ينتظر الاقتصاد المصرى مرحلة جديدة من مراحل الاستيقاظ مع قرب دخول اكتشافات الغاز العملاقة مرحلة الإنتاج، وهو ما يمكن أن يجعل هذا القطاع يقود الاقتصاد المصرى خلال الفترة المقبلة. ولكن كيف سيقود الغاز نهضة الاقتصاد المصرى؟.
الغاز المصرى
من المعروف تماما أن مصر كانت من الدول المصدرة للغاز الطبيعى حتى مطلع عام 2011 عندما حدثت ثورة 25 يناير، وما أعقبها من توترات اقتصادية وسياسية جعلتها تتوقف عن سداد مستحقات الشركات الأجنبية العاملة بمجال النفط والغاز، التى بلغت وقتها 6 مليارات دولار، بما نتج عنه توقف الاستكشافات الجديدة وضعف الإنتاج فى الوقت الذى ظل فيه الاستهلاك يتزايد بما جعل الفجوة بين الإنتاج المحلى والاستهلاك تتسع، وتحولت مصر من مصدر للغاز إلى دولة مستورة مستوردة.
كيف تحولت مصر من مصدر إلى دولة مستوردة للغاز؟
عام 2010 وصل إنتاج مصر من الغاز أعلى معدلاته بحوالى 61 مليار متر مكعب، فى الوقت الذى بلغ استهلاكنا المحلى من الغاز فى تلك السنة 45 مليار متر مكعب، بما يعنى وجود فائض من الإنتاج بحوالى 16 مليار متر مكعب كان يوجه للتصدير، طبقا لما توضحه بيانات نشرة آفاق أسواق السلع الأولية التى يصدرها البنك الدولى.
وظل الإنتاج يتراجع والاستهلاك يزيد متواكبا مع الزيادة السكانية واحتياجات القطاع الصناعى والمحطات الكهرباء المتزايدة، حتى بلغ الإنتاج أدنى مستوياته عام 2016 طبقا لأحدث بيانات النشرة ليصل إلى 42 مليار متر مكعب، فى حين أخذ معدل الاستهلاك فى الصعود ليصل إلى 51 مليار متر مكعب عام 2016، لتصل الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك المحلى إلى 9 مليار متر مكعب تلجأ مصر لسدها من خلال الاستيراد.
الخط الأزرق فى الرسم السابق يمثل إنتاج مصر من الغاز الطبيعى والذى ظل يرتفع حتى عام 2010 ثم أخذ فى النزول تدريجيا حتى بلغ أقل مستوياته فى عام 2016، أما الخط البرتقالى فيمثل الاستهلاك المحلى من الغاز الطبيعى والذى لم يتوقف ارتفاعه ليصل أعلى مستوى عام 2016، وهو ما خلق فجوة تزايدت تدريجيا أدت لتحول مصر على دولة مستوردة للغاز.
كيف سيغير الغاز خريطة الاقتصاد المصرى؟
هناك 10 مشروعات تستهدف وزارة البترول والثروة المعدنية العمل عليها مع الشركاء الأجانب لزيادة الإنتاج من الغاز والزيت الخام باستثمارات قدرها 39.2 مليار دولار، على رأسها مشروع حقل ظهر بمنطقة امتياز شروق البحرية بالمياه العميقة بالبحر المتوسط، والمتوقع أن يبدأ باكورة إنتاجه قبل نهاية العام الحالى بنحو 350 مليون قدم مكعب تزيد إلى 1.2 مليار قدم مكعب يوميا من الغاز الطبيعى عند اكتمال المرحلة الأولى قبل منتصف العام المقبل، يتولى تنفيذه شركة بتروشروق وشركة أيوك التابعة لشركة إينى الإيطالية.
أيضا مشروع تنمية حقول شمال الاسكندرية وغرب البحر المتوسط، حيث من المخطط أن تنتج المرحلة الثانية من هذا المشروع ما يتراوح بين 500 -700 مليون قدم مكعب من حقلى جيزة وفيوم، على أن تبدأ فى الإنتاج قبل نهاية العام المقبل، وتتولى شركة بى بى الإنجليزية تنفيذ هذا المشروع.
تنمية حقل أتول بمنطقة امتياز شمال دمياط البحرية التابعة لشركة بى بى البريطانية، من مقرر أن يبدأ إنتاجه قبل نهاية العام الحالى بطاقة إنتاجية تصل إلى نحو 200 مليون قدم مكعب يوميا، وتتولى شركة الفرعونية وشركة بى بى الإنجليزية تنفيذ هذا المشروع.
وتشمل خطة وزارة البترول تنمية حقل الأمل بشركة أمل للبترول، بالإضافة إلى تنمية حقل مذهل بشركة بتروزنيمة، بجانب تنمية حقلا أتين وميريت، حيث تتولى شركة أيوك تنفيذ المشروعين، بالإضافة إلى تنمية حقول البرلس حيث تتولى شركة شل الهولندية تنفيذ وتنمية هذا المشروع، بجانب تنمية حقل سلامات بالبحر المتوسط وتتولى شركة بى بى الإنجليزية تنفيذ هذا المشروع، وأيضا تنمية حقول شمال سيناء "المرحلة الثانية ب".
