لقد تجاوز التوقعات، وسحر الجماهير، وحطم السجلات التهديفية، ولكن كيف وجد المصري محمد صلاح طريقه للتحول إلى ظاهرة في نادي ليفربول الإنكليزي.
وسجّل محمد صلاح 19 هدفا خلال 24 مباراة خاضها مع ليفربول، الذي انتقل اليه قادما من روما الإيطالي في يوليو الماضي، ناشرا الرعب بين دفاعات المنافسين.
كيف وصل صاحب الـ 25 عاما إلى هذه النقطة في مسيرته؟ كيف تطوّر حتى تفجّرت موهبته لتتناسب مع الأسلوب الهجومي القوي لليفربول؟
«موقع ليفربول» التقى صلاح للمرة الأولى خلال مسيرته للحديث معه عن اللحظات التي مر بها وجعلته ما هو عليه الآن.
البدايات
ولد صلاح في مدينة بسيون - محافظة الغربية يوم 15 يونيو 1992، وعقب 16 عاما شارك في مباراته الأولى مع نادي المقاولون العرب.
وكشف صلاح عن سنواته الأولى في عالم كرة القدم، قائلاً: «وقعت في حب كرة القدم منذ الطفولة، تحديدا مع بلوغي السابعة من العمر. أتذكر متابعتي لمباريات دوري أبطال أوروبا بشكل دائم ومحاولة تقليد رونالدو البرازيلي وزيدان وتوتي.أحببت تلك النوعية من اللاعبين».
«اعتدت على لعب الكرة مع شقيقي، ولكنه لم يكن جيدا بالشكل الكافي، ولكن كان لدي أصدقائي أمارس معهم كرة القدم دائما. صديق أكبر سنا مني كان دائما ما يقول لي إنني سأصبح لاعب كرة قدم كبيرا يوما ما».
«مع بلوغي عمر الـ 14 عاما قمت بتوقيع أول عقد لي مع المقاولون العرب لتبدأ مسيرتي الاحترافية، ولكنه كان وقتا صعبا للغاية. إذ كان النادي في القاهرة ويبعد عن بسيون مسافة أربع ساعات ونصف وكنت أذهب للتدريب خمسة أيام في الأسبوع».
كان يتعين علي مغادرة المدرسة مبكرا للحاق بالتدريب قبل أن أحصل على ورقة رسمية لأمنحها إلى مسؤولي النادي جاء فيها «محمد صلاح يمكنه» مغادرة المدرسة مبكرا والوصول للنادي في تمام الثانية ظهرا حتى يتدرب، بهذا أصبحت أقضي في المدرسة ساعتين فقط من السابعة وحتى التاسعة. أعتقد أن كل شيء سيكون صعبا لو لم أكن لاعب كرة قدم».
«كنت اخوض رحلتي من بسيون للقاهرة خمسة أيام كل أسبوع لمدة ثلاث أو أربع سنوات. كنت أغادر في التاسعة صباحا وأصل للنادي في الثانية ظهرا لخوض التدريب في الثالثة والنصف أو الرابعة. كان التدريب ينتهي في السادسة مساء، لأعود إلى منزلي العاشرة أو العاشرة والنصف مساء. بمجرد وصولي للمنزل كنت أتناول الطعام وأنام وهكذا كل يوم».
لم يكن هناك وسيلة مواصلات مباشرة من بسيون للقاهرة، كان عليّ ركوب ثلاث حافلات أو أربع وأحيانا خمس من أجل الوصول للتدريب والعودة للمنزل. كما قلت كانت فترة صعبة للغاية، ولكنني كنت صغيرا وكنت أرغب في أن أصبح لاعب كرة قدم. كنت أريد أن أكون كبيرا. أن أكون شيئا مميزا. لم يكن مصيري واضحا بالنسبة لي، ولكنني كنت أقول لنفسي أريد أن أكون مميزا. لقد بدأت من الصفر، طفل في الرابعة عشر من عمره لديه حلم. لم أكن أعلم أن هذا سيحدث، ولكنني كنت أرغب بشدة في حدوثه».
