والتاريخ وقد تجاوز الوزير جميع القيود والحدود والخطوط الحمراء بتصريحاته حول الضريبة العقارية التي صدم بها الشعب المصري الفرح والسعيد بتصريحات الرئيس حسني مبارك رئيس الجمهورية حول الضريبة والتي أكد فيها أن موضوع الضريبة العقارية لم يحسم بعد وطرح فيها مؤشرات مبدئية للحاجة للتغيير والتعديل للتشريع‏,‏ وفي اليوم نفسه خرج الوزير بتصريحات عنترية تؤكد أنه لا نية لتغيير القانون وأن القانون يكفل مزايا وتيسيرات عديدة في مزايدة مرفوضة شكلا وموضوعا بسبب قائمة طويلة من الأسباب غابت عن الوزير من أولها إلي آخرها‏.‏

ويؤكد شريط الذكريات العالمية المؤلمة والقاسية ليس فقط ضرورة حسم موضوع الضريبة العقارية من الألف إلي الياء ولكن أيضا ضرورة حسم موضوع وزير المالية من البداية للنهاية‏,‏ فهو يعيد إلي الأذهان نموذج وزراء المالية الذين أفرطت أمريكا والغرب والمنظمات الدولية في مدحهم والاشادة بانجازاتهم الخارقة غير المسبوقة وأحد الأمثلة كان كافللو وزير المالية الأرجنتيني مع نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين وكانت تقدم له القرابين علي مذبحة المقدس في المنتديات الدولية الكبري مثل منتدي دافوس وفجأة ظهرت حقيقة عبقريته الفذة مع الانهيار المدوي والصادم لاقتصاد الأرجنتين ومالية الأرجنتين وعملة الأرجنتين وتمتع كل أرجنتيني ذكرا وأنثي وطفلا وجنينا بفضله العميم والغامر حيث فاق معدل التضخم مائة ألف في المائة وخلت رفوف محلات السوبر ماركت من علامات الأسعار بحكم تغيره كل دقيقة وتحديده فقط لحظة الوصول إلي ماكينة الدفع والسداد وسبق كافللو في العبقرية السوداء وزير مالية المكسيك في أوائل التسعينيات وتحدث عنه اليمين المحافظ الأمريكي صاحب الايديولوجية الأصولية المسيحية الصهيونية باعتباره المخلص والمنقذ‏,‏ وفي النهاية تهاوت المكسيك علي يديه إلي القاع وانزلقت إلي قاع القاع وقد حصل وزير المالية المصري علي نفس شهادة الجودة من نفس دول ومنظمات ومنتديات المنشأ وامتدحه جورج بوش الأبن رئيس أمريكا السابق في أكثر من مناسبة لانجازاته الخلاقة‏,‏ وأضاف إليه بعد ذلك زميليه الوزراء الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار والمهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة‏.‏

وفي نموذجي الأرجنتين والمكسيك كان يكفي فقط الاشادة بوزير واحد فقط حتي تقع الكارثة وتحدث الأزمة التي تفوق الخيال الجامح في أقصي حدوده ومداه ومع الأزمة المالية والأقتصادية العالمية وما أفرزته علي أرض الواقع من تغييرات عاصفة وجذرية في الفلسفات والتوجهات والسياسات في أعتي الدول الرأسمالية وما أدت إليه من سقوط اليمين المحافظ الأمريكي سياسيا واقتصاديا تحت ضغوط المراجعات الحتمية والضرورية التي فرضتها الكارثة علي الاصولية الرأسمالية الأمريكية ـ البريطانية وتطبيقاتها لاصولية اقتصادية فاسدة قائمة علي تألية السوق وعبادة صنمه الوثني المسمي بقوته الخفية القادرة علي التصويب والتصحيح تلقائيا لأعتي الأزمات والكوارث بعيدا عن تدخل الدولة وخارج نطاق دورها الرقابي وبعيدا عن ادعاءات قدرتها علي التصحيح والتصويب فإن معجزات الأرجنتين والمكسيك الوهمية وقبلها المعجزات الاقتصادية الكارثية للنمور الآسيوية والمرتكزة علي الحرية المفرطة للأسواق والإطلاق غير المحدود للقوة الخفية للأسواق في ظل دور هامشي للدولة وأجهزتها وعدم الالتفات بل وإهمال الوظيفة الاجتماعية والانسانية للدولة ورفض تدخلها لمساندة الأقل قدرة والأقل دخلا إلا في الحدود الدنيا والهامشية وترك ساحة الأقتصاد ليسودها الأقوي والأكثر نفوذا وسلطانا ويحوز مغانمها وغنائمها ولايترك إلا الفتات للغالبية العظمي من المواطنين مع عدم المبالاة الشديدة باختلالات توزيع الدخل والثروة القومية مهما كانت مروعة وصادمة بحكم يقين مطلق وغيبي لم يثبت ارتكازه إلي مفهوم أقتصادي حقيقي يقول إن الأغنياء سيقومون باستثمار أموالهم والفقراء سيقومون باستهلاك أموالهم الشحيحة لمواجهة احتياجاتهم الضرورية‏.‏

