فيما تعززت السياسات الداعمة لتوظيف الخليجيين، زادت التوقعات بتراجع عروض العمل في دول الخليج للأجانب مقارنة بالسنوات الأخيرة بسبب خفض الانفاق الحكومي والاستثماري.
ولعل أبرز المؤشرات على ذلك تراجع معدل عدد العمالة المصرية في هذه الدول الى النصف، فيما تراجع عدد الوافدين من الدول الآسيوية وفق استطلاع سابق أجرته صحيفة «فاينانشيال تريبون»، فضلاً عن انخفاض حجم التحويلات المالية للوافدين من الدول الخليجية الذي أعلن عنه البنك الدولي أخيراً.
وميدانيا نحو أكثر من نصف سكان الخليج نشطون ويزاولون أعمالاً، حيث ناهزت نسبة التشغيل في دول الخليج لإجمالي السكان ما فوق 15 سنة، بمتوسط 67.5 في المئة خلال 2016، وزادت نسبة التشغيل في أغلب هذه الدول مقارنة بالتسعينات، حيث بلغت نسبة التشغيل في الكويت نحو 67 في المئة، فيما وصلت في قطر إلى 84 في المئة و77 في المئة في الامارات، و68 في المئة في البحرين، و57 في المئة في عمان، و52 في المئة في السعودية.
إلا أن نسب التشغيل في الدول الخليجية التي تعتبر الأفضل عربياً ومن بين الأفضل عالمياً، قد تتراجع وتيرتها بسبب تحديات كثيرة مرتبطة بتوقعات مختلقة بتراجعات النمو لبعض اقتصادات دول المنطقة بسبب انخفاضات أسعار النفط، وحسب دراسات سابقة فقد بلغت نسبة البطالة بين الخليجيين متوسط 5.2 في المئة، والكويت (4.7 في المئة)، وان لم يتسارع نمو الاقتصاد غير النفطي فقد تزيد هذه النسب.
وقبل أيام ألمح مسؤولون في صندوق النقد الدولي صراحة عن وتيرة النمو وخلق الوظائف في دول الخليج في ظل عدم استقرار ايرادات النفط، إذ يبدو أن فرص العمل في دول الشرق الأوسط بما فيها البلدان الخليجية حسب ترجيحاتهم ستكون قليلة أكثر من السابق في المدى القريب والمتوسط فيما ستكون منخفضة جداً في بقية الدول العربية في الفترة نفسها جراء تضخم مشكلة الديون.
وقد كشف كل من مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، جهاد أزعور، وكبير موظفي الاتصال، وفا عمرو، خلال مداخلة منشورة في تقرير مقتضب على موقع النقد الدولي أن توقعات النمو على المدى المتوسط ​​بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينا) منخفضة جداً لكي توفر فـــرص عمــــل كافيــــة أو تحسناً في مستويات المعيشة.
ووفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي، يحتاج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى خلق 75 مليون وظيفة بحلول 2020 لمجرد الحفاظ على فرص العمل قريبة من المستويات الحالية، وقد يؤدي عدم القيام بذلك إلى بطء النمو الاقتصادي ونوع من الاضطرابات الاجتماعية الناجمة على غرار احتجاجات الربيع العربي لعام 2011. وارتفعت نسبة البطالة في العالم العربي إلى نحو 16 في المئة أي بواقع نحو 20 مليون عاطلاً وعاطلة عن العمل رسميا فيما ان الأرقام قد تكون أكثر اذا نظرنا البطالة المقنعة أو مزوالة الأعمال الوقتية ليست الثابتة فضلاً عن نظام العمل نظير المكافأة فقط. وحول تحديات التوظيف في المستقبل فقد شدّد تقرير النقد الدولي على أن تراجع الوظائف سيشمل خصوصاً الدول العربية المستوردة للنفط أكثر من غيرها المصدرة ، مشيراً إلى أن الدول العربية المستوردة بصدد تحمل مستويات مرتفعة من الديون، لافتاً أيضا إلى أن كل الدول العربية النفطية وغير النفطية بحاجة لاقرار توجهين حاسمين في مجال السياسات الاقتصادية، الأول يتعلق بضبط أوضاع المالية العامة والثاني بتنفيذ إصلاحات هيكلية.
وأكد كل من أزعور وعمرو أنه رغم التوقعات بتسارع النمو غير النفطي لمصدري النفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أن قرار الدول النفطية وعلى رأسها البلدان الخليجية بخفض الإنتاج عقب اتفاق منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) يقلّل من نموها.
ويحتاج انخفاض النمو بسبب تراجعات أسعار النفط وفق صندوق النقد الدولي لضبط أوضاع المالية العامة، تشجيع تدابير السياسة القوية التي اعتمدتها دول مجلس التعاون الخليجي مثل خطط ضريبة القيمة المضافة وتبسيط الإنفاق الجاري وإصلاح دعم الطاقة، مشيرا إلى أن ضبط أوضاع المالية العامة والإصلاحات المالية ستظل أولوية مستمرة في جميع أنحاء المنطقة. وشجع النقد الدولي على إعطاء الأولوية للإنفاق الإنتاجي في مجالات مثل التعليم والتكنولوجيا والابتكار والرعاية الصحية، واقترح تخفيض الإعفاءات وتوسيع القاعدة الضريبية للمساعدة على جعل الإصلاحات أكثر إنصافاً وأكثر شمولاً.
ولفت مسوؤلو النقد الدولي إلى أن المنطقة بحاجة إلى إصلاحات تُنوع الاقتصادات وتُحفز النمو الذي يقوده القطاع الخاص وتعزز القدرة التنافسية والإنتاجية، وبالنسبة للبلدان التي وضعت بالفعل خططاً لذلك، فيجب عليها التركيز على تنفيذها.
وستكون هذه الإصلاحات ضرورية لتوليد الوظائف التي يحتاجها الملايين من الباحثين الجدد عن عمل حيث من المتوقع أن يدخلوا ضمن القوة العاملة خلال السنوات الخمس المقبلة.