fiogf49gjkf0d
 

بعد إنتهاء الإحتفال التاريخي باستقلال دولة جنوب السودان ذهبت السكرة وجاءت الفكرة‏,‏ وشمر القادة الجنوبيون صبيحة اليوم التالي ساعد الجد لمواجهة أعباء وتحديات الدولة الجديدة‏.

فقبل أن يغادر الضيوف الرسميون مطار جوبا بعد المشاركة في الإحتفالات كانت هناك إجتماعات مكثفة متوالية لترتيب البيت الجنوبي, وكانت أولي هذه الإجتماعات التي دعا إليها سلفاكير ميارديت رئيس دولة جنوب السودان مع قادة الأحزاب في السودان الشمالي ودولة جنوب السودان,تم فيها تأكيد أهمية توطيد العلاقات بين الدولتين في ظل الوضع الجديد, ثم أعلن سلفاكير إختيار نائبه سابقا الدكتور رياك مشار ليكون نائبا لرئيس الدولة الجديدة, وإعلان الحكومة السابقة حكومة لتسيير الأعمال لحين تشكيل الحكومة الجديدة, وقال مشار للأهرام عقب توليه منصبه: الآن إنتهت الإحتفالات وحانت لحظة العمل الجاد لتلبية طموحات شعب الجنوب وتوفير الخدمات والمطالب الأساسية له.

ورغم الوضع السياسي الجديد للسودان الذي جعله دولتين, فمازالت تسيطر علي السودانيين في شطري السودان مشاعر متباينة, والأمل يحدو الجميع أن يسود السلام والتعاون بين الدولتين وألا يفقدوا السلام بعد أن فقدوا وحدة بلدهم, والتباين في مشاعر السودانيين ليس بين شمال وجنوب أومن مكان لآخر, بل حتي داخل الشخص الواحد, وكثير من أبناء الشمال تعتمل في نفوسهم الأحزان والشجون والأمنيات الطيبة بالخير والتوفيق لدولة الجنوب القادمة, ومن بين هؤلاء الكاتبة والناشطة هادية حسب الله التي كانت قد دعت من قبل أيام إستفتاء تقرير المصير إلي إعلان الحداد في الشمال حزنا علي الجنوب الذي سينفصل, ومثلها الكاتب والشاعر تاج السر حسين الذي دعا الشماليين إلي الإحتفاء بإخوتهم الجنوبيين قبل يوم إعلان استقلالهم, وهو يعتقد أن هذا هو خيارأبناء الجنوب وأن علي الجميع في الشمال أن يحترموه, وأن يطالبوا دولتهم في الشمال بإقامة علاقات جوار أخوية مع دولة الجنوب, والتعبير الأخير أول من أطلقه هو السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة السوداني المعارض وإمام الأنصار, وهو يري أن السودان يواجه ظرفا جديدا هو إنفصال جنوب السودان وقيام دولة جديدة في الجنوب, وهذا الجنوب أمامه خياران, إما أن ينظر شمالا أو أن ينظر جنوبا, فإذا نظر جنوبا فإنه يمكن أن يتحالف مع قوي معادية, وإذا نظر شمالا يمكن أن تقوم بينه وبين شمال السودان توءمة ومصالح مشتركة, ويعتبر أن التحالف بين مصر وشمال السودان يمكن أن يلعب دورا حاسما في ذلك لأنه من الأشياء المهمة التي نريد أن يشعر بها الجنوب المستقل هو المصالح المشتركة التي يمكن أن يجدها في التنمية والبنية التحتية وفي مسائل كثيرة جدا عبر علاقته مع الشمال, وهذا الأمر يمكن أن يحدث فيه نجاح كبير جدا إذا قامت بيننا وبين مصر الديمقراطية عملية وفاق أو إتفاق أو تكامل أو إخاء, ولنسمها ماشئنا, وهو مايمكننا من أن نشد الجنوب شمالا, ولكن لذلك شروط وهو أن يكون في شمال السودان نفسه حكم ديمقراطي, يدرك الأخطاء التي أدت إلي الإنفصال, ويعمل علي تصحيحها, وأن يكون في مصر أيضا حكم ديمقراطي, وأن يكون بين البلدين عمل مشترك, بل ويدعو المهدي بمشروع مارشال عربي لإعمار الجنوب