وعلي الرغم من فساد هذه النظريات الاصولية المتوحشة والمريضة وما أدت إليه من إفقار للفقراء وضياع لثروة قاعدة عريضة من الأغنياء في العالم المتقدم والنامي علي السواء إلا أن جذور هذه الأصولية مازالت موجودة بغير تعديل أو تبديل في الكثير من سياسات حكومة الدكتور أحمد نظيف والتي كان من الواجب أن تخضع لمراجعة عاصفة وشاملة بحكم أن هذه الأصولية تسربت إلي السياسات المصرية تحت مظلة توافق واشنطن وأحد الذي كان يعد روشتة الإصلاح الدولية الرئيسية المتفق عليها من الدول الكبري والمنظمات الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد والبنك الدولي في أوائل التسعينيات وتحركت بعض السياسات المصرية قليلا لتلامس توافق واشنطن اثنان المعدل للتوافق الأول وبقيت في هذا الجب المظلم بعد كوارث الأرجنتين الدامية التي دفعت العالم للانتقال إلي روشتة اصلاح جديدة صادرة عن اجتماعات برشلونة الاسبانية في عام‏2004,‏ وكان الدافع أو المبرر أن الرؤية الأمريكية الاصولية مازالت علي حالها لاتعترف بالتعديلات ولاتقر التبديلات‏,‏ وفي مواجهة كل هذه الروشتات القائمة علي الاصولية الاقتصادية كانت هناك روشتات صادرة عن مؤتمرات الأمم المتحدة التنموية تتحدث عن التنمية الشاملة والمستدامة ولاتعترف بآلة السوق بشكل مطلق وأعمي بل تعترف بضرورة التلازم بين اقتصادات السوق ودور فعال للدولة لضمان تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في نفس الوقت وتوفير فرص العمل والحد من تفاوت الثروة بالارتكاز علي منظومة ضريبية تصاعدية في أسعارها وأعبائها مع توفير الحوافز اللازمة لانطلاق المبادرة الفردية الخلاقة‏.‏

غياب المفهوم التنموي وسيادة منطق الجباية

ويقدم قانون الضريبة العقارية نموذجا متكاملا علي خلل المفاهيم التنموية والمالية الشديد التي يرتكز عليها القانون وأن وزارة المالية تطبيقا لنظريات وأيديولوجية وزيرها الراهن تضرب عرض الحائط بكل المصالح العامة والخاصة للقاعدة العريضة من المواطنين وتكشف عن أن هدف الجباية العمياء قد أصبح مطلبا في حد ذاته لمساندة التصويب الشكلي لمؤشرات رئيسية للموازنة العامة مع إهمال جميع السلبيات الحادة المترتبة علي تطبيق مايتضمنه القانون والمثال الصارخ علي ذلك نص القانون الذي يقضي بأن تؤول حصيلة الضريبة كاملة للخزانة ثم يقوم وزير المالية من خلال الموازنة العامة بتخصيص‏25%‏ من الحصيلة للمحافظات في نطاق كل محافظة وهو مايعني أن الاولويات المركزية وتوجهاتها القائمة علي امتداد السنوات الطويلة الماضية علي توفير القدر الأكبر من احتياجات بعض المحافظات وفي مقدمتها القاهرة والإسكندرية وإهمال احتياجات الغالبية العظمي من المحافظات ستفرض منطقها وسطوتها علي التخصيص في حين أن القانون العقاري السابق كان يقضي بأن تؤول كامل الحصيلة للمحليات مما يتيح لها بعض الفرص لتعويض نقص مخصصات الموازنة العامة للمحافظة وتدعيم الرؤية اللامركزية للحكم المحلي لتنفيذ مشروعات ذات ضرورة قصوي وأولوية محلية تخرج عن السياق العام للإنفاق والاستثمار‏.‏

