اتساع تداولها فى المطاعم والعقارات وموقعى «آى باى» و«باى بال»
سعر الوحدة تجاوز 18 ألف دولار أمريكي
فى الأسابيع الماضية، ازدادت حدة الجدل العالمى حول العملة الإلكترونية المعروفة باسم «بيتكوين»، بعد ارتفاع سعرها بشكل مفاجئ، إثر إعلان إحدى البورصات الرئيسية بمدينة «شيكاغو» الأمريكية، أول تداول لمنتجات مالية تعتمد على العملة الافتراضية، ما مثل خطوة قوية باتجاه تقنينها.
وبدأت بورصة «شيكاغو بورد أوبشنز اكستشينج» أو«سى بى إو إى» عمليات التداول بعملة «بيتكوين» فى العقود الآجلة، 10 ديسمبر الجارى، لترتفع قيمة العملة الافتراضية من 15 ألف دولار عند بدء التداول إلى 16.600 ألف دولار، خلال وقت قصير، وصولًا إلى 18 ألف دولار أمس، قبل تراجعها لاحقًا.
الارتفاع الكبير ثم الانخفاض المفاجئ مجددًا فتحا الباب مجددًا أمام مزيد من التساؤلات، حول الوجه الحقيقى لهذه العملة غير الموجودة فى الواقع الحقيقى، وطبيعة ما يخفيه تداولها وسعرها من عمليات وصفقات سرية تحدث داخل الجانب المظلم من الإنترنت، وما يتبعه من اختلاف موقف الحكومات حول أهمية وجدوى الاعتراف بها كعملة حقيقية، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.
صممها شخص مجهول تستخدمها عصابات المخدرات ولا تحكمها قواعد واضحة
عمليًا، لا تخضع عملة «بيتكوين» لأى تنظيم من جانب أى بنك مركزى، ولا لسيطرة أى دولة، وليس لها سعر صرف معترف به عالميًا، لأنها نشأت عبر عملية حاسوبية معقدة، ثم جرت مراقبتها بعد ذلك من جانب شبكة حواسيب حول العالم.
وتشير التقارير إلى أن «بيتكوين» عبارة عن عملة وهمية افتراضية مشفرة، من تصميم شخص «مجهول الهوية»، يعرف باسم «ساتوشى ناكاموتو»، وتشبه إلى حد ما عملات الدول، مثل الدولار واليورو، لكنها تختلف فى كونها «وهمية»، أى أن تعاملاتها تتم فقط على الإنترنت، وليس لها أى وجود مادى، كما أنها «مشفرة»، لذا لا يمكن تتبع عمليات البيع والشراء التى تتم بها، أو حتى معرفة صاحب هذه التعاملات.
ويزيد الأمر غموضًا نظرًا لعدم وجود أى معلومة حاسمة حول مصدرها أو مخترعها بل يمكن لأى مستخدم للإنترنت أن يحصل عليها إذا كان يملك حاسبًا آليًا ذا مواصفات جيدة.
ويجرى يوميًا إصدار نحو 3600 عملة «بيتكوين» جديدة حول العالم، ووصل عددها حاليًا إلى 16.5 مليون وحدة، يجرى تداولها عبر الإنترنت، ضمن الحد الأقصى المسموح به لتداولها، وهو 21 مليون وحدة «بيتكوين»، ما يجعلها أكثر استقرارًا من معظم العملات الحقيقية.
وتتجاوز القيمة الاسمية الإجمالية لجميع وحدات «بيتكوين» الموجود فى العالم مبلغ 167 مليار دولار، خاصة بعد تحقيقها مكاسب قياسية خلال العام الجارى، ليرتفع سعر الوحدة من مستوى أقل من ألف دولار، إلى ما يزيد على 18 ألف دولار فى وقت سابق، قبل أن تقل مكاسبها، لتسجل مستوى 17 ألف دولار.
ولأنها ليست موجودة بالفعل، لكونها مجرد أكواد مسجلة فى محفظة رقمية، فإنها تحتاج ثقة عند إدارة التحويلات عبر محفظتها الإلكترونية، خاصة أن القراصنة يستهدفون الخوادم بهدف سرقتها.
وتتسم التحويلات عبر «بيتكوين» بالرسوم المنخفضة، نظرًا لأنها لا تحتاج سوى إلى نقل أكواد العملة من محفظة إلى أخرى، عبر خوادم الإنترنت، لذا لا يمكن تتبع عمليات البيع والشراء بها، لعدم وجود أى رقم تسلسلى يرتبط بها، ما يعزز من خصوصية التعاملات.
ولهذه الميزة الافتراضية عيب واضح، فهى تستخدم كوسيلة مجهولة، لتنفيذ تحويلات كبيرة، عابرة للحدود، دون إمكانية تتبعها، لذا تم تبنيها على نطاق واسع فى تجارة المخدرات وغسل الأموال، كما تستخدم فى موقع السوق السوداء Silk Road، ومنصته التى تستخدم فى بيع المواد غير المشروعة.
مصدر فى «الاتصالات»: الحكومة لن تعترف بها بسبب سمعتها المشبوهة
رغم أن «بيتكوين» لم يتم تجريمها من قبل المشرعين فى معظم دول العالم، فإن بعض الدول مثل روسيا والأرجنتين تقيد أو تحظر العملات الأجنبية، والافتراضية، كما أن دولًا أخرى، مثل تايلاند تقيد التراخيص الممنوحة للمبادلات والتحويلات عبرها.
ويأخذ المشرعون فى سلطات قضائية مختلفة خطوات قانونية لتزويد الأفراد وقطاع الأعمال بقواعد محددة، حول كيفية دمج هذه التكنولوجيا الجديدة، مع قواعد النظام المالى الرسمى، المتعارف عليها.