وفي أوساط الجنوب رغم أجواء الفرح بالاستقلال الذي طالما حلموا به, هناك من يشعر أنه استقلال ناقص بدون أبيي, وهناك من لايستطيع أن يكتم ألمه علي ضحايا المعارك الأخيرة في ابيي وجنوب كردفان, يقول جون أحد القيادات الشابة في الحركة الشعبية: هؤلاء حلفاؤنا يعني أبناء جبال النوبة, وليس لنا أن نتخلي عنهم, أو نحتفل وهم حزاني, وفي الشمال هناك إنفصاليون أيضا لايخفون فرحهم بذهاب الجنوب رسميا, ومن بينهم المهندس الطيب مصطفي رئيس منبر السلام العادل الذي نحر الذبائح يوم إستفتاء تقرير المصير فرحا بقرب إنفصال الجنوب الذي طالما عمل له عبر منبره وصحيفته الإنتباهة, لكن لعل ما ينغص عليه فرحه اليوم الحدود الإتفاقات التي وقعت أخيرا في أديس أبابا ويراه تنشيء له جنوبا جديدا في الشمال في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق, كما أنها ستبقي له الحركة الشعبية ممثلة في قطاعها الشمالي وهو أشد بغضا لقادتها من الشماليين أمثال ياسر عرمان وعبد العزيز الحلو ومالك عقار من رفقائهم من قادة الحركة الجنوبيين الذي يراهم يدافعون في النهاية عن قضية قومهم, أما الشماليين من أتباع الحركة الشعبية فلم يكن يراهم سوي خائنين لوطنهم, وهم بالقطع الأكثر تأثرا بما يجري اليوم وقد ذهبوا وانضموا للحركة الشعبية علي زمن قائدها الراحل الدكتور جون قرنق إيمانا منهم بمشروعه الفذ السودان الجديد الذي تهاوي بعد رحيله ولم يجد من يزود عنه, وأتباعه اليوم في مأزق حقيقي في الشمال والجنوب, ولكنهما لايزالون يعتبرون هذا المشروع هو بارقة الأمل والمخرج الحقيقي لشطري السودان ولو بعد التقسيم الذي تم. ويماثل وضع الشماليين في الحركة أوضاع الجنوبيين في الأحزاب الشمالية, من بين هؤلاء السيد عبد الله نيال دينق, مرشح حزب المؤتمر الشعبي لرئاسة الجمهورية في الإنتخابات الماضية, وهو ينتمي لقبيلة الدينكا أكبر قبائل الجنوب درس وتعلم وعاش في الشمال وتخرج من الأزهر الشريف, ومطلوب منه اليوم أن يغادر الشمال هو وملايين آخرين لأنهم سيصبحون بعد يوم التاسع من يوليو الحالي أجانب, ومثله الكاتبة الواعدة الشابة إستيلا قايتانيو التي تتميز بأسلوب محبب جذاب, وقد كتبت تقول سأقول ما أريد قوله قبل أن أصبح أجنبية, وقد أبكت بكتاباتها تلك أعدادا كبيرة من قرائها في الشمال تأثرا بماجري ويجري, وهم لايصدقون أن بلدهم انقسم إلي بلدين. أما الكاتب السوداني الكبيرعثمان ميرغني فكتب يدعو إلي نهج مغاير في النظرة للأمور ومعالجة المشكلات بعد أن أصبح نصف الشعب السوداني في الداخل ونصفه خارج البلد في الشتات, وبعد أن أصبح نصفه يقاتل نصفه الآخر. وقصص السودانيين في الشتات أو بمعني أدق مآسيهم تدمي القلب, وتكاد كل قصة منها تفوق الأفلام الهندية مأساوية وميلودرامية, فالعائلات والأسر توزعت علي قارات الدنيا,الشماليون منهم والجنوبيون علي حد سواء, والعائدون إلي الجنوب بعد كل هذه السنوات من الغياب والغربة عادوا يحملون ثقافات وخبرات جديدة, وكل منهم تأثر بالجهة التي جاء منها,