وعلي الرغم من الاتفاق التام بين الخبراء والمختصين علي أن التنمية المحلية وتصاعد مشكلاتها يأتي علي رأس معوقات التنمية وفي مقدمة الضغوط التي تدفع الغالبية العظمي من المواطنين لعدم الشعور بثمار التنمية ونتائجها بحكم تركزها في نطاق جغرافي محدد علي مدي عقود طويلة من الزمن وبالرغم من الاتفاق أيضا علي ضرورة تدبير موارد ذاتية تساند الانطلاقة التنموية الاقتصادية والاجتماعية بالمحافظات واليقين بأن الضريبة العقارية يمكن أن تصبح المورد الأساسي لتحقيق أهداف الانطلاقة ثم جاء القانون الجديد للضريبة العقارية لينسف جميع هذه الآمال والطموحات باغتصابه للحصيلة‏,‏ لصالح الخزانة العامة معليا من شأن هدف الجباية وحشد الموارد والايرادات علي المستوي المركزي وتقييد قدرة المحليات علي التصرف والمبادرة ومواجهة المشكلات الحادة والمتصاعدة في ظل ندرة الموارد وشح التمويل وكل ذلك وحتي يتحقق لوزير المالية أن تكون له اليد الطولي والأولي والأخيرة في المنح والمنع وفقا لأولوياته المركزية التي يغيب عنها الكثير والكثير من أولويات الادارة المحلية بالمحافظات‏,‏ وكان من المفترض أن فرض الضريبة علي القري والنجوع أن يدخل الريف المصري عصرا جديدا تستخدم من خلاله حصيلة الضريبة العقارية للارتقاء بمستوي الحياة والمعيشة بهذه القري والنجوع وفقا لمخططات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل لانتشال الريف من أوضاع التخلف الشديدة ومن الانهيار البيئي والتلوث الحاد وتوفير الخدمات العامة والبنية الأساسية بمقاييس عصرية وحديثة ولكن هوس الجباية الأعمي أضاع كل هذه الفرص والطموحات‏.‏

تضخيم قيمة الأصول العقارية وصناعة فقاعة مالية كارثية

وفي حال تطبيق قانون الضريبة العقارية فإنه لابد وأن يتسبب في صناعة ظواهر مستجدة في النشاط الاقتصادي والمالي تدفع مصر للدخول في قلب العواصف المالية والعقارية العالمية بحكم أنه يصنع نفس المناخ المدمر الذي احاط بالفقاعة العقارية الأمريكية والأوروبية وغيرها من الفقاعات العقارية في دول الخليج العربي بما يتيحه من صياغة لأساس قانوني يفتعل قيما سوقية للملكية العقارية بتقديرات وحسابات إدارية وبيروقراطية وبمعايير تحكمية مكتبية ويؤدي ذلك إلي تقييم غير واقعي بحسابات السوق وتقديراته في المعاملات الحقيقية للبيع والشراء ومايصنعه وزير المالية وقانونه هو نفس ماصنعه الفساد والانحراف العقاري والمالي والتأميني في أمريكا حيث سمح الانفلات المؤسسي بتقييم قيمة الملكية العقارية بأكثر من حقيقتها اعتمادا علي تقييمات صورية مخادعة ومنحرفة تسمح في النهاية بالحصول علي قروض عقارية من المؤسسات المالية والبنوك وفقا للقيمة المرتفعة المغالي فيها للعقار وبما يتجاوز واقعيا قدرة المقترضين علي سداد الاقساط والفوائد ونتج عن كل ذلك رواج شديد في سوق العقارات لفترة زمنية ثم دخل كل شئ لمرحلة الانهيار مع العجز عن السداد وسقط السوق العقارية والنظام المالي في قلب الكارثة وفي دوائرها المفزعة وأفلست البنوك والمؤسسات المالية العملاقة والديناصورية وفقد الملايين ملكيتهم العقارية وأصبحوا مشردين بلا مأوي‏.‏