أما فى مصر، فاستبعد مصدر رفيع المستوى بقطاع الاتصالات إمكانية أن تعترف الحكومة المصرية، ممثلة فى البنك المركزى، بالعملة الرقمية المعروفة عالميًا باسم «بيتكوين»، نظرًا لكونها تستخدم عمليًا فى العالم السرى للإنترنت، لتمويل العمليات المشبوهة وغسل الأموال.
ولفت المصدر إلى أن قراصنة الإنترنت أو «الهاكرز» الذين قاموا بعمليات نصب كبرى حول العالم مؤخرا، من خلال ما عرف بفيروس «الفدية»، استخدموا هذه العملة الرقمية بالتحديد فى الحصول على أموال مقابل ابتزاز المستخدمين، الذين تم تشفير بياناتهم، ومنعهم من الوصول إليها.
وفى محاولة أخرى لاحتواء الأمر، أعلن محافظ «مصرف الإمارات المركزى» أن بلاده تتجه بالتعاون مع البنك المركزى السعودى إلى إصدار عملة رقمية خاصة، قابلة للتداول عبر الحدود بين البلدين.
وقال مبارك راشد المنصورى، محافظ مصرف الإمارات، فى كلمته بأحد المؤتمرات المالية الإقليمية، فى 13 ديسمبر الحالى، إن العملة الرقمية الجديدة ستعتمد على تكنولوجيا «سلسلة الكتل»، وهى تمثل سجلًا مشتركًا للتعاملات، يُحفظ على شبكة من أجهزة الكمبيوتر المتصلة بالإنترنت، بدلًا من أى سلطة مركزية. جدير بالذكر أن حانة «أولد فيتزروى» فى أستراليا كانت أول جهة واقعية تقبل الدفع والتعامل عبر عملة «بيتكوين»، كما وضعت أول ماكينة صراف آلى لهذه العملة الافتراضية فى مدينة فانكوفر، بمقاطعة بريتيش كولومبيا بكندا عام 2013، التى تسمح للمستخدمين بشراء العملات الرقمية وبيعها.
أما فى الولايات المتحدة، فأصدرت شبكة مكافحة الجرائم المالية (FinCEN)، وهى إحدى الدوائر الرسمية بوزارة المالية، توجيه عام غير ملزم، عن كيفية القيام بتوصيف وتمييز أنشطة معينة، تتم عبر العملات الوهمية.
وللتحكم فى هذه العملية، يكون على المستخدم شراء العملة الافتراضية، وإجراء المعاملات بها، عبر الهواتف الذكية، من خلال بورصات رقمية، مثل Coinbase، التى تتخذ من سان فرانسيسكو مقرا لها، وبدلًا من أن تقر سلطة مركزية عملية التحويلات فإنها تسجل فى موازنة عامة، يطلق عليها اسم blockchain.
خبراء: القرصنة رفعت سعرها وبعض الدول مثل بريطانيا وألمانيا وبلجيكا لا تجرمها
أكد عدد من خبراء أمن المعلومات، حقيقة ما يتم تداوله عن علاقة العملة الافتراضية «بيتكوين» بالعالم السرى للإنترنت، أو ما يسمى بـ«الإنترنت المظلم»، موضحين أنها تستخدم على نطاق واسع فى تبادل النقد والعملات بين الجهات المشبوهة حول العالم.
وقال الدكتور عادل عبدالمنعم، رئيس مجموعة الأمن المعلوماتى بغرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات: «مشكلة عملة بيتكوين أنها غير مجرمة فى حد ذاتها، لكن بعض الدول قد تجرم حائزيها، بسبب استخدام هذا النوع من العملات الافتراضية فى أعمال تخالف القانون، مثل الإتجار بالبشر، وغسل الأموال وغيرها».
وأرجع السبب فى ارتفاع سعر وحدة «بيتكوين» المبالغ فيه مؤخرًا إلى هجمات القرصنة الأخيرة، لكونها أثرت على سعر تداولها، بالذى لم يكن يتجاوز 100 إلى 200 دولار للوحدة، عند بدء ظهورها. وذكر أنه رغم ما يمنحه ذلك لحائز العملة من معرفة تاريخ تعاملاتها، فإن الأجهزة الأمنية فى المقابل لا تستطيع التوصل إلى صاحب الوحدة المشبوهة أو تتبع عملياته عبر العالم. ولفت إلى أن أن تداول العملة اتسع مؤخرًا ليشمل جهات متنوعة، مثل المطاعم، والعقارات، والمؤسسات القانونية، وخدمات الإنترنت الشهيرة مثل Namecheap، WordPress، Reddit وFlattr، رغم أن «بيتكوين» تعد ظاهرة حديثة نسبيًا، بالإضافة إلى موقع المزادات والمراهنات الشهير «آى باى»، وموقع «باى بال» للدفع الإلكترونى، وغيرها من المواقع الوسيطة.
وتابع: «بعض الدول لا تجرم استخدام بيتكوين، مثل بريطانيا، وبلجيكا، وبلغاريا وألمانيا، التى تتعامل حكومتها مع العملة الافتراضية، وتفرض شريحة ضريبية على التعاملات بها، وفنلندا التى تفرض ضريبة قيمة مضافة على تعاملاتها».
من جانبه، أرجع المهندس وليد حجاج، الباحث فى أمن المعلومات، سر انتشار «بيتكوين» إلى كونها شبكة جامعة، توفر نظامًا جديدًا للدفع عبر نقود إلكترونية سهلة التداول، موضحًا أن العملة الافتراضية تتسم بكونها أول شبكة دفع غير مركزية، تتم إدارتها بالكامل من قبل مستخدميها، دون أى سلطة مركزية أو وسطاء.