«أتذكر كل شيء خلال فترة شبابي بوضوح، ولكن من الصعب أن أحدد في أي سن بدأت أدرك أنني قادر على بدء مسيرتي في كرة القدم. ربما عندما بلغت 16 أو 17 عاما كل شيء بات أكبر أمامي. تم تصعيدي للفريق الأول مع المقاولون العرب، وبهذا أصبحت قريبا للغاية من أن أصبح شيئا، ولكن قبل هذا كنت يافعا وأريد فقط لعب كرة القدم والاستمتاع بها. كنت أخاف ألا أصبح لاعب كرة قدم ولكنني فعلت ما بوسعي وتمنيت في النهاية أن تكون الأمور على ما يرام. مع بلوغي السادسة عشر من العمر الأمور باتت أكبر خاصة بعد ظهوري الأول مع الفريق الأول».
«لو لم أصبح لاعب كرة قدم، لا أستطيع تأكيد ماذا كنت سأصبح لأنني منذ بدأت لعب كرة القدم بشكل احترافي في الرابعة عشر من عمري وكل شيء في عقلي يدور حول أن أكون لاعب كرة قدم. إذا لم أكن لاعبا جيدا أثق في أن حياتي ستكون أصعب لأنني أعطيت كل شيء لكرة القدم.
«حينما أنظر للخلف، أجد أن ذكرياتي مع المقاولون العرب جيدة. كنت صغيرا وكان لديّ حلم».
الصعود بمصر
كان صلاح يبلغ التاسعة عشر من عمره، حينما شارك في أول مباراة له مع منتخب مصر ضد سيراليون في سبتمبر 2011. عقب شهر أحرز هدفه الدولي الأول في مرمى النيجر، قبل أن يمثل مصر أيضا في أولمبياد لندن 2012.
«لم أصدق أنني انضممت للمنتخب الوطني وأنا في التاسعة عشر من عمري. كان الأمر صعبا وقتها لأنه كان من المبكر أن ينضم لاعب لمنتخب مصر في هذه السن، كان صعبا على جيلي لأن الجيل السابق كان لاعبوه يقتربون من الـ 30».
«حينما كان يتم استدعاء لاعب للمنتخب، يتراوح عمره ما بين 27 و28 عاما، ولكنني كنت 19 لذلك كان الأمر مذهلاً ومن الصعب إدراكه، ولكن كان علي التعامل مع الأمر سريعا».
أعتقد أنه عقب عام أو اثنين بدأ الناس يفكرون «حسنا»، الآن صلاح رجل المنتخب الوطني، وعليه أن يؤدي في كل المباريات. كان هناك «الكثير من الضغط مبكرا، ولكن اللعب مع المنتخب كان بمثابة الحلم».
«واحدة من أفضل ذكرياتي في تلك الفترة هي المشاركة في أولمبياد 2012. كانت لحظة رائعة بالنسبة لي خاصة وأنني قمت بالتوقيع آنذاك مع بازل السويسري».
«شاركت في البطولة وأحرزت ثلاثة أهداف في دور المجموعات بواقع هدف في كل مباراة أمام البرازيل ونيوزيلندا وبيلاروسيا وتأهلنا لربع النهائي».
«ساعدني هذا الأمر على أن تكون بدايتي جيدة مع جمهور بازل السويسري لاحقا. كان الأمر جيدا بالنسبة لي ومنحني دفعة وطاقة أكبر لأرى نفسي كلاعب كبير. الأولمبياد دائما ما تشهد مشاركة اللاعبين الكبار، لهذا كانت فترة جيدة».
الانتقال إلى أوروبا
عقب البداية مع المقاولون العرب، انتقل صلاح إلى أوروبا في 2012 بفضل تألقه في الأولمبياد. وكان فريق بازل المحطة الأوروبية الأولى للاعب.
«كان الأمر صعبا للغاية، هذا كل ما يمكنني قوله. من الصعب للغاية أن تنتقل لناد في قارة أخرى خاصة في سن صغيرة».
انتقلت إلى سويسرا وعشت بمفردي. كان وقتا صعبا لأنني لم أكن أعلم ما يتعين علي فعله. عقب انتهاء التدريب يكون أمامي 15 ساعة.
«كنت بمفردي ولكنني طيلة الوقت كنت أفكر في كيفية التطور ومحاولة أن أكون مختلفا عن بقية اللاعبين، أو بقية اللاعبين المصريين. هذا ما كان دائماً يجول في عقلي وكما قلت لهذا كنت قادرا على تغيير تفكيري سريعاً».