ومع تدخل مصلحة الضرائب العقارية في تقييم الملكية العقارية واصدارها لصكوك بقيم مالية لهذه الملكية وتعديلها بالزيادة كل خمس سنوات فإن عمليات الاقتراض بضمان هذه الملكية تصبح أكثر سهولة ويسرا وتتيح للمؤسسات المالية والبنوك الفرصة لتقديم قروض بضمانات شبه وهمية تخالف المفهوم الحقيقي لقيمة الأصل علي الأخص وأن القيمة السوقية الاقتراضية يرتبط بها قيمة اقتراضية للعائد والدخل ترتفع دائما مع اعادة التقييم الخمسي وبالتالي فإن القانون يسهم في جريمة كبري بتحويل جانب مهم ورئيسي من النشاط والمعاملات إلي خانة الافتراض والتقدير الوهمي ومع ترتب معاملات مصرفية ومالية عليها فإن الحسابات والتقديرات ستكون بعيدة عن الدقة وقواعد الأمان المصرفي والمالي والأكثر غرابة انه تحت دعوي التيسير وخفض الأعباء فإن المنشآت الصناعية وغيرها من المنشآت ستقل قدرتها علي الاقتراض بحكم قواعد حساب قيمة أصولها خاصة الأرض والتي يحددها القانون بقيمة مائتي جنيه للمتر المربع وفي حال الاقتراض بضمان أصول المنشأة ستكون هناك عوائق يصعب تجاوزها بحكم أن قيمة الأصول في حسابات وتقديرات الضريبة العقارية ستأتي بقيمة مخفضة وأي تعامل آخر لايأخذ في الاعتبار هذه القيمة التي ستصبح جزءا من النظام المحاسبي للمنشأة وموازناتها السنوية يصبح بالضرورة غير قانوني ويعرض مرتكبه للعقاب والمساءلة القانونية والاتهام بالتهرب من سداد القيمة الحقيقية للضريبية العقارية‏.‏

وفي ظل التداخل الغريب والمريب بين مفهوم فرض الضريبة علي الدخل ومفهوم فرضها علي قيمة العقار فإن التقدير المبدئي التي تقدمه مصلحة الضرائب العقارية للملكية العقارية حتي يبدأ تطبيق القانون ثم الدخول بعد ذلك في مرحلة تقدير جديدة تطبق بعد خمس وسنوات تدخل جميعها في نطاق التقدير الافتراضي غير الحقيقي ولكن المشكلة الحقيقية انه يترتب عليها التزامات فعلية ضريبية علي أصحاب الملكية العقارية حيث ستقوم مصلحة الضرائب العقارية بالمحاسبة علي أرباح وعوائد وهمية وبالتالي التقييم يترتب عليه ارتفاع القيمة الايجارية المقدرة والمحسوبة وبالتالي ارتفاع العبء الضريبي في ظل أن المالك يلتزم بسداد الضريبة وفقا لقيمة ايجارية حكمية ومفترضة ترتبط بالقيمة السوقية التي تحددها اللجان المختصة وفي حالة وجود مستأجر فإن عبء الضريبة لابد وأن ينتقل للمستأجرين مما يرفع ايجارات المساكن الخاضعة للقانون المدني بمعدلات عالية لاترتبط فقط بمعدلات التضخم ولكنها ترتبط ايضا بالقيمة السوقية الافتراضية ومايترتب عليها من أعباء ضريبية واقعية‏.‏

