تعددت حالات الانتحار، وانتشرت الفكرة بين الأوساط لا سيما الشباب هروبا من واقع سيئ، أو حالة ومرض نفسي، أو اتخاذ الفكرة كوسيلة للفت الانتباه أو محاولة التخلص من مشكلة اجتماعية أو اقتصادية.
ونتوقف الآن أمام حالتين من حالات الانتحار، اختلفت أسبابهما واتفقت نهايتيهما بـ"الانتحار"، لا سيما بوجود العامل النفسي الذي يسيطر على العقل الباطن للدفع بصاحبه إلى إنهاء حياته خلال لحظات.
أسئلة عديدة تجوب في العقول، حينما نستمع لمقولة "فلان انتحر"، فما كان يخطر بـ"باله" قبيل وفاته بلحظات، وما الحوار الذي دار بينه وبين نفسه قبل اتخاذ هذا القرار وإنهاء حياته.
ويسرد مصدر أمني بمديرية أمن الجيزة، إشراف الأجهزة الأمنية بالقطاع برئاسة اللواء هشام العراقي، مساعد أول وزير الداخلية لقطاع أمن الجيزة، على كشف ملابسات حالتي انتحار، إحداهما لطالب بالثانوية العامة، والأخرى لعامل بأحد مصانع الشيكولاتة.
الحالة الأولى "محمود. ع"، طالب بالصف الثالث الثانوي، والذي لم يكمل عامه العشرين، إلا وأقبل على إنهاء حياته، وأنهى حياته فور عودته إلى منزله خوفا من الفشل، أو كما هيأ له "عقله الباطن" أن امتحان اللغة الإنجليزية سيكون حائظا بينه وبين مستقبله.
كعادته، خرج الطالب صباحا متجها إلى المدرسة لأداء امتحان مادة اللغة الإنجليزية، ويبدو من تحريات المباحث بإشراف اللواء إبراهيم الديب، مدير مباحث الجيزة، أن "محمود" فشل في الإجابة عن الامتحان، فظل يفكر خلال الامتحان داخل عقله "لو كنت رجلا لقتلتك"، حتى حانت لحظة المغادرة بكلمات من مراقب اللجنة "الوقت خلص".
غادر "محمود" مقر مدرسة الأورمان الثانوية، تدور في ذهنه أفكار الرسوب مرة أخرى في تلك المادة التي اتضح له أنها ستكون عقابا له طوال حياته، وبقلبه يقين بأنه لن يتخطى هذه المادة، وعند عودته للمنزل اتجه إلى غرفته، وخوفا من عقاب والده، خاصة أنه يعاني من حالة نفسية بسبب مشاعر داخلية بأن والده يحب أشقاءه أكثر منه، فقام بترك رسالة قبل دخوله إلى الحمام.
"والدي لا يحبني".. تلك كانت أهم كلمات رسالة الطالب الراحل، حيث ترك لوالدته رسالة بها: "والدي لا يحبني.. لا تحزني على رحيلي.. سامحيني وادعي لي"، ثم قام بالانتحار عن طريق لف ستارة "دورة المياه" حول رقبته حتى لقي حتفه.
أما الحالة الثانية، فهي لمريض "الوسواس القهري" والذي خرجت أبحاث الطب النفسي لتعلن عن أن هناك نسبا كبيرة من بين حاملي هذا المرض يعانون من أفكار الانتحار التي تتغلب على عقولهم، لا سيما بعد نجاح أغلبهم في الانتحار.
"أحمد. م"، عامل مصنع الشيكولاتة، الذي طالما قاتل "الوسواس" طوال مدة كبيرة، إلى أن اقتحمت أعماقه أفكار الانتحار، وبدأ بالفعل في تنفيذها الواحدة تلو الأخرى إلى أن باءت جميعها بالفشل، ولم ينجح في واحدة منها.
حانت النهاية، حين كشفت الأجهزة الأمنية بالجيزة، ملابسات سقوط عامل في العقد الثالث من عمره من أعلى عقار يتكون من أحد عشر طابقا، ليرقد جثة هامدة بمنتصف الشارع.
وضع "أحمد" نهاية لذلك النفق المظلم الذي طالما حاول الخروج منه إلى الحياة والطبيعة، أو الاستسلام له عن طريق الانتحار، فاتجه إلى الطابق الحادي عشر بأحد عقارات منطقة الهرم، ووقف ناظرا إلى السماء لبعض اللحظات إلى أن تقدم خطوة بعد خطوة إلى حافة "سطح العقار" وقام بإلقاء نفسه ليلقي حتفه ويسقط جثة هامدة.