وبحسب بيانات وزارة البترول، فإن مصر تستورد حوالى 10 شحنات غاز شهريا بقيمة تصل إلى 220 مليون دولار، ومع قرب دخول عدد من المشروعات الجديدة مرحلة الإنتاج قبل نهاية العام خاصة حقلى ظهر ونورس، من المتوقع ان توفر مصر حوالى 110 مليون دولار شهريا تنفقها فى استيراد الغاز من الخارج بحسب تصريحات سابقة لرئيس الوزراء شريف إسماعيل ومتوقع أن يصل الوفر إلى 2 مليار دولار سنويا من تكلفة استيراد الغاز اعتبارا من العام المقبل طبقا لتصريحاته، وهو ما يعد مكسبا كبيرا للاقتصاد المصرى الذى يبدأ أولى خطواته لتوفير العملة الصعبة.
لا يمكن التكهن بالموعد الحقيقى الذى يمكن لمصر فيه أن تحقق الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى، خاصة وأن الاستهلاك مرهون بالعديد من المتغيرات أبرزها زيادة عدد السكان وبالتالى زيادة الاستهلاك المنزلى، وزيادة عد محطات الكهرباء التى تعتمد بالأساس على الغاز الطبيعى فى توليد الكهرباء، وأيضا تزايد احتياجات القطاع الصناعى خاصة فى ظل سعى الدولة لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية فى الصناعات التحويلية التى تستهلك الغاز لتشغيل الآلات وإنتاج السلع.
ورغم ذلك، فإن الوفر الهائل الذى يمكن أن يحققه زيادة الإنتاج المحلى من الغاز سيقلل كثيرا من الضغط على العملة الصعبة والموازنة العامة، وبالتالى يمكن توجيه هذه الأموال للإنفاق على أوجه الحماية الاجتماعية المختلفة مثلا.
وتتوقع الحكومة زيادة الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى خلال السنة المالية الحالية 2017/2018 بنسبة 30% بسبب وصول عدد من الاكتشافات الهامة مرحلة الإنتاج من أبرزها حقل ظهر وحقل نورس، ليصل إلى 55 مليار متر مكعب بما يسمح بتغطية احتياجات الصناعة المختلفة، طبقا لما جاء بالبيان المالى للموازنة، وكان هذا أحد الأسباب الدافعة لتحسين توقعات النمو الاقتصادى خلال السنة لترتفع إلى 5 – 5.5% مقابل 4.6% فى بداية السنة المالية.
توفير الغاز بشكل كبير إلى القطاع الصناعى والكهرباء، من شأنه أن يسهم فى تحسين الإنتاج لكافة السلع والخدمات، حيث لن تواجه المصانع أزمات انقطاع الكهرباء أو عدم توافر الغاز الطبيعى اللازم لتشغيل الآلات والمعدات، بما سيترتب عليه وفرة بالعديد من السلع والخدمات أيضا بالأسواق وهذه الوفرة ستكون أحد العوامل المؤثرة فى تخفيض الأسعار، إلا إذا لم تواجه الصناعة عقبات أخرى تؤثر على الأسعار.
كيف ستتأثر مصر بالارتفاع المتوقع لأسعار الغاز فى 2018؟
ويتوقع البنك الدولى فى نشرة آفاق أسواق السلع الأولية، الصادرة فى أكتوبر الماضى، أن تشهد أسعار الغاز عالميا ارتفاعا عام 2018 بحوالى 3%، بسبب تزايد الاستهلاك المحلى فى الولايات المتحدة الأمريكية أحد أكبر منتجى الغاز الطبيعى فى العالم، وأيضا الارتفاع المتوقع فى أوروبا واليابان، على خطى ارتفاع الأسعار الذى تشهده أسعار النفط عالميا بحسب التقرير.
وفى الوقت الذى تظل مصر مستوردا للغاز الطبيعى من المتوقع أن تتأثر سلبا بارتفاع الأسعار العالمية خاصة فى المنطقة الأوروبية التى تعد من أهم موردى الغاز إلى مصر، ولكن لا يتوقع أن يكون هذا التأثير كبيرا خاصة وأن تقرير البنك الدولى يتوقع أن يرتفع الغاز الأوروبى بصورة طفيفة.
ومع دخول المشروعات الجديدة مرحلة الإنتاج وتقليل الواردات من شحنات الغاز، لن يكون هناك تأثيرا سلبيا كبيرا على الاقتصاد، ولكن فى حالة تمكنت مصر من التحول السريع إلى الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى فلن يكون هناك أى تأثير سلبى على مصر من ارتفاع أسعار الغاز الطبيعى عالميا.