«بدأت تعلم الإنكليزية لأتمكن من التواصل. سارت الأمور على ما يرام في البداية قبل أن أضطر لعدم إكمال الدورات التدريبية بسبب عدم امتلاكي الوقت الكافي لإنهائها عقب التدريب. حينما انضممت الى تشلسي الإنكليزي تمكنت من تحسين لغتي الإنكليزية قليلا. ثم ذهبت إلى إيطاليا وتعلمت الإيطالية التي أجيد التحدث بها، والآن عدت إلى إنكلترا وأعتقد أن لغتي الإنكليزية جيدة».
«على أرضية الملعب كان الأمر بمثابة خطوة للأمام بالنسبة لي وتحديدا في دوري أبطال أوروبا. اللعب في تلك البطولة كان لا يصدق وكان من أسباب رغبتي في الانضمام الى بازل. خلال عامي الأول هناك لم نتأهل لدور المجموعات، لكننا خضنا مسيرة جيدة في الدوري الأوروبي (يوروبا ليغ) ووصلنا الى نصف النهائي، كما أنني على المستوى الشخصي قدمت بطولة جيدة. أتذكر أنني صنعت خمسة أو ستة أهداف. وكنت واحدا من أكثر اللاعبين صناعة للأهداف في البطولة».
«كنت سعيدا ولكنني كنت أتطلع لمساعدة الفريق على العودة لدوري الأبطال وهذا ما فعلناه في الموسم التالي. ما أستطيع قوله هو أن بازل ناد رائع للغاية. ما زال لديّ علاقات رائعة مع رئيس النادي الحالي والرئيس السابق وكل فرد هناك. الجميع هناك أصدقائي وأنا أحبهم للغاية».
نداء لندن
في يناير 2014، أعلن تشلسي ضم صلاح من بازل في ظل وجود اهتمام من جانب ليفربول. صلاح قضى موسما في لندن تضمن تجربة داخل «انفيلد» الذي كان له تأثير في ما بعد على قراره بالقدوم إلى ليفربول.
كان هناك اهتمام من ليفربول حينما ذهبت إلى تشلسي، ولكن أعتقد أنني إذا كنت قد انضممت الى الـ «ريدز» وقتها ربما لم تكن الأمور لتسير بشكل جيد مثلما هو الحال حاليا.
«من يعلم؟ أنا شخص مختلف الآن. مختلف بشكل كلي بنسبة 100 في المئة».
في هذا الوقت كنت قريباً للغاية من الانضمام إلى ليفربول، ولكن حينما انتقات الى تشلسي سارت الأمور مثلما سارت. أنا هنا في ليفربول في التوقيت المناسب».
«حينما انضممت لتشلسي، كنت شابا وكانت خطوة كبيرة في مسيرتي. حاولت دائما أن أتعلم كل يوم من اللاعبين، من المدرب، من الجميع. تعلمت أن أكون أكثر احترافية، أن أكون شخصا ولاعبا أفضل».
عندما كنت في تشلسي لعبت على «انفيلد» للمرة الأولى. أتذكر أنني قلت لنفسي «عليّ أن ألعب هنا يوما ما»، كان هذا «عقب اختباري للأجواء. الأجواء في انفيلد لا تصدق بحق. كنت سعيدا للغاية باللعب هنا ضد ليفربول، والآن أنا أكثر سعادة».
إلى إيطاليا
انتقل صلاح إلى إيطاليا في فبراير 2015 معارا إلى فيورنتينا قبل الانضمام الى روما الذي قضى معه موسما ناجحا تطوّر فيه سريعاً.
«قضيت ستة أشهر جيدة بالنسبة لي وللفريق في فيورنتينا. ظهرت بمستوى جيد ولعبنا بشكل جيد في الدوري الأوروبي والدوري الإيطالي. وبكل أمانة قبل الانتقال إلى فيورنتينا، كان واضحاً في تفكيري أنني أستحق المشاركة».
«عقب ذلك، قضيت عامين سعيدين للغاية في روما. والناجي ليس بالمكان السهل اللعب فيه، هناك الكثير من الضغط هناك.المدرب لوتشيانو سباليتي ساعدني كثيرا. هو ذكي للغاية. كنت اتحدث معه دائما، «سيدي أريد أن أتطور في هذا»أو«أريد أن افعل هذا، ولم يقل لي لا أبدا».
