منذ ما يقرب من 150 سنة وفي عام 1882م وقت دخول الاحتلال الإنجليزي مصر، أعلنت السماء عن غضبها في مصر وبلاد الشام «فلسطين وسوريا ولبنان»، لتشهد مصر أمطارا عنيفة وكسوف كلى للشمس، وهذا ما تم رصده في أعداد مجلة المقتطف شهري أبريل ومايو، وهو الكسوف الذي اضطر قوات الاحتلال بمصر لدعوة كافة العلماء من أوروبا «فرنسا وإيطاليا» لرصده بالصور الفوتوغرافية قبل ارتحاله لصحراء العرب والعراق وإيران.

وفى وقت نزول الأمطار العنيفة وظاهرة الكسوف التي أرتبطت بالظلام فى وضح النهار، ربط المناضلون والمعارضون للتدخل الأجنبي في مصر بينه وبين الأمطار بأنها غضب علنى من السماء ضد الإنجليز، وضد من دعا لهم بدخول البلاد لحمايته، وهو الخديو توفيق وبطانته من الأجانب والقناصل ورجال الحاشية المنتفعين، فيما ردد بعض المصريين لرؤيتهم بالثلوج بأنها "ريش الملائكة".

قبل سقوط الأمطار بعامين وفي عام 1880م شهدت الولايات المتحدة الأمريكية جفافا كبيرا، وسخرت الصحف والمجلات التي كانت تصدر في بلاد الشام مثل مجلة المقتطف قبل انتقالها لمصر بسنوات عديدة من حكاية الأمريكي الذي أراد اصطناع الاستمطار باضطرام النيران في الحطب وباستخدام البارود.

وأكدت المقتطف، أن الأمريكي الذي يؤمن أن البارود واشتعال الحطب سيؤدي إلي نزول الأمطار لا يدري أن الحروب وتفجير البارود ليس سببا كافيا لنزول المطر شارحة الأسباب العلمية لتكوين الأمطار، كما استغربت المقتطف من أمريكي آخر يدعو "بيل"، قام ببناء أبراج شاهقة ومواسير أراد حبس الهواء فيها كي ينزل المطر، مؤكدة بصيغة علمية جازمة أن هذا الزعم فاسد لأن صاحبه لن يقدر علي إشباع الهواء رطوبة حتي يمطر ثانية.

المدهش أن البلاد العربية في بلاد الشام لم تعان مثل أمريكا من الجفاف واحتباس الأمطار في عام 1880م، فقد نشرت المقتطف بيانات المرصد الفلكي في بلاد الشام، الذي أكد أن مقدار المطر الذي نزل يساوي 2012 قيراطا في شهر ابريل، بينما وصل هذا العام لنحو 4006 قيراطا، فيما أكدت في أعداد آخري أن كمية نزول الأمطار في بلاد الشام في عام 1881م قدرت بنحو 600 قيراط ،فيما بلغت الأمطار التي سقطت في عام 1882م بنحو 97و22 قيراط ،كما تم رصد مقدار الأمطار في القدس العربية قبل سقوطها تحت براثن العصابات الصهيونية بعشرات السنين، حيث قدرت الأمطار بالقيراط أيضا، وهو القياس الذي كانت تعتمد عليه المقتطف التي كانت مجبره علي رصد كمية الأمطار لاهتمامها بالجانب الزراعي والجغرافي للبلاد العربية ولبلاد الشام وبالمراعي، التي كانت تقطن فيها القبائل العربية، التي كانت ترتحل إليها بحثا عن العشب من أجل الماشية.

المقتطف رصدت كارثة الأمطار في مصر في عام دخول الاحتلال الانجليزي لمصر، وهو وقت نزول الأمطار الكثيفة في بلاد الشام أيضا وفتحت صفحاتها رصدت الكارثة التي حلت بمصر وخاصة أحداث الإسكندرية التي أغرقتها الأمطار، وقيام الأهالي بالتغلب علي الأمطار باستخدام الأواني الفخارية والنحاسية دون جدوى، وهو مارصده مراسل جريدة الأهرام الذي حذر من سقوط منازل الفقراء جراء الأمطار الكثيفة، داعيا الله أن يقي البلاد والعباد من الضرر.

قال مراسل الأهرام، وهو يصف حال سقوط الأمطار في الإسكندرية والقاهرة "هطل الغيث مدرارا ولم تزل سماؤنا معكرة وقد انقع الجولان وتري طريق الأزبكية وقد غمرها المياه إلي الرصيفين وزاد الوحل في السكك، ويقال أن بيوت الفقراء يخشي عليها من السقوط إذا لم يستعد أصحابها لاقتبال الأمطار بهذه الأواني".

لم تكن مصر تتعرض لكارثة الأمطار فقط التي شردت العشرات من أهالي مصر في شهر أبريل، فقد كانت تتعرض لظاهرة فلكية وهو الكسوف الكلي للشمس الذي جاء في شهر مايو، حيث شاهد المصريون ظلام الشمس في وضح النهار، بعد أن كانوا شاهدوا الظلام جراء تكاثف الغيوم السوداء في السماء وهطول الأمطار الكثيفة.

بعد نزول الأمطار في المنطقة، رصدت المقتطف كسوف الشمس، حيث أكدت أن الكسوف في بيروت سيكون جزئيا، ولكنه مهم رصده، أما في في مصر سيكون كسوفا كليا، لافتة أن ملت جنرال دولة انجلترا أكد أنهم رصدوا الكسوف الكلي للشمس في مصر الشهر الماضي، وان الانجليز والفرنساوية والايطاليين رصدوا الكسوف رصدا جيدا، فاكتشفوا نجما ذو ذنب بالقرب من الشمس، واكتشفوا كره هوائية بالقرب من القمر وصوروا الأكاليل عدة صور.

يؤكد مراسل الأهرام وقتها، "ذكرنا استعداد بعض الأوروبيين في مصر لرصد الكسوف الكلي الذي يحدث الشهر القابل"المقبل"، وعلمنا أن الكسوف لن يمكث سوا دقيقة و12 ثانية عند الساعة 8 علي معدل دوران الساعة علي قطرنا قبل ظهور 17 مايو القادم، وهو يقطع الخط النيلي علي مقربة واحدة شمال الأقصر عند المنطقة التي رصد فيها كوكب الزهرة سنة 1874م، ثم ينتقل بعدها إلي صحراء العرب إلي ما يجاور بغداد وطهران، وسيلبث في العاصمة الإيرانية نحو دقيقة 43 ثانية، وسيري في جهات مرو، ولكنه كلما تقدم في الشرق اخذ في التناقص فلا يري في الجهات الصينية إلا كسوفا جزئيا".

وكانت مصر قد تعرضت منذ اسبوعين لموججات عنيفة من الأمطار والتى تحولت إلى سيول فى جنوب البلاد، مما ادت إلى سقوط فى الأرواح والبيوت، وغرق عدد كبير من الأراضى الزراعية، بعد أن فشلت السدود وامخرات التى انشاتها الدولة مؤخرا تحسبا لمثل تلك الكوارث.