كثيرون توقعوا أن يكون فيلم (الفاجومي) الذي يصور قصة حياة الشاعر أحمد فؤاد نجم ، والشيخ إمام بمثابة (طلقة رصاص) تربط ثورات المصريين القديمة بثورتهم الأخيرة (25 يناير) وتؤرخ لتاريخ بطولة كل المصريين ، ولكن صدمتهم كانت كبيرة عندما وجدوا أنفسهم يشاهدون فيلم من عينة خلطة أفلام عادل إمام التي تركز علي مشاهد وعبارات الجنس الفاضح لدغدغة نزوات الشباب وجذبهم للشباك ، والهجوم غير المبرر علي الاسلاميين أو السلفيين وتشوية صورة أي مسلم ملتزم بأكلاشيهات تقليدية .. فهو الشخص الذي يلبس جلبابا أبيضا وله لحية كثيفة وغاضب دائما ومكفهر الوجه وغالبا يكون مجرم أو لص سابق !.
خلطة الجنس وتشوية الاسلاميين هذه ، باتت خلطة فاسدة .. علي الأقل بعد ثورة 25 يناير التي كشفت فزاعة الاسلاميين ، ومقدموها لا يهدفون لتقديم فن محترم بقدر ما يسعون لجذب الجمهور للشباك بمشاهد الجنس الفج أو تحقيق إنتصار وهمي في معارك اليساري مع التيار الاسلامي علي الشاشة الفضية بتشوية صورته .
وإذا كانت هذه الطبخة عزف عنها الجمهور ومل منها منذ زمن ، فهو قد أصيب بصدمة ودهشة عندما شاهدها تتكرر بالحرف الواحد في (الفاجومي) وتشوه ليس فقط نضال المصريين – وبينهم الاسلاميين - في ثوراتهم الشعبية المتعاقبة ضد الظلم ، بل وتشوه سيرة نجم مصري حلق بأشعاره الشعبية البسيطة في سماء الثورات المصرية المتعاقبة علي الحكام الديكتاتوريين .
صحيح أن الفيلم غير اسم شخصية الشاعر أحمد فؤاد نجم الملقّب بـ«الفاجومي»، وظهر بأسم (أدهم فؤاد نسر) ، ونعم تم تصوير الفيلم بالكامل قبل ثورة 25 يناير وبالتالي فالفكر الذي سيطر عليه هو نفس فكر الحقبة البالية السابقة والمعارك الوهمية السينمائية مع التيار الاسلامي ، ولكن لم يتصور أحد أن يتضمن الفيلم هذا الكم الهائل من الاسفاف والانحطاط الأخلاقي بتصوير مشاهد لقاءات جنسية فجة بطريقة تثير الغثيان أمام العائلات التي تشاهد الفيلم في السينما ، وبلا داع لتفاصيلها ، والأدهي أنها صورت الفاجومي علي أنه زير نساء وشوهت صورته أمام كثير ممن يحترمونه من شباب الثورة بصرف النظر عن تاريخ شبابه الطائش .
لا أحد يعلم الحكمة أو "الحبكة الدرامية" من تصوير تفاصيل عملية ممارسة الفاجومي للجنس الحرام مع سيدات ساقطات ، بل ومتزوجات خائنات في الفيلم وبطريقة مبتذلة ، وصديق الفاجومي (الذي يظهر كسلفي لاحقا !) يتفرج عليه وهو يمارس الجنس والسرير يهتز وباقي هذه التفاهات التي يحاول أصحاب هذا الفكر المريض إقناع المشاهد أنها (حبكة دراميه) !.
ما هي الحكمة من وراء حشر عبارات إباحية رخيصة في السيناريو ، يتداولها بطل الفيلم وباقي الشلة ، وتشوية السيرة التاريخية لشخصيات يحترم المصريون تاريخهم النضالي مثل الشيخ إمام ، وتصويره علي أنه باع نضاله بأموال السلطة!.
