كانت الرواية الرسمية واضحة: القوات السعودية أسقطت صاروخا باليستيا أطلقته جماعة “أنصار الله” اليمنية الشهر الماضي نحو العاصمة السعودية الرياض، وكان ذلك انتصارا للسعوديين وللولايات المتحدة التي زودتها بنظام الدفاع الصاروخي “باتريوت”.

في اليوم التالي، تباهى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بما حدث، عندما كان في طريقه إلى اليابان، إحدى الدول الـ14 التي تستخدم هذا النظام، قائلا: “تمكن نظامنا من استهداف الصاروخ في الجو، هذا يبيّن تميزّنا، فلا أحد بوسعه فعلُ ما نفعله، والآن نحن نبيعه في جميع أنحاء العالم”.

لكن تحليل الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بالضربة، على وسائل الإعلام الاجتماعية تشير إلى أن الرواية ليست صائبة، وفق تقرير في “نيويورك تايمز”.

بدلا من ذلك، تظهر الأدلة التي حللها فريق بحثي من خبراء الصواريخ، أن الرأس الحربية الصاروخية حلقت دون عوائق من الدفاعات السعودية، بل وضربت هدفها تقريبا بمطار الرياض، وتفجّرت قرب محطة محلية حيث قفز الزبائن من مقاعدهم فزعًا، بحسب التقرير.

وفيما لم يدلِ المسؤولون السعوديون بتعليق، يثير بعض المسؤولين الأمريكيين شكوكا حول ما إذا كان السعوديون قد أصابوا أي جزء من الصاروخ القادم، إذ لا أثر لوجوده، وبدلا من ذلك، قالوا إن جسم الصاروخ ورأسه قد تفرقا بسبب سرعته وقوته.وتظهر النتائج أن قوة جماعة “أنصار الله”، قد نمت بما يكفي لضرب أهداف رئيسية في المملكة العربية السعودية، مما قد يحوّل ميزان الحرب المستعرة منذ سنتين، وبما يؤكد الشكوك التي طال أمدها في مجال تكنولوجيا الدفاع الصاروخي الأمريكية، التي تعد محور استراتيجيات الدفاع الوطني، لا سيما ضد إيران وكوريا الشمالية.

إن إسقاط صواريخ “سكود” أمر صعب، وكانت الحكومات تدعي النجاح في ذلك في الماضي. ويُعتقد أن الصاروخ، الذي شوهد في الفيديو الذي نشره “أنصار الله”، هو “بركان 2″، وهو بديل صاروخ “سكود” المستخدم في جميع أنحاء الشرق الأوسط، القادر على التحليق مسافة 600 ميل.

واتهم المسؤولون السعوديون والأمريكيون إيران بتزويد “أنصار الله” بالصواريخ، وهي تهمة نفتها طهران. وقال دبلوماسي في مجلس الأمن إن الأمم المتحدة أصدرت تقريرًا يشير إلى أن إيران صممت وصنعت الصاروخ، وفق ما اطّلعت عليه “رويترز”.

كان لويس والمحللون الآخرون، ومعظمهم من معهد “ميدلبري” للدراسات الدولية في مونتيري بكاليفورنيا، متشككين حينما أعلنت السعودية إسقاط الصاروخ.

رسوم توضح نجاح صاروخ أنصار الله في الهروب من الدفاع الصاروخي السعودي

وقد بالغت الحكومات في فاعلية الدفاعات الصاروخية في الماضي، بما في ذلك ضد صواريخ “سكود”، وخلال حرب الخليج الأولى، ادّعت الولايات المتحدة نجاحًا كبيرًا في إسقاط صواريخ “سكود” العراقية بمختلف أنواعها، غير أن التحليلات اللاحقة أظهرت أن جميع عمليات الاعتراض تقريبا قد فشلت.

وتظهر عينة الحطام المبعثرة في الرياض، أن الدفاع الصاروخي إما أنه ضرب الجزء الخلفي غير الضار من الصاروخ، أو فشل تمامًا في استهدافه.وبمجرد أن أطلق السعوديون الدفاعات الصاروخية، بدأ الحطام في السقوط وسط مدينة الرياض، وقد أظهرت مقاطع الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، هبوط أجزاء كثيرة منه في موقف للسيارات بجوار مدرسة ابن خلدون، فيما تظهر مقاطع فيديو أخرى، سقوط بعض الحطام في مواقع أخرى في مساحة 500 متر تقريبا على طول طريق سريع.

