تشهد منطقة الشرق الأوسط حراكا على كافة المستويات سواء السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية، ولم تعد هناك فرصة للتخلف عن اللحاق بقطار هذا الحراك، بعدما كشفت الأزمة الأخيرة مع قطر تقسيم المنطقة إلى معسكرين فرضت الدوحة على الجميع الاختيار بينهما.
 
المعسكر الأول، يضم الدول العربية الناجية من فوضى “الربيع العربي”؛ السعودية ومصر والأردن والإمارات والبحرين، خاصة دول الخليج العربى التي أصبحت مستهدفة دون مواربة بعدما انتقلت رياح الأزمات من القاهرة ودمشق وبغداد وصنعاء وطرابلس إلى العواصم الخليجية لتطرق أبوابها بقوة.
 
المعسكر الثاني، أعلن عن نفسه رسميا في الأزمة القطرية، ومثل تيار الإسلام السياسي سواء السني المتمثل في جماعة الإخوان، أو الشيعى الذي تمسك بدفته طهران المغناطيس الجاذب في جمع “تركيا وقطر وإيران” ضمن أطراف محور تولّد وحذرت منه القاهرة الجميع منذ عقود ولم يستمع لها أحد، والآن باتت الدوحة غرفة حمراء يمارس بها العهر السياسي بدول الشرق الأوسط، بعدما فشلت ثورات الربيع العربى في إسقاط القاهرة عمود الخيمة العربية.
 
منذ اندلاع الأزمة مع نظام الحكم القطرى على خلفية دعم تميم بن حمد للإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، تعيش الشعوب العربية على هاجس سؤال هو، إلى أين ستنتهى هذه الأزمة؟ خاصة مع دخول أمريكا على الخط بقوة ووضع قطر تحت حمايتها حسب المعلن حتى الآن.
 
السؤال السابق طرحه والذي يرى المراقبون أن الإجابة الصحيحة عليه دون تكنهات من شأنها توضيح معالم خريطة الشرق الأوسط الجديد، ورسم محاوره لعقود قادمة سواء بالسلب أو الإيجاب، وبالرغم من الضبابية السياسية المفروضة على هذه الأزمة، كشفت ثلاثة مصادر دبلوماسية عربية خطة «محور العرب» لوضع إجابة عن هذا السؤال المحير.
 

تقزيم تميم

المصادر العربية أجمعت على أن الدول الداعية لمكافحة الإرهاب الأربع «مصر والسعودية والإمارات والبحرين»، كانت على قناعة تامة منذ إعلان إجراءات قطع العلاقات الدبلوماسية وفرض قائمة شروط من 13 بندا على الدوحة، إنها -دول المقاطعة- لن تستطيع الحصول على رد سريع من قطر، وكانت لديها منذ اللحظة الأولى قناعة كافية بدخول تركيا وإيران على خط المواجهة لتقوية عضد تميم في مواجهة المحور العربى، وهو ما أرادته بهدف كشف أوراق اللعبة إقليميا وتقسيم محاورها بشكل واضح بعيدا عن التشدق بعبارات الأخوة والعروبة وحياكة المؤامرة في دهاليز غرف الاستخبارات بأنقرة وطهران.
 
والهدف الأساسى بحسب المصادر هو وضع قطر في قفص الاتهام بدعم الإرهاب وهو ما قد كان، وتحولت في عيون العالم من دولة راعية للديمقراطية إلى دولة داعمة للإرهاب، وتحولت قناة الجزيرة التي اعتادت على ممارسة التدخل في دول الجوار إلى التفرغ بكامل طاقتها للدفاع عن نظام تميم، وكشفت عصبية التغطية الإعلامية للقناة موقفها من العواصم الخليجية تحديدا.
الهدف الآخر من قنابل البيانات التي أطلقتها دول المقاطعة، رمت بشكل واضح إلى تقزيم دور تميم بن حمد إقليميا، وسحب أوراق اللعبة من يده وإبعاده عن المشهد السياسي بشكل كامل وعودته إلى الحجم الطبيعى لبلاده من حيث مساحة الأرض وتعداد السكان.
 