أما مايقلق القيادي الإتحادي السيد صديق الهندي فهو قضية الجنوبيين المقيمين في الشمال, وإذا أردت أن تطردهم فهم يقدرون بالملايين, وعليهم الآن مغادرة الشمال, ويتساءل: كيف يحدث ذلك, وهم يعيشون في الشمال منذ عقود وأصبحت لهم أجيال لها مصالح في الشمال, والجنوب الذي يريدونهم أن يعودوا إليه قد أزيلت قراه, ولا أحد منهم يعرف أين ذهبت أرضه أو أبقاره, فإلي أي شيء يذهب الجنوبي في الشمال إلي الجنوب, فنحن نرتكب جريمة إذا قلنا للجنوبيين في الشمال أن يذهبوا إلي الجنوب الآن, وأنت لاتستطيع أن تفعل ذلك في أي بلد حتي لوكانوا لاجئين, فمابالك وهؤلاء مواطنون. ويتذكر:عندما انفضت العلاقة بين مصر والسودان باستقلال السودان عام1956 استمر السودانيون موجودين في مصر في عين شمس وغيرها, وحتي الضباط والمحالون للمعاش ظلوا يعيشون فيها, بل ظل الموظفون الإنجليز يعيشون في السودان بعد رحيل الإستعمار الإنجليزي إلي أن توفوا. ويضيف: السودان بلد مسنضيف للاجئين من أكثر من6 دول هي أوغندا وكينيا وأثيوبيا وأريتريا وأفريقيا الوسطي وتشاد والصومال, ولم نطرد ايا منهم يوما ما, فكيف نطرد مواطنينا وإخواننا, ولكن أعتقد أن إتفاقية نيفاشا هي التي تسببت في ذلك, لأنها لم تحسم قضية المواطنة, فظلت قنبلة موقوتة أخري, إلي جانب الحدود والديون القومية, ويؤكد: قطعا ستحدث أزمة لأن موارد النقد الأجنبي في الشمال الذي يعتمد علي البترول الذي سيأخذه الجنوبيون, وما سيبقي له مقابل إيجار الأنبوب والسيادة ستكون مبالغ زهيدة, أضف إلي ذلك أن القطاع الزراعي منهار الآن في السودان, والصادرات الزراعية الآن أقل من5%, ولدينا الآن أقل كثيرا مما نحتاجه من الغذاء. وحول إمكانية تحسين القطاع الزراعي يقول: ذلك ممكن, لكنه لاشك يستلزم وقتا, ونحن نتكلم عن المدي القصير, حيث ستواجه الدولة في شمال السودان وضعا إقتصاديا معقدا جدا.

بينما يؤكد السيد تيلار دينق مستشار رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ميارديت أن الشعب السوداني عاش في دولة واحدة, ولايمكن قطعه مثل المانجو أوالموز, فهؤلاء بشر ولهم علاقات إنسانية وإجتماعية وإقتصادية وأمنية, ويتمني أن تكون علاقتنا مع دولة الشمال علاقة طيبة, ويؤكد أن الجنوبيين في الشمال لايمكن حرمانهم من حقوقهم في حال الإنفصال, وسنكون جميعا ملتزمون بالقانون الدولي في هذا الشأن, فإذا جاء شمالي إلي الجنوب سيكون لديه إقامة, كما سيكون للجنوبي في الشمال, فالبشر ليسوا بضاعة يتم شحنها إلي الشمال أو الجنوب, وإنما لهم تاريخ وعلاقات, فضلا عن الحقوق التي يوفرها لهم القانون, ونحن في الجنوب لن نمارس أي تمييز في هذا الخصوص.