أثار النقاش والخطط النيابية الرامية إلى تعديل التركيبة السكانية عبر ترحيل الوافدين وتقليص أعدادهم تارة، وفرض الضرائب والرسوم عليهم تارة أخرى، الكثير من الجدل بين الأوساط والنخب الكويتية نفسها.
وعادة ما يطفو ويخبو الكلام حول عدم توازن التركيبة السكانية، وضرورة تقنين الوافدين، لكن وهج هذا الحديث خلال الأيام الماضية كان الأوسع لأكثر من اعتبار، أولها الأرقام الأخيرة التي نشرت بخصوص نسبة الكويتيين إلى الوافدين، والتي أظهرت أن المواطنين باتوا يمثلون نحو ثلث السكان، علاوة على أن من الخطاب العنصري الذي يميز الحملة هذه المرة يأتي من النواب، ما اعطى التحركات المثارة زخماً إضافياً.
ولعل السؤال الأبرز، هل من الأفضل للكويت أن تنفذ تلك الخطة بشكل مدروس وتدريجي وغير متسرع لتفادي تهجير الكفاءات الوافدة، أم عليها البدء فورا في تنفيذ حملة تحجيم العمالة الوافدة في الوقت الذي قد يكون فيه غالبية الكويتيين غير قادرين أو راغبين في ملء الفراغ الناجم؟
وفي هذا السياق، قالت مصادر مصرفية مسؤولة لـ «الراي» إن أحداً لا يستطيع أن ينكر وجود خلل في التركيبة السكانية، وان العلاج يتطلب إعادة هيكلة لتركيبة سكانها الوافدين، لكن ما يثيره بعض النواب من حلول مجرد عبث، القصد منه دغدغة المشاعر سياسيا.
ولفتت المصادر إلى أن الطريقة التي يتحدث بها بعض النواب حول كيفية التعامل المفترضة مع الوافدين من شأنها أن تؤذي الدولة نفسها حال تبنيها التوصيات المطروحة، كما انها لا تحمل أي حلول علاجية فعالة سوى البلبلة، وإثارة الذعر بين الوافدين، وفي مقدمهم الإكفاء المهرة.
وتساءلت، هل الوافدون جاؤوا إلى الكويت غصباً حتى يخرجوا منها غصباً؟ وهل هم محتلون لأرضنا؟ وهل وضعوا المسدسات فوق رؤوسنا حتى نقبل بدخولهم؟ بالطبع لا، فهم قدموا إلى الكويت بدعوة كريمة من الحكومة والشعب«من خلال مواطنيها من أصحاب الأعمال المسجلة»، ومن ثم إذا كنا لم نعد نرغب في وجودهم، فعلينا الاستغناء عنهم، لكن ليس بهذه الطريقة السهلة التي يتبناها بعض السياسيين لهدف سياسي يسعون إلى تمريره في لحظة عاطفية، بدأها نائب وكررها الكثير من زملائه قاصدين الاستفادة السياسية.
وأضافت»نعم هناك خلل في التركيبة السكانية ويحتاج إلى علاج، لكن هذا النمط التفكيري لبعض النواب لا يمثل الإصلاح وينبغي أن يتغير، وإلا فإن خطة إعادة هيكلة التركيبة السكانية لن تنجح، وان تم تنفيذها بهذا النفس فستكون لها تأثيرات عكسية على سوق العمل، خصوصا أنها تخالف الحقيقة الساطعة التي يتم تجاهلها باستمرار، وهي أن تجارة الإقامات التي اغتنى منها البعض، وعدم تطوير قدرات الكويتيين بشكل يقابل تغطية أي فراغ يمكن أن ينشأ في حال غياب الوافدين من أهم أسباب خلل التركيبة السكانية.
من ناحيته، قال الخبير الاقتصادي علي رشيد البدر «بشكل عام لا يجوز في أي دولة زيادة أعداد الوافدين إلى المواطنين عن نسبة معينة حفاظا على الأمن القومي لهذه البلد»، لكنه اعتبر أن ما أثار إشكالية التركيبة السكانية أكثر في الفترة الماضية الأرقام المنشورة أخيراً.
ورأى البدر أن السبب الرئيس في هذه الزيادة، الإفراط في بناء المدن العقارية والضواحي والمكاتب والمباني الحكومية التي بنيت وتحتاج إلى خدم وحشم لأعمال صيانتها وتغطية وخدماتها، ما أدى إلى زيادة أعداد الأيدي العاملة غير الماهرة في السنوات الخمس الماضية.
وأضاف «في الدول الأوروبية يوجد لكل عشرة منازل خادمة واحدة لكن في الكويت هناك ما بين اثنتين وثلاثة كمتوسط لكل بيت، وهنا تبرز الإشكالية الحقيقية، حيث تنامت الحاجة الإضافية لأعمال صيانة والخدمات سواء في البيوت أو بالطرق وجميعها أعمال لا يقوم بها الكويتي».
واعتبر البدر أن سياسة الحكومة في تعيين الكويتيين في جهازها، وتقديم دعم العمالة خاطئة، وأدت إلى تكدس الكويتيين في القطاع الحكومي، مبينا أن هذا السلوك أسهم في زيادة تفضيل المواطنين للعمل في القطاع العام.
ودعا البدر الحكومة إلى إعادة النظر في سياسة الرواتب والتوظيف وفي ثقافة التعيينات، علاوة على العمل على تقليل أعداد الوافدين حفاظا على الأمن القومي، ولتخفيف الأعباء المالية، وان ذلك يتعين أن يتحقق من خلال تقنين أذونات العمل الصادرة وفرض رسوم على المهن التي يمكن الاستغناء عنها أو التي لها بديل، وهذا لا ينسحب على المهن التي لا يمكن الاستغناء عنها، مع وقف تعيين الوافدين بالقطاع الحكومي، إضافة إلى زيادة تكلفة العمالة الأجنبية على القطاع الخاص للتحول إلى الكويتيين، والأهم رفع كفاءة الموظف الكويتي من خلال إعادة تدريبه وتشجيعه على العمل بالقطاع الخاص.