ظهور ترامب

وعلى صعيد تدخل إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، نفت المصادر انحياز واشنطن للدوحة ضد المحور العربي، وألمحت المصادر إلى تسليم العواصم العربية ما يكفى من أدلة ووثائق تثبت دعم قطر بالتعاون مع تركيا في دعم التنظيمات الإرهابية، جمعتها أجهزة الاستخبارات الإقليمية على مدار الأعوام الماضية، وأن هناك الكثير من الأمور تم تحريكها عقب وصول دونالد ترامب إلى رئاسة أمريكا بسبب رفض الإدارة الأمريكية السابقة التعاطى مع العواصم العربية في هذه الملفات وحرصها على تغطية عورة النظام القطرى بسبب تورطه معه في عدد من الجرائم الإرهابية، أبرزها حادث الاعتداء الإرهابى على قنصلية بنغازي، وتكتم المخابرات الأمريكية حتى الآن على الدور الواضح للدوحة في هذا الاعتداء من خلال الجماعات الإرهابية التي تمولها في ليبيا، بعدما عقدت لصالح واشنطن اتفاقا يقضى بحماية العناصر المعتدية للقنصلية في بنغازي.
 
علاوة على ذلك -بحسب المصادر- لإدارة ترامب كشف حساب طويل مع قطر، بعدما تدخلت بصورة خفية في انتخابات الرئاسة الأمريكية لصالح هيلارى كلينتون ودعمت حملتها الانتخابية، على أمل استمرار الديمقراطيين في الحكم واستكمال مشروعهم مع الدوحة.
 
وأوضحت المصادر أن الضغوط العربية على قطر ساهمت بشكل كبير في دفع الدوحة لقبول توقيع اتفاق مكافحة الإرهاب مع الجانب الأمريكي، بعدما أعلن تميم عن رفضه خلال تواجده بالقمة الإسلامية الأمريكية في الرياض، وباتت أموال الدوحة بل محفظة تميم الشخصية تحت المجهر الأمريكي، وهو أمر من شأنه توقف نقل الأموال القطرية للتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود في المنطقة.
 

حبل المشنقة

وما يحدث الآن مع قطر عبارة عن خطوات تصعيدية بشكل تدريجى مع قطر بهدف لف حبل المشنقة حول عنقها قبل الوصول إلى حكم الإعدام، والخطة العربية -بحسب المصادر المتحدثة- تتلخص في وضع قطر في مأزق دولى أمام العالم واستنجادها بالجميع، ومع كل طرف غربى جديد يدخل على خط الوساطة سوف يتسلم ملفا كاملا من كل عاصمة عربية يصل إليها قادما من الدوحة، تكشف دور تميم في بلاده ووثائق تعاونها مع تركيا لتصدير قنابل بشرية إلى العواصم الأوروبية بهدف تقديم الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، كمنقذ لأوروبا ومعاونته على تحقيق حلم بلاده في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لتوفير غطاء سياسي للإخوان والدوحة داخل الاتحاد. عقب ذلك بحسب المصادر وربما على مدار سنوات سوف تجد قطر نفسها رهينة في يد القوى الغربية وتركيا وإيران، وسوف تفقد سيطرتها حتى على أصولها الخارجية ومواردها الطبيعية، الخطوة الأخيرة والتي سوف تتم بمباركة الجميع نقل الملف كاملا إلى الأمم المتحدة مدعوما بشهادات الوسطاء الغربيين أنفسهم ضد تميم، وبداية إعدام هذا النظام المارق سيتمثل في الإعلان عن مصادرة أصوله المالية في جميع أنحاء العالم وفرض عقوبات على نظامه على غرار السيناريو الإيرانى وغيره من الأنظمة التي أثبتت الأدلة دعمها للإرهاب.
 

