لجأت بعض البنوك خلال الأشهر الأخيرة إلى تشديد شروطها، فيما يتعلق بمنح القروض الشخصية أكثر فأكثر، لتتسع مع ذلك دائرة الأشخاص غير المرحب بهم ائتمانياً، خصوصاً من الوافدين.
وفي هذا الخصوص، صرحت مصادر مصرفية مطلعة، أن هناك بنوكاً ضاعفت حدها الأدنى للراتب المقبول به لمنح تسهيلات ائتمانية استهلاكية، لتسجل مع ذلك حدوداً جديدة، لم تكن تشترطها في النصف الأول من العام الحالي، في حين حافظت أخرى على معدلاتها المقررة منذ بداية العام دون تغيير.
وكشفت المصادر أن أحد البنوك بات يشترط ألّا يقل الأجر الشهري لطالبي القروض الشخصية من موظفي القطاع الخاص عن 800 دينار، وحدده آخر بـ 650 ديناراً، فيما يصل المعدل المقبول عند بقية المصارف إلى نحو 400 دينار.
ونوّهت إلى أن النافذة لا تزال مشرعة أمام أصحاب الرواتب التي تقارب 300 دينار لدى بنك أو إثنين، لكن ذلك يتم بشروط صارمة، ليس أقلها أن يكون للعميل مستحقات نهاية خدمة تغطي كامل مطالبات البنك، حال تركه العمل، علاوة على اشتراط أن يكون الراتب المعتمد في إذن العمل مطابقاً لشهادة الراتب التي يقدمها الموظف للبنك.
وتشترط بنوك أخرى على أصحاب الرواتب المتوسطة التي تقل عن 500 دينار الحصول على كفالة أحد المواطنين، علاوة على تقديم الضمانات التقليدية التي تطلب عادة من جميع العملاء، ما يحمل تعجيزاً إضافياً، خصوصاً أن نسبة كبيرة من المواطنين تفضل الاحتفاظ بسجل نظيف لتستفيد منه حال قررت الاستدانة في أي وقت، هذا بخلاف أن شريحة كبيرة من المواطنين لديها التزامات ائتمانية قد لا تجعلها مقبولة مصرفياً لضمان قروض جديدة.
ولعل المتغير الذي طرأ في أقل من 3 أشهر، ويستحق الإضاءة عليه، أنه حتى الربع الثالث من العام الحالي كان الحد الأدنى للرواتب المقبول مصرفياً يتراوح بين 500 إلى 600 دينار شهرياً، وهذا يعني رقمياً أن بعض البنوك رفعت حدودها المقبولة للرواتب بين 10 إلى 30 في المئة في الربع الأخير من العام الحالي، قياساً بالفترة الفصلية السابقة.
ومع التعليمات الجديدة، فقد ارتفعت نسبة الوافدين العاملين في القطاع الخاص غير المؤهلين ائتمانياً لدى بعض البنوك إلى نحو 90 في المئة، من إجمالي 1.39 مليون، وذلك صعوداً من نحو 75 في المئة كانت مسجلة في سبتمبر الماضي.
ووفقاً لآخر إحصائية صادرة عن الإدارة المركزية للإحصاء، يشكل عدد الوافدين الذين يتقاضون رواتب شهرية تبدأ من 480 ديناراً وما فوق نحو 10.72 في المئة، مع العلم بأن عدد الكويتين العاملين في القطاع الخاص يبلغ نحو 71618 مواطنا، بمتوسط راتب يصل إلى نحو 1.47 ألف دينار.
وتتقاطع جميع البنوك على عدم التعامل ائتمانياً مع أصحاب الرواتب الصغيرة التي تقل عن 250 ديناراً، وتحديداً التي تعرف بحساب العامل، بدافع أن معدلات المخاطر المحققة من تمويلهم مرتفع.
كما أن أصحاب الرواتب المنخفضة أو المتوسطة عبارة عن عملاء يصعب شد انتباههم إلى المنتجات المصرفية، ليقتصر العائد من ورائهم على فائدة التمويل الذي غالباً ما يكون منخفضاً، ويتراوح بين 2000 إلى 4000 دينار، علماً بأن نسبة الوافدين الذين يتقاضون أجراً شهرياً بين 60 إلى 120 ديناراً، تبلغ نحو 43.19 في المئة.
وواضح أن غالبية المصارف بدأت تركز أكثر على العملاء الكويتيين منذ فترة، إلى جانب الوافدين أصحاب الرواتب العالية، على أساس أن المنافسة محلياً أصبحت تقدّم من خلال نافذة الخدمات الخاصة، التي لا تغري عادة أصحاب الرواتب الصغيرة أو المتوسطة.
ومصرفياً، لا يمكن إدانة إستراتيجية بعض البنوك في فرزعملائها، تقليلاً للمخاطر بالتركيز على شرائح أصحاب الرواتب لا سيما التي تقارب الألف دينار، في مسعى منها لزيادة قاعدة عملائها المهتمين بالخدمات الخاصة التي تقدمها، إلا أن ما يقلق أن هذه السياسة باتت توجهاً لدى غالبية البنوك، ما يقود إلى تزكية التوقعات في شأن تضييق دائرة المستفيدين من سوق الائتمان الشخصي مستقبلاً أكثر.
وتكتسب الأراء المصرفية المؤيدة لهذه السياسة بعض الوجاهة، خصوصاً فيما يتعلق بالدفع بأن التعامل ائتمانياً مع أصحاب الأجور المرتفعة يضمن الانتظام في سداد الأقساط، وتقليل معدلات الديون غير المنتظمة، ومن ثم تخفيض حاجة البنك إلى بناء مخصصات إضافية.
كما أن فرص إقناع أصحاب الرواتب المرتفعة باستخدام المنتجات التي يطرحها البنك، والتي تتجاوز آفاق التمويل التقليدي، ممكنة كثيراً، وتتجاوز بكثير فائدة تسويقها على أصحاب الرواتب المنخفضة والمتوسطة الذين يعتبرون مثل هذه الخدمات رفاهية فكرية لا تعنيهم، ولعل هذا ما شجع بعض البنوك على منح تمويلات حسنة لعملاء الـ «vip».
وأسهم قرار بنك الكويت المركزي القاضي يإلزام العملاء تقديم فاتورة تبين أوجه صرف التمويلات، في تقليل نسبة مستوفي شروط القرض من أصحاب الرواتب المتوسطة، على أساس أن شريحة واسعة منهم كانت تقترض مبالغ صغيرة لأغراض غير استهلاكية في المقام الأول، ولا تستطيع إثباتها ورقياً.
إلى جانب ذلك، تدفع التعقيدات المالية التي تواجه بعض الشركات إلى زيادة نسبة المخاطر المحتملة من تمويل الشرائح متوسطة الأجر، وهذا يدفع إلى رواج فكرة رفع الحد الأدنى للرواتب المقبول لمنح تمويلات جديدة.
يذكر أن نسبة الوافدين العاملين في القطاع الخاص، الذين تقلّ أجورهم الشهرية عن 180 ديناراً تشكل نحو 59.29 في المئة، بينما تقارب نسبة الذين تتراوح رواتبهم بين 180 و360 ديناراً نحو 24 في المئة، ولا تتعدى نسبة الذين تبلغ أجورهم الشهرية 360 ديناراً فأكثر 16.51 في المئة، فيما تصل نسبة العاملين الذين يحصلون على أجر شهري بمعدل 420 ديناراً فأكثر نحو 14 في المئة