أرض الزيتون فلسطين، في كل شبر بها قصة لنبي وعلى جدرانها كتب التاريخ سطوره وأشجارها العتيقة تروى ما رأت من أهوال.
على مدى عقود مضت، كانت فكرة قيام دولة فلسطينية – عاصمتها القدس- بمثابة صرخة نادرة الحدوث، ولكن على قدر قوة هذه الصرخة كان من الممكن أن توحد العالم العربي أجمع.
في مايو عام 2015، مرت مائة عام على «سايكس بيكو». وفى 2 نوفمبر الماضي لهذا العام حلت الذكرى الـ100  لـ«وعد بلفور». وفى 29 نوفمبر الماضي  أيضا الذكرى الـ68 على قرار تقسيم فلسطين، وأمس  أصدر  الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إعلانًا يُقر فيه أن القدس هي عاصمة لإسرائيل - بفجور وفجاجة،  ليعلو صوت الإدارة الأمريكية بما تقوله لنا على امتداد الحقبات والعهود، بأنّها مصدر قهر وظُلم ليس للشعب الفلسطيني وحده ، ولكن للعالم العربي أجمع. 
فقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في تقرير لها  بعنوان:"صراخ القدس أفقدها قوتها"، أن كافة الأئمة والقديسيين اجتمعوا للصلاة من أجل القدس أمس، وبدأت الأحزاب السياسية في الشروع بعمل بحملات  في الشوارع والميادين، فربما يكون لندائهم  صدى مسموع  هذه المرة  بين الأصوات الخافتة بعد قرار ترامب.
 
ففي الوقت الذي أثار فيه القادة العرب والإسلاميين أصواتهم لإدانة تحرك الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تساءل كثيرون في جميع أنحاء الشرق الأوسط، عما إذا كان قد تغير شيء في السنوات الأخيرة  بالاستجابة لأي نداءات عربية حقيقة وليست وهمية!.
وعلى حسب ما أعربت عنه"نيويورك تايمز"، أنه لا عجب من تراجع أهمية القضية الفلسطينية للعالم العربي بعد أن نالت ثورات الربيع العربي من بعض البلدان كالعراق وسوريا واليمن، فطالها إيدي التنظيمات الإرهابية، وتضافر مع ذلك التهديدات الأقليمية لإيران وتحديها للدول العربية، وبينما كان شغف حل القضية الفلسيطينة لبعض قادة الدول العربية حقيقيًا، فأنهم كانوا يستغلون ذلك في تحقيق أهدافهم الخاصة.
 فقد تعلم القادة الفلسطينيون أن إعلان دعم بعض الأشقاء العرب لهم، لن يتحقق إلا في بعض الأحيان والظروف، وعليه لاحظ  الكثيرون أن العالم العربي لن يفعل سوى أكثر من إعلان الاحتجاج، واضعين في الاعتبار أن الحكومة الإسرائيلية وسعت من سيطرتها على الجزء الشرقي من القدس منذ استيلائها عليها من الأردن في حرب 1967، واحتلال هذا الجزء يُعد خطوة مُعترف بها من قبل معظم دول العالم.
والآن تجلى مشهد تحويل المدافعين العرب أولوياتهم إلى إلقاء الأولوية على القضية الفلسطينية، فقد استنكرت مصر القرار الأمريكي
واستدعت المغرب القائمة بأعمال سفارة الولايات المتحدة بالرباط، وسفراء الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن (روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا)، وأكدت الخارجية المغربية "انشغال الملك محمد السادس العميق" إزاء الإجراء الذي تنوي الإدارة الأمريكية اتخاذه، مشدداً على محورية قضية القدس ورفض كل مساس بمركزها القانوني والسياسي.
وقرّر مجلس جامعة الدول العربية عقد اجتماع طارئ على مستوى وزراء الخارجية، السبت المقبل؛ لمناقشة التحرّكات العربية إزاء الخطوة الأمريكية.
وشدد الرئيسان؛ التونسي الباجي قايد السبسي، والتركي رجب طيب أردوغان، خلال اتصال هاتفي أجراه الزعيمان، على ضرورة الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني للقدس، واحترام القرارات الدولية ذات الصلة.
ودعا الرئيس التركي إلى عقد قمة طارئة في مدينة إسطنبول، تضم دول مجلس التعاون الإسلامي، الأربعاء المقبل، لمناقشة خطة الإدارة الأمريكية المتعلقة بالقدس، وفي تركيا أيضاً، شهدت ثلاث مدن انطلاق مجموعة من المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية للتنديد بالخطوة الأمريكية.
وفي الأردن، فقد دعا مجلس النواب الأردني البرلمانات العربية والإسلامية إلى اجتماع طارئ لبحث التطوّرات المتعلّقة بالقدس.
وقالت الأردن: إن "الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل خرق للشرعية الدولية والميثاق الأممي"، وببدورهم، اعتصم 17 نائباً أردنياً أمام السفارة الأمريكية بعمان ضد قرار ترامب "المرتقب" بنقل السفارة للقدس.
وللشأن ذاته، دعا الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الشعوب الإسلامية، ومن ضمنهم الشعب الفلسطيني، إلى "هبّة ضد مؤامرة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، كما دعا "ائتلاف غرب أفريقيا لنصرة القدس وفلسطين"، الشعوب الأفريقية إلى إعلان "أسابيع غضب" من أجل حماية المدينة المقدّس ".
وبدوره حذّر مفتي لبنان، الشيخ عبد اللطيف دريان، من أن إقدام أمريكا على نقل سفارتها من تل أبيب للقدس، والاعتراف بالمدينة المقدسة عاصمة لإسرائيل، "يحوّل المنطقة إلى كرة لهب من الصراعات".
 ومن ناحية أخرى، وعلى حسب ما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية ، أن خطوة ترامب  تؤكد الرؤية القاتمة للمستقبل الفلسطيني، وبعد النظرة المتحيزة من الولايات المتحدة تجاه إسرائيل،  صار آمال إقامة دولة فلسطينية قابلة للتلاشي.