«ساعدني (سباليتي) بنسبة 100 في المئة دفاعيا. الكرة في إيطاليا مختلفة عن هنا، لهذا يجب عليك أن تدافع بشكل جيد. لقد أراني كيف أدافع. أعتقد أنني نجحت في تغيير كيفية نظر الجميع لي خلال الفترة التي قضيتها مع فيورنتينا وروما».
في «انفيلد»
في يوليو 2017، أعلن نادي ليفربول حصوله على خدمات صلاح بالتوقيع معه على عقد طويل الأمد، ليرتدي المصري القميص رقم 11. الجماهير كانت متحمسة للغاية، وبعد فترة كانت كل الأسباب ليكونوا هكذا.
«شعرت بسعادة غامرة عندما علمت برغبة ليفربول في ضمي، وهو نفس الشعور الذي انتابني حينما تحدثت مع المدرب للمرة الأولى عقب التوقيع. كنت أقول لنفسي أنني أرغب في العودة لإنكلترا. أردت اللعب هنا وإظهار قدراتي للجميع».
«(الألماني) يورغن كلوب شرح لي لماذا يريد ضمي. قال لي إنه يعلم جيدا رغبتي في العودة إلى إنكلترا. شرحت له كل شيء وكان ذكيا للغاية، حيث قال لي: واثق من أننا سنعمل معا بشكل جيد». لهذا أنا سعيد للغاية بتواجدي مع هذا الفريق».
«لماذا ليفربول هو النادي الأنسب لي؟ لعدة أشياء. اعتدت اللعب بليفربول في ألعاب الفيديو، وكان الفريق يضم ستيفن جيرارد وسامي هيبيا وجيمي كاراغر ومايكل أوين و(الإسباني) تشابي ألونسو. تذكرت أيضا الأجواء التي عشتها حينما واجهت ليفربول على (أنفيلد). طريقة اللعب هنا مختلفة عن روما، لهذا احتجت من أسبوعين لثلاثة حتى أتأقلم».
الجميع يسألونني ما إذا كان الوقت الذي قضيته في تشلسي قد أفادني عندما جئت إلى ليفربول، وحتى أكون صريحاً المدرب، واللاعبون، والأجواء هم «من ساعدوني أكثر من أي شيء آخر».
«اللاعبون لطفاء للغاية وقريبون مني وكل شيء يسير على ما يرام. نتحدث معا باستمرار ونقضي أوقاتا جيدة كما أن جميعهم طموحون وهذا ما يجعلني أفضل».
الحياة في ليفربول
تتعدد وتختلف هتافات الجماهير لصلاح، ولكن المؤكد هو أن اسمه يتردد في كل مباراة سواء داخل أو خارج الديار. لهذا إلى أي مدى يستمتع صلاح بالحياة في ناديه الجديد؟
«أشعر بالسعادة هنا والأمور جيدة، ولكن بصراحة لا أحبذ الخروج من المنزل كثيراً. أقضي معظم أوقاتي مع عائلتي في المنزل. أسرتي تحب ليفربول. ذهبت لخارج المدينة مرة أو مرتين وقمت بالسير حول المنطقة.
«في المنزل أحب مشاهدة التلفاز والراحة أو القراءة. لا أشاهد وأفكر في الكرة طيلة الوقت. أحب الاستمتاع بوقتي مع عائلتي».
«أشعر بالسعادة حينما تقوم الجماهير بغناء اسمي. أتمكن من سماعهم على أرضية الملعب ويجعلونني سعيداً. أتوجه بالشكر لهم على هذا. حقا أنا أحترمهم كثيراً».
بديل... بايل
أفادت صحيفة «ديلي ستار» البريطانية، أمس، بان نادي ريال مدريد الإسباني لكرة القدم، يسعى إلى تقديم عرضا الى نادي ليفربول الإنكليزي من أجل مبادلة الويلزي غاريث بايل بالمصري محمد صلاح خلال سوق الانتقالات الصيفية المقبلة.
وكان موقع «كالتشيو ميركاتو» الإيطالى أكد، أول من أمس، أن النادي «الملكي» يستعد إلى تقديم عرض بقيمة 100 مليون يورو لضم صلاح فى الصيف المقبل.