ولماذا الاصرار علي جلب خلطة أفلام عادل إمام الفاسدة وطيور الظلام ، في تصوير الشيوخ في الفيلم كمجرد لصوص سابقين للسلع التموينية وكوبونات قماش الحكومة المدعم في الستينات ، بلحاهم ولباسهم الأبيض ، وباقي الخلطة المعروف – كسخرية – عن تناول الأرز باللبن في الأفراح ، والتطرف الفكري وتعاون السلفيين مع الأمن والابلاغ عن المناضلين اليساريين !؟.
صنعة تشويه المحترمين
حسنا فعلت الكاتبة المحترمة صافيناز كاظم – زوجة الفاجومي السابقة في الفيلم والتي مثلت دورها النجمة السورية (كندة علوش) ، وظهرت في الفيلم باسم (ماهيتاب قدري) – عندما تبرأت من الفيلم وهاجمته ووصفته بانه (صنعة تشوية المحترمين) .
فبرغم أن أحمد فؤاد نجم أشاد بالفيلم وحضر تصويره ، وأكد ان الممثل خالد صالح أجاد في تأدية شخصية الشاعر وان المؤلف والمخرج عصام الشماع "قدم صورة رائعة عن زمن وتاريخ مهم في حياتنا " ، كالت الكاتبة الصحافية الكبيرة صافيناز كاظم التي كانت احدى زوجات الشاعر نجم ووالدة ابنته (نواره) هجوماً لاذعاً على الفيلم على مدونتها (لساني حصاني) .
صافيناز - المحجبة التي ظهرت شبيهتها في الفيلم غير محجبة - وصفت الفيلم بأنه "صنعة تشويه المحترمين"، وقالت انه "شيء حقير وفاجر وكاذب" ، وقالت : "لقد خسر خالد الصاوي كل ما جمعه من نجاح عن دوره في مسلسل "أهل كايرو" وظهر في هذا "القرف" "فظا بشعا" "لا يمت بأي صلة إلى شاعر نحيف كما ورقة السيجارة كبير القيمة كما أهرامات الجيزة".
وتابعت صافيناز هجومها اللاذع على الفيلم وفريق العمل قائلة: "الأمر أيضاً ينطبق إلى حد بعيد على الممثل صلاح عبد الله، الذي أدى دور الشيخ إمام، فلم ير من هذا الفنان العظيم سوى فقدان البصر ، وقالت عن الفريق الذي جمع بين ممثلي أدوار "إمام" و"نجم" في الفيلم: "ما أبشعهم من فرقة رخيصة غبية يتزعمها فاشل ينتحل التأليف بمعناه التحريف والتخريف والإخراج بمدلوله المقزز ".
ومعروف أن صافيناز كاظم تزوجت من أحمد فؤاد نجم في 24 أغسطس 1972، وأنجبا ابنتهما الوحيدة، التي ولدت إبان حرب أكتوبر 1973، وأطلقوا عليها اسم "نوارة"، قبل أن ينفصلا في يوليو 1976 .
تاريخ مصر المزور
وبرغم أن الفيلم بدأ التفكير في إعداده قبل 10 سنوات بحسب منتجه ، كما أنه حاول اللحاق بقطار ثورة 25 يناير السريع بمجرد مشاهد لا تتجاوز الثلاث دقائق لمظاهرات التحرير وصور الشهداء ، ,اقتصر علي تناول للسيرة الذاتية لفؤاد نجم، خلال فترة الستينيات مرورا بنكسة يونيو 1967 وحتى انتفاضة 18 , 19 يناير 1977 التى أطلق عليها الرئيس السادات "انتفاضة الحرامية" ، فهو حتي في هذا الجانب زور التاريخ المصري .
