قالت صحيفة العرب اللندنية، إن علامات استفهام كثيرة ومحيرة تظهر بشأن الغرض من توجيه أصابع الاتهام للقاهرة من قبل الرئيس السوداني عمر البشير الآن، لا سيما أنه أُستقبل في مصر بحفاوة بالغة في أكتوبر الماضي وتم تقليده وسام الشرف الرفيع من جانب نظيره المصري عبدالفتاح السيسي، مكافأة لبعض خدماته المستترة، لذلك يمكن القول إن المسألة تنطوي على أغراض سياسية، أراد من ورائها الإيحاء بأن علاقته مع مصر ليست طيبة.
وأضافت الصحيفة خلال تقريرا لها، أن الرسائل الكامنة خلف فتح البشير جرح حلايب وشلاتين، كانت موجهة إلى أنصاره ومؤيديه في الداخل، وبأنه لن يتخلى عن هذا المثلث، مهما كانت علاقته مع السيسي.
والغريب أن أحدا في السودان لم يتحدث عن مصرية المثلث في أوج العلاقات بين القاهرة والخرطوم دفئا، وفي أحسن الأحوال كان يتم تجاهله وغض الطرف عن التطرق إليه، وحتى الإجراء الذي اتخذه السودان منذ سنوات بعرض الملف على مجلس الأمن الدولي يتم تجديده تلقائيا دون العمل على مناقشته بجدية.
النقطة المهمة في هذا السياق تكمن في نكء ملف حلايب وشلاتين، في محاولة لإحراج القاهرة والرد عليها عقب التلميح في بعض وسائل الإعلام المصرية قبل أيام بأن السودان لا يزال يدعم جماعة الإخوان المسلمين، ويوفر لها ملاذا آمنا، ويقيم معسكرات تدريب للعشرات من شبابها في أراضيه، وقام بإيواء عدد منهم وإلحاق بعضهم بجامعات سودانية، وكأن البشير يريد القول إن لديه أوراقا فتحها في هذا التوقيت يمكن أن تزعج القاهرة.
وتابعت: أما كلامه عن دعم المخابرات المصرية لمعارضيه، فهو يريد منه تشويه قياداتها، في مقدمتهم الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي، الذي عاد إلى الخرطوم مؤخرا، وينوي ممارسة أنشطة متعددة ضد البشير، وبالتالي أراد أن يفقده جانبا من مصداقيته، باعتباره جاء “متآمرا” وبالتنسيق والتعاون مع الأمن المصري، ليقوم بمناكفة نظام البشير.
وقالت الصحيفة: الواقع أن الرئيس السوداني بدأ يشعر بالتضخم السياسي منذ لقي موقفه السلبي من إيران ردود فعل خليجية، وتلقيه وعودا بالمزيد من الدعم الاقتصادي، وبعد أن أعلنت الإدارة الأميركية السابقة، وقبل أيام قليلة من رحيلها عن البيت الأبيض، عزمها رفع العقوبات عن بلاده في غضون ستة أشهر، بعد نحو عشرين عاما من فرضها.
وأصبح النظام في الخرطوم يعتقد أنه سوف يكون “رأس حربة جديدة”، وربما تتم تهيئته للقيام بدور إقليمي، والاعتماد عليه خلال المرحلة المقبلة، وسوف يكون قادرا على إزعاج بعض القوى التقليدية، ولديه من الشراسة ما يؤهله للتعاون في ملف الإرهاب للوثوق فيه، عندما قام بطرد زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن من السودان، وسلم “الإرهابي” المطلوب كارلوس لفرنسا.
لكن فات البشير أن بلاده على فوهة بركان طائفي وعرقي واقتصادي، ويواجه حروبا في عدد من الأقاليم، ووحدة بلاده التاريخية على المحك؛ فانفصال جنوب السودان لم يجلب لنظامه الاستقرار، بل فتح عليه أبوابا كانت موصدة. وجعل الكثير من قوى المعارضة المسلحة تطمح في تكرار تجربة جنوب السودان.
كما أن المعارضة السياسية لم تتوقف عن مواجهته، وتستغل الانتهاكات التي يقوم بها في مجال الحريات وحقوق الإنسان لتثبيت إدانته دوليا، وأصبح مطلوبا من قبل المحكمة الجنائية الدولية، التي تتلكأ في القبض عليه لاعتبارات تتعلق بتوازنات القوى الدولية وحساباتها المعقدة.