عودة التقدير الجزافي للضريبة‏..‏ وتفنين تبوير الأرض الزراعية

وتعني هذه المفاهيم المضطربة والمشوشة في الضريبة العقارية أن هناك ردة شديدة وفاضحة في النظام الضريبي المصري تهدم جميع جهود الاصلاح الضريبي لسنوات طويلة ماضية والتي ارتكزت ضمن ما ارتكزت علي الانتقال من مرحلة التقدير الجزافي للضريبة بكل مساوئه وجرائمه وبكل مانتج عنه من نزاعات وتهرب وقضايا وتعسف ضريبي في مواجهة القاعدة العريضة من الممولين إلي مرحلة جديدة يتم فيها فرض الضريبة بناء علي التقدير الفعلي للضريبة أي من واقع الدفاتر والمستندات الدالة علي الأعمال والأنشطة والأرباح والعوائد ولكن في ظل التقديرات الافتراضية لقيمة الملكية العقارية والتقديرات الافتراضية لقيمة الايجارات المتخذة أساسا لربط الضريبة فإن الضريبة العقارية تبنت المفهوم المتخلف القائم علي التقدير الجزافي الذي تملك تحديده وربطه السلطة الإدارية وهو مايخالف قواعد الفلسفة الضريبية الثابتة والمستقرة عالميا ويشكل ذلك عيبا جسيما في قانون الضريبة العقارية يحتم أن يلغي القانون جملة وتفصيلا وتمكين أهل الخبرة والاختصاص من اعداد مشروع قانون جديد ينال مايستحقه من الحوار العام الموضوعي والهادئ خارج نطاق مفاهيم الجرأة في الاعتداء علي قواعد الدستور وثوابته والاعتداء الغاشم علي القواعد الضريبية الثابتة والمستقرة‏.‏

وتتصاعد حلقات عشوائية وعدوانية التقدير الجزافي للضريبة العقارية حيث لاتتضمن قواعد رفع الضريبة ولاتتضمن اللائحة التنفيذية للقانون بما يفيد رفع الضريبة عن المكلفين بآدائها في حالة توقف المنشآت عن العمل الصناعية والخدمية وبالتالي لايؤخذ في الاعتبار أوضاع المنشآت المغلقة والمتوقفة عن العمل والنشاط ومايعنيه ذلك من عدم تحقق الدخل والربح والعجز عن سداد الضريبة ويعني ذلك عمليا زيادة الأعباء في حال التعثر بل ودفع المنشآت المتعثرة إلي الافلاس السريع بحكم أن القانون يفتح شهية مصلحة الضرائب العقارية لاتخاذ الكثير من الإجراءات لإلزام المكلف بسداد الضريبة بسدادها‏.‏

ويصل الأمر بالعقوبات إلي بيع الملكية العقارية ذاتها وفي حال العقارات السكنية يصل الحال إلي بيع مايتضمنه المسكن من عفش وفي حال المصنع لابد وأن يتضمن بيع المعدات والآلات وكل ذلك في حالة التأخر لسنة واحدة ميلادية وهي عقلية جباية يكشفها ويؤكدها أن ينص القانون علي معاملة الغرف المخصصة للحارس معاملة الوحدات السكنية بالرغم من كونها جزءا من خدمات العقار‏.‏

وفي ظل سيادة عقلية الجباية العمياء فإن قانون الضريبة العقارية يتعجل تقنين الاعتداء علي الأرض الزراعية بالبناء بحجة سريان الضريبة علي العقارات المقامة علي الأراضي الزراعية ويتجاهل القانون أوضاع التسيب والفساد الشديد بالمحليات وشيوع ظاهرة الاعتداء الاجرامي علي الأرض الزراعية بتواطؤ من أجهزة الحكم المحلي ويقدم ترخيص تقنين الأوضاع بشكل نهائي وكامل حيث يقضي بسريان الضريبة علي العقارات المقامة علي الأراضي الزراعية وعدم خضوعها لضريبة الأراضي ونقل خضوعها للضريبة العقارية طالما لايوجد محضر بالمخالفة وطالما تم توصيل أي من المرافق الاساسية إليها وكأن البناء علي الأرض الزراعية غير ممنوع في الأصل والأساس بالقانون وكان التغافل من الأجهزة المختصة عن تحرير المحاضر يتيح تقنين هذه الأوضاع ومساندة تبوير ثروة مصر الزراعية تحت ظلال وزارة المالية وأجهزتها المختصة التي يفترض فيها الحرص الشديد علي مصالح الدولة المصرية‏.‏

