فتح الفتى عينيه على صفير عالي يصدره جهاز يشبه التلفاز تتوسطه أمواج لم يرها من قبل، وأناس لا يعرف لهم اسمًا أو هوية يحيطونه من كل مكان، ظن للوهلة الأولى أنه انتقل إلى عالم آخر يذهب إليه البشر بعد الموت، لحظات وتحسس الفتى تلك الآلام التي تصدرها قدميه وتؤرق جسده كافة، ثم شعر بهمسات حانية على رأسه تشبه تمامًا التي تفعلها به أمه، الآن عرف الفتى أين هو، أنها مستشفى قصر العيني، هذا حال فارس في اللحظات الأولى بعد الحادث الذي فقد على أثره قدمه اليمنى.
«فارس أحمد كامل» طفل في الصف الثاني الإعدادي، يعشق كرة القدم ، كان دومًا ما يحلم بأن يكون لاعبًا شهيرًا، وشهد له بالمهارة منذ الصغر كل من ألقى النظر إليه وهو يلعب، شجعه والده كثيرًا ووعده بأن يشترك له في ناد رياضي في حالة حصوله على درجات مرتفعة في الصف السادس الابتدائي.
يقول أحمد كامل والد الطفل فارس: «منذ عامين، ظهرت نتيجة فارس، فذهبت إليه لأخبره وأدخل السرور قلبه بإنني سأحقق حلمه واشترك له في النادي القريب من بيتنا»، مضيفًا: «أخذت فارس خلفي على الموتوسيكل في طريقنا إلى مكان عملي ليقضي اليوم معي، وأعلى كوبري الحوامدية فقدت السيطرة على الفرامل، حاولت أن أبطأ من السرعة بالاصطدام في السور، ولكن حدث ما لم اتوقع حيث قذفنا الموتوسيكل إلى أعلى فسقطنا إلى أسفل الكوبري».
وأضاف والد فارس : « نُقلت أنا وفارس إلى مستشفى قصر العيني، كان لدي إصابات متفرقة وكسور في أجزاء جسدي، بينما فارس تعرض لكسر في قدمه اليمنى فقط، ضمدها الأطباء له بـ«الجبس» دون أن يلتفتوا إلى وجود جرح ينزف فيها، وبعد أيام لاحظت الأم وجود «غرغرينة» تخرج من الجبس، فتوجهت به مسرعة إلى المستشفى، الذين أخبروها بأنه لابد من بتر قدمه بسبب الغرغرينة الناتجة عن وضع الجبس قبل معالجة الجرح».
« لذلك حدث وأنا لا أعلم عنه شيئًا؛ لاحتجازي داخل المستشفى اتلقى العلاج، مر علي شهرين داخل المستشفى أحلم بتلك اللحظة التي أخرج فيها وأجد فارس يشد علي يدي ويساعدني بعد أن أصبحت عاجزًا فهو ابني الكبير من يتحملني غيره، ولكني وجدته هو من في حاجة إلى المساعدة، فقدمه لم تُبتر فقط بل ضاع حلمه في لعب كرة القدم»، هكذا قال والد فارس ملتفتًا إلى ابنه الجالس على سريره في حزن شديد.
وأردف أحمد كامل: «ظننت أن فارس لن يكون قادرًا على ممارسة كرة القدم بعد ذلك، ولكنه خالف ظني واعتقاد الجميع، نزل فارس إلى الشارع متحديًا كل الظروف والاعاقة التي وضعته بين أسوار الأسرة لشهور طويلة، التقط الكرة من زملائه ولعب بعكازيه أفضل من هؤلاء الأصحاء، فلم يعد فارس المعاق محل الشفقة بالنسبة لأهل منطقته الحوامدية، بل بطلًا ترفع له القبعات في المحافل الدولية».
«لم يمد أحد يده لمساعدة فارس من قبل، حتى تداول عدد من أبناء المنطقة قصته عبر فيسبوك، ليتفاعل معها لاعب نادي الزمالك المعار لنادي الاتحاد السعودي محمود كهربا، واستضافه في منزله بمصر القديمة ووعده بأن يجري له العملية ويزوده بالجهاز الذي يحتاجه ليتحرك بسهولة عقب عودته إلى السعودية» هكذا اختتم والد فارس حديثه متمنيًا أن تحنو الدولة على فارس ولو بتكريم يشجعه ويرفع من روحه المعنوية، وأن يحققوا له حلمه بالانضمام إلى النادي الأهلي، والمشاركة في بطولة الألعاب البارالمبية.