وقال مسؤولون سعوديون إن الحطام الذي يبدو أنه من طراز (بركان 2)، يبرز نجاح عملية إسقاطه، لكن تحليل الحطام يكشف أن الرأس المتفجر لا آثار له، وأن ما كان منثورًا ليس إلا أجزاء من جسم الصاروخ نفسه، الأمر الذي لفت انتباه المحللين إلى شيء مهم: أن الصاروخ قد يكون هرب من الدفاعات السعودية.

وتبين للمحللين أن الصاروخ مصمّم بطريقةٍ تمكنه من التغلب على ضغوط الرحلة البالغ مداها 600 ميل تقريبا، إذ ينفصل إلى قطعتين: الأنبوب الخلفي الذي يدفع الصاروخ يقع بعيدا، والرأس الحربية تواصل تحقيق الهدف. وهذا ما يفسر لماذا يبدو أن الحطام في الرياض يتكون فقط من الأنبوب الخلفي، ما يرجح أن السعوديين قد فشلوا في استهدافه فانشطر من تلقاء نفسه كما هو مصمم، أو أنهم ضربوا الأنبوب بعد أن انفصل فسقط بلا جدوى تجاه الأرض في حين واصلت الرأس المتفجرة طريقها صوب الهدف. ويذهب بعض المسؤولين الأمريكيين إلى تلك الرواية، إذ لا دليل على أنهم أصابوا الصاروخ.


 
وقال رجل في فيديو بعد لحظات من الانفجار إن “انفجارا وقع في المطار”. وهرع هو وآخرون إلى النوافذ أثناء تدفق سيارات الطوارئ إلى المدرج، وفي فيديو آخر، تظهر سيارات الطوارئ في نهاية المدرج. ووراءها عمود دخان، ما يؤكد الانفجار ويشير إلى نقطة محتملة للتأثير.

هناك سبب آخر يقنع المحللين بأن الرأس الحربية قد سبقت الدفاعات الصاروخية، إذ حللوا مواقع بطاريات “باتريوت” التي استهدفت الصاروخ، فوجدوا أن الرأس المتفجرة قد حلّقت بنجاح فوقها.

وقال مسؤولون سعوديون إن بعض الحطام من الصاروخ قد هبط في المطار، ولكن الصور تظهر صورة عمودية للدخان مأخوذة من مواقع مختلفة، على نحو يشبه الأعمدة التي تنتجها ضربات صواريخ مماثلة، مما يشير إلى أن عدم صحة رواية السعوديين القائلة بأنه “قطعة من الحطام”.

وتمكن فريق الخبراء من تحديد المواقع التي تم التقاط الصور منها، من خلال تحديد المباني في الصورة والفيديو، وكشفوا عن الموقع الدقيق للأعمدة الدخانية: بضع مئات من ياردات من المدرج 33R، وعلى بعد كيلومتر واحد من محطة محلية مزدحمة.

وقال المحللون إن الانفجار كان صغيرا، وإن صور القمر الصناعي للمطار التي تم التقاطها مباشرة قبل الانفجار وبعده ليست واضحةً بما يكفي لالتقاط الحفرة الناجمة عنه، بسبب سيارات الطوارئ التي تغطي الأرض، لكنها تؤكد أن الرأوس الحربية صابت مدرج المطار.

وبما أن “أنصار الله” ليس لديهم مصادر استخبارية في المطار، ليتأكدوا مما إذا كان الصاروخ نجح في مهمته أم لا، فعليهم أن يسلموا بصحة الرواية السعودية، لكنهم على الأقل صاروا متأكدين من أن صواريخهم يمكنها الوصول إليه والهروب من الدفاعات السعودية، بحسب قول الخبير لويس.

من جهتها، أعربت الخبيرة العلمية، لورا غريغو، عن القلق الشديد لعدم تمكن خمسة صواريخ من اعتراض الصاروخ.

وقالت: “تم إطلاق خمسة صواريخ لاعتراض صاروخ واحد، وفي كل مرة كانت النتيجة الفشل. هذا أمر صادم؛ لأنه من المفترض أن تكون هذه المنظومة فعالة”.