فلم يظهر الفيلم اي قوي سياسية في الشارع المصري سوي التيار اليساري الشيوعي في صورة زملاء الفاجومي والشيخ إمام داخل السجون وخارجها ، وتجاهل تماما أي قوي سياسية أخري وفدية أو إسلامية أو حزبية ، وعندما تطرق للاسلاميين لم يظهر سوي الجانب السطحي الذي يراه الفكر اليساري فيهم كمتطرفين يلبسون الجلابيب البيضاء وهم من اللصوص السابقين ، في حين أن هذا فيلم يفترض أنه جماهيري يؤرخ لفترة تاريخية ولا يجوز أقصاء أي قوة سياسية منه ، وهو نفس الخطأ الذي وقع فيه مسلسل (ليالي الحلمية) حينما تجاهل تماما جماعة الاخوان المسلمين وأبرز القوي اليسارية في المسلسل برغم أن مقرهم العام كان في الحلمية نفسها حينئذ !!.
لم يشوه الفيلم صورة الشاعر نجم (الفاجومي) حينما أظهره كشخص غامض على الشاشة، يجتمع فيه النضال مع النساء والحشيش والشعر والسجن ، ولا شوه صورة (الثوريين) بإظهارهم كنماذج لا أخلاق لها يدنسون حرمة بيوت جيرانهم ويزنون مع جيرانهن المتزوجات أو الساقطات ، أو يسرقون اقوات الشعب وضمائرهم غير راضية (!) ، ولكنه شوه صورة وتاريخ ثورة 25 يناير حينما ربط بينها في نهاية الفيلم ، وبين كل هذا الغثاء الذي شاهدناه في الفيلم من دون رابط .
شوه الفيلم نقاء وطهارة وبراءة وأخلاق ثورة 25 يناير حينما حاول الزعم أن مقدمات هذا الفيلم الضعيف تنبأت بهذه الثورة العظيمة لشعب مصر كله ، لا اليساريين وحدهم ، وكان أشبه بقراءة في كتاب يساري لا يستطيع أي مشاهد عادي أن يفهمه ، فحتي الأحداث التي تطرق لها مثل قرية كمشيش الشهيرة وأغنية (جيفارا مات) جاءت بدون أي مقدمات كأن المؤلف يتصور أن جيل الثورة الحالي يعرف (كمشيش) أو قرأ قصة الفاجومي وأحضر معه الكتاب ليطابقه علي الفيلم !.
أما الشيخ إمام واسمه الحقيقي إمام محمد أحمد عيسى (2 يوليو 1918 - 7 يونيو 1995)، ثنائي الفاجومي في الفيلم ، فظهر في صورة سلبية للغاية لا تمت لتاريخه وأغانيه التي زلزلت الحكم وادت لسجنه مع الفاجومي بصله ، برغم أنه قضى طفولته في حفظ القرآن الكريم وغني أغاني وطنية ساخره ، ولم يظهر في الفيلم سوي أنه أعمي مسخرة يتقلب مع الأحداث !
"إمام" صاحب الأغاني الشهيرة: (شرفت يانيكسون بابا يابتاع الووتر جيت) و(مادام جنابه والحاشيه بكروش وكتار) و(صباح الخير على الورد اللي فتح في جناين مصر) وغيرها .. أختصره الفيلم في شيخ عابث ساخر مستعد أن يبيع نفسه للسلطة مقابل فلوس الغناء في الاذاعة !
أسوأ ما في (الفاجومي) الفيلم – بصرف النظر عن أداء بعض نجومه الجيد - أنه أول فيلم يحاول أن يتسلق ظهر ثورة 25 يناير ، فخدشها قصدا بعدما حاول التمسح بها ، ولكن رب ضارة نافعة ، فقد يكون هذا جرس إنذار للمؤلفين والكتاب خصوصا "المؤدلجين" .. لا تشوهوا صورة الثورات الشعبية المصرية وتنسبوها لفصيل دون أخر ، وتشوهوا نبلها وأخلاقها الرفيعة ونضال كل الشعب المصري وتختطفوه لصالح فصيل يساري أو حتي يميني واحد فهذا نضال شعب بأكمله شئنا أم أبينا !
اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية
الفاجومي .. خلطة الجنس والسلفيين المسمومة !