الثانية عشرة منتصف ليل الجمعة، اطمأنت الأم على نوم طفليها، وراحت تشعل المدفأة لحمايتهما من البرد القارس، وأغلقت باب الغرفة، لكنها لم تدر أنها ستكون النظرة الأخيرة.

مع تأخر الزوج، اتصلت “أم العيال” به لسؤاله عن موعد عودته “أنا هتأخر شوية”، لتقرر الزوجة إعداد وجبة الطعام، وتوصيلها بنفسها إلى محل الأدوات الكهربائية الذي يملكه زوجها بمنطقة كفر طهرمس ببولاق الدكرور، خاصة أنه يقع على بعد خطوات من المنزل.

داخل المحل، دار حيث مقتضب بين الزوجين، حرص خلاله “ناجح”، 37 سنة، الاطمئنان على طفليه “عمر” و”عبد الرحمن”، بينما أحضرت الزوجة نجلها الثالث “سبتهم نايمين في البيت.. قولت مش هتأخر”.

30 دقيقة قضتها الزوجة في المحل، ليطالبها الزوج -ذو الأصول الصعيدية من محافظة الأقصر- بالعودة إلى المنزل خوفا على طفليه “يالا كفاية كده.. وأنا شوية وهروح”.

صعدت درجات السلم بانقباض في صدرها، أسرعت لفتح باب الشقة مع استنشاقها رائحة دخان وغاز تملئان الأجواء، فور دخولها، انطلقت إلى غرفة طفليها “عمر”، 6 سنوات، و”عبد الرحمن”، 9 سنوات، لتجدهما مستغرقين في النوم، لكنها حاولت الاطمئنان عليهما لكن كانت الصدمة “كانوا فاقدين الوعي تماما”.


 
أصوات صراخ الأم قطعت هدوء الشارع، تساءل معها “ناجح” عن مصدرها محدثا صاحب محل مجاور “هو في ايه يا إبراهيم؟”، فكانت الصدمة مع اقترابه من مصدر الصوت “دي مراتي”، ليصطحب طفليه إلى مستشفى الهرم.

الساعة تشير إلى الواحدة صباح الجمعة، تجمع فريق من الأطباء في محاولة لإنعاش الجهاز التنفسي للطفلين، لكن دون استجابة، ليقرر أحدهم استخدام جهاز الصدمات لإنعاش القلب مع وضعهما على جهاز التنفس الصناعي لكنهما لفظا أنفاسهما الأخيرة في تمام الخامسة فجرا.

سقطت الأم مغشيا عليها بينما دخل الأب في نوبة بكاء هستيري محاولا استيعاب الفاجعة، متمنيا لو أن الأمر محض كابوسا سيستفيق منه قريبا، بينما يحاول مرافقوه مواساته ” شد حيلك يا ناجح.. دول ملايكة في الجنة”.

مع شروق الشمس، حضرت قوة من قسم شرطة بولاق الدكرور تزامنا مع وصول فريق من النيابة العامة برئاسة المستشار هشام رفعت، رئيس نيابة بولاق.

وانتقل فريق من المعمل الجنائي إلى الشقة، وكشفت المعاينة حدوث ماس كهربائي بالغسالة تسبب في “ذوبان السلك” وانبعاث أدخنة تسببت في اختناق الطفلين داخل الغرفة في ظل انخفاض نسبة الأكسجين بالجو، مقابل ثاني أكسيد الكربون.


 
فور تصريح النيابة بالدفن، شارك الأهل والجيران في دفن الطفلين، وحرص الجميع مواساة الأب المكلوم الذي يحاول استجماع ما تبقى من قواه التي خارت مع فقد طفليه في “نصف ساعة”، بينما اتشحت المنطقة بالسواد.

بدوره، حذر مصدر أمني مسؤول المواطنين من مخاطر استخدام المدفأة خلال فصل الشتاء، مشددا على ضرورة التأكد من صحة التوصيلات الكهربائية.

ووجه المصدر رسالة خاصة لأولياء الأمور، وخاصة الأمهات “ما تنزلوش من البيت وأولادكم نايمين.. اعلموا حساب اي حاجة ممكن تحصل لهم”، مشيرا إلى أن هناك عادة سيئة لدى بعض السيدات بترك أولادهن بمفردهم في المنزل، والتوجه لشراء بعض احتياجات المنزل.

ويرجى اتباع بعض التعليمات عند تشغيل المدفأة أبرزها:

– فتح جزء من النافذة عند استخدام المدفأة بالغاز أو الفحم

– عدم وضعها على السجاد والموكيت

– اتخاذ مسافة كافية لا تقل عن 50 سم بين المدفأة والأقمشة والستائر

– عدم وضعها بجوار المفروشات أثناء النوم

– عدم استخدام وصله كهربائية إطلاقا، وإيصال سلك المدفأة الأصلي بالكهرباء مباشرة.