بالقطع فإن فرض الضريبة العقارية علي القصور والفيلات والمنتجعات السكنية والسياحية وقري الساحل الشمالي والبحر الأحمر وسيناء وغيرها من صور وأشكال الاسكان الفاخر والترفي يعد ضرورة اقتصادية واجتماعية ويمكن أن يحقق ايرادات للخزانة العامة بعشرات المليارات من الجنيهات وكان من الممكن تطبيقه وتنفيذه بتعديلات تشريعية علي قانون الضريبة العقارية القديم بشكل واضح ومحدد وبغير الحاجة إلي الصدام مع الغالبية العظمي من أبناء الدولة والمجتمع الذين تستفزهم وتثيرهم جميع صور وأشكال الاسكان الفاخر والترفي ويتعجبون لعجز القانون والتشريع عن اخضاعه للضريبة العقارية في تجاهل مستفز لحقوق الدولة والمجتمع والخزانة العامة‏.‏

وفي نفس الوقت واللحظة كان من الممكن أن يقبل المجتمع فرض ضريبة عقارية علي الريف بشكل بسيط وبسعر ضريبي معقول يأخذ في الاعتبار أوضاع أهل الريف وظروفهم ودخولهم وثرواتهم وكذلك حدود ثقافتهم ومعارفهم وافهامهم ولايدفعهم وفقا إلي دوامات القيمة السوقية لعقاراتهم التي هي سكنهم الخاص وسكن أولادهم وحقيقة أن العقار بصورته الحالية هو نتاج مشاركة أكثر من جيل في البناء والاضافة ثم يفاجأ الكثيرون من أهل الريف بأن سكنهم الخاص تبلغ قيمته مليون جنيه أو أكثر بحكم بدعة القيمة السوقية الافتراضية البيروقراطية ويكشف ذلك عن حقيقة فلسفة القانون وقواعده وتصادمها المريب مع القاعدة العريضة من المواطنين الأقل دخلا والأقل ثروة والأقل مقدرة مالية وقدرة معيشية وأن الحديث عن أصحاب القصور والفيلات والمنتجعات ماهو إلا زوبعة في فنجان لأن ماسيدفعونه ويتحملونه يشكل في النهاية والبداية الفتات وغثاء السيل بالمقارنة بثرواتهم وأرباحهم وعوائدهم ومقدرتهم التكليفية في حسابات الأعباء الضريبية وتقديراتها‏.‏

ولو كانت الحكومة تعمل بالفعل تحت مظلة قوانين السوق لكانت بدأت بأولي خطوات الاصلاح العقاري الجادة والضرورية من خلال رؤية متأنية ودقيقة للملكية العقارية المقيدة بقانون الايجارات القديم والتي يحصل في ظلها ملاك القاعدة العريضة من العقارات علي الفتات بكل معني الكلمة مقابل ملكيتهم العقارية في تجاهل مريب لحقوقهم وملكيتهم ولايعني ذلك المطالبة باستعادة الحقوق بين يوم وليلة ولكن من خلال نظام متدرج يبدأ باقرار الحد الأدني ويتصاعد بمعدلات سنوية تراعي جميع الأوضاع وجميع الحسابات وتحافظ علي الاستقرار والأمن المجتمعي والأمان الاقتصادي لجميع الأطراف وهو مالايشكل معضلة قومية تستعصي علي الحلول الناجحة والفاعلة ولكنه لون من ألوان التقاعس المرضي والعجز عن ادراك طبيعة المشكلات التي تتصاعد تحت السطح وتلتهب وتنذر بالفوضي والانفلات؟‏!‏