تبدي وسائل الإعلام العالمية في الفترة الأخيرة اهتمام متزايدا بأحداث العنف الفظيعة الجارية في مقاطعة راخين (أراكان) في غرب ميانمار (بورما) التي يقطنها مسلمو الروهينجا.
ويعتبر مسلمو روهيجينا - "الشعب الأكثر تعرضا للاضطهاد في العالم" .
قبل شهرين بدأ الجيش البورمي عملية تطهير هناك تسببت بنزوح أكثر من 20 ألف شخص فروا إلى بنغلادش. وتتهم منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، سلطات وجيش ميانمار بتنفيذ إبادة جماعية وجرائم حرب ضد مسلمي الروهينغا وتدعو لوقف التطهير العرقي والسماح للمسلمين بأن يعيشوا في سلام على أرضهم.
وفي الـ9 أكتوبر/تشرين الأول عبر 300 رجل مسلحين بالسكاكين والسواطير، الحدود بين ميانمار وبنغلاديش وهاجموا ثلاثة مراكز حدودية بورمية وذبحوا 9 من حرس الحدود وسرقوا كميات كبيرة من الأسلحة النارية والذخيرة. و بعد ذلك بيومين قتل أربعة جنود في ميانمار في كمين مسلح. وأعلنت جماعة تدعى "حركة الإيمان في أراكان" مسؤوليتها عن الهجمات.
وردا على ذلك، أعلنت السلطات البورمية إنشاء ميليشيا من البوذيين المحليين وبدأت بتنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق وهو ما تسبب بتدفق عشرات الآلاف من اللاجئين عبر الحدود الذين تحدثوا عن وقوع جرائم تقشعر لها الأبدان: فالقوات البورمية والميليشيات الموالية لها تقتل المدنيين المسلمين وتغتصب النساء بشكل جماعي وتحرق بيوتهم وقراهم بقسوة لم يسبق لها مثيل وعلى مرأى ومسمع من العالم. ووصفت الأمم المتحدة ما جرى بالتطهير العرقي . لكن السلطات تنكر كل ذلك وتقول إنها تتصدى لمهاجرين غير شرعيين غمروا غرب البلاد و تزعم أنه مع حلول 15 نوفمبر/ تشرين الثاني أسفرت العملية العسكرية عن مقتل 134 شخصا من بينهم 102 من المسلحين و32 من قوات الأمن البورمية وقبض على 234 شخصا من المسلمين.
ويقول مسلمو روهينجيا إنهم يقيمون منذ وقت طويل في ولاية راخين. وفي فترة سابقة كانت توجد في الولاية دولة تحت اسم " مياو- أو" وقد تأثرت بشدة بإقليم البنغال المجاور المسلم. ولكن الجزء الأكبر من مسلمي روهينجيا دخلوا أراكان قبل 150 عاما عندما كانت بورما تابعة للهند البريطانية وهو أمر كان مألوفا في تلك الفترة حيث كانت تجري عمليات هجرة داخلية من منطقة إلى أخرى بحثا عن العمل. بالإضافة لذلك قدم الكثير من اللاجئين إلى الأراضي البورمية في عام 1971 هربا من الفظائع التي ارتكبها الجيش الباكستاني. ونتيجة لذلك بات عدد المسلمين الموجودين في ميانمار أكثر من 800 ألف شخص يعيش معظمهم في ولاية راخين ويقيم في نفس الولاية عدد مشابه من السكان الأصليين – روهينجيا البوذيين. وبعد اندلاع النزاع بين المسلمين والبوذيين في المنطقة المذكورة وقفت السلطات الرسمية بدون تردد إلى جانب البوذيين. ويرى الخبراء أن أسباب الصراع – ديموغرافية واقتصادية في المقام الأول – أعداد المسلمين تزداد باستمرار بسبب التكاثر والنزوح من بنغلادش وهو ما يجعلهم يصطدمون بالسكان البوذيين عند البحث عن الأرض ومصدر الرزق.
يذكر أنه في عام 1946، عندما جرى الحديث عن تقسيم الهند، التقى قادة روهينجيا مع مؤسس باكستان محمد علي جناح، وعرضوا عليه إدراج منطقتهم في الدولة الإسلامية المقبلة ولكن السلطات المحلية تصدت لهذه المحاولة الانفصالية وهو ما دفع السكان المسلمين للجوء إلى الجهاد واعتماد الدفاع المسلح ضد الجيش والموظفين. وفي عام 1848 أعلنت سلطات بورما حالة الطوارئ في المنطقة بشكل رسمي وأجبرت المسلحين على اللجوء إلى مناطق الإدغال على الحدود مع باكستان الشرقية ( بنغلاديش حاليا) واستمرت حرب الكر والفر بين الجانبين. وفي الفترة الأخيرة ارتبط مسلحو مسلمي روهينجيا بالجماعات الإسلامية المتشددة في باكستان وأفغانستان وماليزيا.
وتتهم السلطات البورمية مسلمي روهينجيا بعدم الرغبة في الاندماج سلميا في المجتمع والعيش في سلام كما يعيش في ميانمار غيرهم من المسلمين. ولكن مسلمي روهينجيا يؤكدون على أنهم عانوا لسنوات طويلة من الحرمان من الحقوق: حظر دخول الجيش والخدمة المدنية، ومنعهم من الحصول على التعليم والحقوق الأخرى لانهم لا يتمتعون بالجنسية بالإضافة إلى العداء المسبق تجاههم من جانب قوات الأمن في بورما وفرض القيود على هجرتهم. كل هذا يخلق أرضا خصبة لنمو التطرف.
واللافت لنظر أن العملية العسكرية الحالية ضد مسلمي روهينجيا تجري بمباركة السيدة أونغ سان سو كي حاملة جائزة نوبل للسلام التي تشغل حاليا منصب المستشار الحكومي في الدولة ( لديها صلاحيات رئيس الحكومة) وهي التي كانت مضطهدة من قبل الجيش وقبعت في السجن وناضلت البشرية المتقدمة بأسرها من أجل الإفراج عنها.
ويقول المختص الروسي في الشؤون البورمية بيوتر كوزنا إن السيدة أونغ سان سوكي تحاول المناورة في هذا الموضوع ولكن جمهور الناخبين المؤيدين لها من القوميين البورميين المتعصبين الذين يكنون العداء والكراهية العمياء تجاه مسلمي روهينجيا وهو ما يجبر السيدة المذكورة على التمسك بالموقف المتشدد تجاه هذه الجماعة.