أخذتم الروح مني في ملاطفة.. فلست أعرف غيرَ مذ عرفتكم
نسيت كل طريق كنت أعرفها.. إلا طريق يؤدي بى لربعكم
حي، حي، حي.

عمائم خضراء تعلوا رؤوسا فقدت الاتصال المكاني بالأرض، أجساد تتمايل على وقع دقات الدفوف يمينا تارة ويسارا تارة أخرى، مصطفين جنبا إلى جنب أو في دوائر مغلقة، مركزها شيخ ينشد بصوت عذب ما يجعل الباقين يخلعون أجسادهم ويستنشقون نسمات الهواء الممزوجة بدخان البخور، الذى يداعب أضواء المكان فيجعلها تهدئ من قوتها لتكتمل الصورة الذهنية المعروفة عما يسمى بالحضرة الصوفية، هذه هى الصورة المخزنة والمعروفة للحضرة الصوفية المعتادة، والتى تعودنا أن نجدها في المناسبات الصوفية المعروفة من احتفالات وغيره.

فالحضرة كتعريف هى دربا من دروب الذكر بما يعنى الحضور أو الصحبة، وهو الطقس المتعارف عليه باتباعه بين أتباع الطرق الصوفية، ليس في مصر فقط بل وفي البلدان العربية والإسلامية المختلفة.

فيه تتعدد مظاهر الاحتفال بالحضور مثل إلقاء الدروس الصوفية والأدعية وإلقاء الشعر والإنشاد، ومدح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والدعاء في جماعات.

مع الثورة الإلكترونية الأخيرة، قرر الدكتور محمود صبيح نقل الحياة الصوفية إلى الإنترنت، ليطل على أتباعه وأنصاره مساء كل خميس ليلقي عليهم كلماته وعظاته ودعواته ومديحه لتنقلها كابلات الإنترنت، وموجات الأثير الإلكتروني ليتقابلا معا في العالم الافتراضي وينطلقوا للعالم الروحي الخاص بهم.

الأمر الذي يجعلنا نطلق على "صبيح" لقب منشئ الحضرة الافتراضية "الديجيتال"، وصاحب مدرسة أخرى مغايرة لما تعودنا عليه من الصوفيين في حضراتهم التى تتم في تجمعات كبيرة بالمساجد أو الأماكن المخصصة لها، ولم يكتفى بتغيير شرط أساسي من شروط الحضرات الصوفية وهو الخشوع التام لإتمام صفاء الروح من المنظور الصوفي، لكنه أقدم أيضا على تغييرها من كلمة الحضرة لتصبح "كلمة الأسبوع".

موقع محمود صبيح الذى أعده ليكون مكان استضافة الحضرات الديجيتال هو عالم ملئ بالأسرار والحكايات، ففي اللحظة الأولى التي تقرر بها الدخول إلى طرقات الموقع ستجد القبة الخضراء للمسجد النبوى الشريف، يتيمنها مؤلفات صبيح الدينية، التي أمضى كثيرا من الوقت فى تجميع معلوماتها، وإلى جوارها منتدى وسبل التواصل مع المريدين من خلال عنوان الكترونى يرسلون عليه أسئلتهم واستفساراتهم.

11 أغسطس 2004، كان موعد أول حضرة صوفية إلكترونية، و"مولانا" أو "السيد" هما لقبان يطلقهما أتباع ومريدى صبيح عليه، لما يرون فيه من علم وكرامة، فهم يرونه علما عالما، ومرجع أساسي لهم في أمور دينهم ودنياهم، فمشورته هى الخطوة الأولى قبل أي تحرك.

لا بخور، لا دفوف، لا تجمعات دائرية، فالجديد أنه يبدأ حضرته بعالم الإنترنت بقراءة الفاتحة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم مدح كل آل البيت كلا باسمه وكنيته، والإسهاب في وصف محاسن أخلاقهم وإظهار الإحترام والإجلال لهم جميعا.

ومن سلام إلى سلام آخر ولكن هذه المرة على من يحلوا في الحضرة من أرواح الطاهرة يعتقد وجودها معهم أثناء الحضرة، ولا يتم السلام حتى يلقيه على كل مشايخ الصوفية، ومن بينهم أصحاب الطرق الأبرز في عالم الصوفية وهم الشيخ الرفاعي والشاذلي والجيلاني والبدوي والدسوقي، ثم يتبعه بسلام على الأئمة الأربعة.

"مصر كنانة الله من أرادها بسوء قصمه الله"، كانت تلك افتتاحية كلمة صبيح الإسبوعية والتي كتبها في 2 فبراير2011، داعيا الله أن يحفظ مبارك، وهو ما تساءل عنه أحد مريديه مستنكرا، فرد عليه بأن كل ما يحدث قد أنبأه به رسول الله من حوالي عشرين عاما، وأكد له أنه يعلم ما لا يعلمون بإذن الله، فقد صدقت نبؤاته بخصوص كل ما يحدث لأنه مكتوب في الجفر، وهو ما أنبأ به الأولياء الصالحين منذ زمن، فقالوا إن حاكم مصر سيحتوى اسمه على حرف الـ"ع"، وكتب في أحد سطور الجفر أنه "إذا ساط السياط ونقمت الفسطاط وضبط العياط" وهو التنبؤ بالقبض على المعزول "محمد مرسى"، لما في اسمه من لقب عائلة "العياط".

لم يكتفى "صبيح" بالتنبؤ عن الأحداث السياسية، ولكنه تطرق إلى ما هو أبعد من ذلك، ففي أحد حضراته أشار إلى وجود كائنات فضائية تحوم حولنا بالفضاء الخارجى وينتظر بعضها الوقت المناسب للانقضاض علينا، مستشهدا في ذلك بحوادث تناقلتها وكالات أنباء عالمية منذ زمن بعيد وحتى اللحظات التي كتب فيها ذلك، فنقل عن الفيزيائى البريطاني "ستيفن هوكينغ" قوله أنه مقتنعا بأننا لسنا الوحيدين في الكون، فهناك حيوات أخرى في الفضاء الخارجي.

وجل ما أزعج "صبيح" أن تكون تلك المخلوقات عاقلة، فهي بذلك يمكنها شن هجوم مفاجئ على كوكبنا، مستخدمة في ذلك العديد من الطرق ومنها معادلة الفيروسات.