رحيل تميم

وبحسب المصادر، يعد رحيل تميم وأعوانه عن حكم قطر في الوقت الحالى وسيلة النجاة الوحيدة للشعب القطرى من سيناريو مستقبلى كارثى يطبخ على نار هادئة، وهو الرسالة التي تعشم دول الخليج العربي في وصولها إلى الشعب القطري نفسه لإدراك مدى مراهنة النظام القطرى على مشروعه الفوضى مقابل بلاده ومصالح مواطنيه وخداعهم بحصوله على دعم غربى سوف يمكنه من البقاء بتصدير شعارات واهمة حول الصمود والحصار ودغدغة مشاعر مواطنيه بعبارات قومية زائفة هو شخصيا غير قانع بها.
 

سر الغضب السعودي

المفاجأة التي كشفتها المصادر العربية هنا تمثلت في سر الغضب السعودي المفاجئ من نظام تميم، وقيادة الرياض لسرب المقاطعة العربية، حيث حصلت المملكة على ملف كامل من القاهرة وأبو ظبى، يظهر الخيانة التي مارسها تميم للعاهل السعودى الملك سلمان في اليمن، من خلال تزويد عناصر القاعدة وداعش والإخوان وميلشيات الحوثى بصفقات تسليح هائلة تم جلبها من تركيا وإيران وتكفلت الدوحة بالدفع، بهدف إطالة الحرب في اليمن وتوريط السعودية في ارتكاب جرائم حرب وتحريك دعاوى دولية لمحاكمة نظامه دوليا، وفرض عقوبات دولية على المملكة.
 
ولم تكتف قطر بحسب المصادر بالمؤامرة السياسية على النظام السعودي، بل كشفت وثائق حصلت عليها الرياض أيضا في سبتمبر الماضى، تورط جهاز المخابرات القطرى بمعاونة أعوانه في اليمن في محاولة الاغتيال التي تعرض لها الأمير محمد بن سلمان، ولى ولى العهد السعودى وقتها، أثناء زيارته إلى نجران لتفقد أحوال قواته على جبهة الحرب بصفته وزيرا للدفاع.
 
وأبلغت قطر حينها الميليشيات اليمنية من خلال عناصر موالية لحزب الإصلاح، بموعد زيارة محمد بن سلمان إلى الجبهة ونوعية العربة المدرعة التي تحرك بها، وبالفعل تم استهدافها بوابل من قذائف «آر بى جي» لكن وصول معلومات عن الوشاية إلى الجانب السعودى دفعته لعدم التواجد بالعربة التي تم استهدافها.
 

قاعدة محمد نجيب

وتطابقت رواية المصادر الثلاثة حول الدور الهائل الذي لعبته مصر في كشف مخططات قطر الإقليمية للجميع، معترفة أن وقوف القاهرة في منطقة ملتهبة تشهد صراعات تغذيها قطر في سوريا واليمن وليبيا، مكنها من جمع فيض من المعلومات المهمة من جميع الأطراف متعلقة بخيانة قطر للعرب، وتعاونها مع التنظيمات الإرهابية بهدف تحريكها مستقبلا تجاه العواصم الخليجية وهدم استقرارها لصالح تركيا وإيران.
 
وأضافت المصادر: "مصر عادت لتقود الأمة العربية”، معتبرة أن الصورة التي جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسي، والقادة العرب أثناء افتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية، رسالة مهمة بعثتها القاهرة للجميع مفادها: “أصبح للأمة قاعدة عسكرية كبيرة"، للرد على العنجهية التركية التي برزت بوضوح في أزمة قطر.
 
القاعدة العسكرية أيضا من وجهة نظر المصادر، أغلقت طريق الإمداد التركى الإيرانى في ليبيا، للمساهمة في حصار الإرهاب القطري، وتعمدت القاهرة دعوة المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبى لمراسم الافتتاح رسالة ثانية لقطر وتركيا، كما حرص السيسي خلال كلمته داخل القاعدة العسكرية على توجيه رسالة تحذير شديدة اللهجة إلى الدوحة وغيرها من الدول الإقليمية بعدم التسامح أو السماح مع الدول الداعمة للإرهاب.