«لا تكذبي.. إني رأيتكما معا.. ودعي البكاء... فقد كرهت الأدمعا.. ما أهون الدمع الجسور إذا جرى من عين كاذبة فأنكر وادعى»، كلمات عبرت بصدق عن الخيانة والصدمة، واعتبرها الكثيرون من أكثر القصائد تعبيرا عن ذلك المعنى، ووصفا لتلك المشاعر. 

وصدق تلك القصيدة لم ينبع من فراغ، بل كان ناتجا عن مأساة شاعر عظيم، أحب بصدق وجنون وطيش مطربة شابة وقتها، وصنع لنفسه عالما خاصا، نسج خيوطه وحده، فتخيلها تبادله نفس الشعور، وتخيلها تخونه في لحظات، وعاش معها قصة حب كاملة؛ لكنها كانت من طرف واحد، وذلك الشاعر هو كامل الشناوي، الذي تحل غدا ذكرى رحيله، بعد أن أدمت المطربة نجاة الصغيرة قلبه، وقتلته، بحسب روايات المقربين منه، وإن كانت لم تقصد ذلك يوما، وفي ذكرى رحيله نتعرف على قصة حب كامل، وكيف قتلته نجاة دون قصد منها، ودفعته للتردد على المقابر، بحسب رواية صديقه الصحفي الراحل مصطفى أمين. 

بطلة قصة حب كامل الشناوى قيل إنها المطربة المصرية نجاة الصغيرة، التي ساهم في تلميعها، وقدم لها أجمل القصائد في مشوارها، ولم يبخل عليها بشيء من إبداعه، ولكنها فضلت عليه الأديب المصري الراحل يوسف إدريس.

وعن قصة حب الشناوي الأليمة قال صديقه الصحفي الراحل مصطفى أمين، في كتابه الشهير: "شخصيات لا تنسى": "عشت مع كامل الشناوي حبه الكبير، وهو الحب الذي أبكاه وأضناه وحطمه وقتله في آخر الأمر، أعطى كامل لهذه المرأة كل شيء؛ المجد والشهرة والشعر، ولم تعطه شيئا. أحبها فخدعته، أخلص لها فخانته، جعلها ملكة فجعلته أضحوكة.

مصطفى أمين كشف في كتابه أيضا أن القصيدة الشهيرة «لا تكذبي» التي نجحت نجاحا كبيرا، بصوت نجاة الصغيرة، كتبها الشاعر الراحل من وحي قصة حبه، وكان يحدث فيها حبيبته التي عشقها من طرف واحد.

ووصف مصطفى أمين مشاعر الشناوي أثناء كتابة هذه القصيدة، قائلا: "كتب القصيدة في غرفة مكتبي بشقتي في الزمالك، وهى قصيدة ليس فيها مبالغة أو خيال، وكان كامل ينظمها وهو يبكي، كانت دموعه تختلط بالكلمات فتطمسها، وكان يتأوه كرجل ينزف منه الروم العزيز وهو ينظم وبعد أن انتهى من نظمها، قال: إنه يريد أن يقرأ القصيدة على المطربة بالتليفون".

ووصف مصطفى مكالمة كامل الشناوي لنجاة قائلا: بدأ كامل يلقي القصيدة بصوت منتحب خافت، تتخلله الزفرات والعبرات والتنهدات والآهات، مما كان يقطع القلوب، وكانت المطربة صامته لا تقول شيئا، وبعد أن انتهى كامل من إلقاء القصيدة، قالت المطربة: كويسة قوي، تنفع أغنية، لازم أغنيها.

الشاعر الرقيق لم ييأس من حبه، بل إنه ظل يحاول التقرب منها، وهذا ما أوضحه مصطفى أمين، بقوله: كان كامل يحاول بأي طريقة أن يعود إليها يمدحها ويشتمها يركع أمامها، ويدوسها بقدميه، يعبدها ويلعنها، وكانت تجد متعة أن تعبث به، يوما تبتسم ويوما تعبس، ساعة تقبل عليه، وساعة تهرب منه، تطلبه في التليفون في الصباح، ثم تنكر نفسها منه في المساء.

مصطفى أمين أكد أن صد المطربة لحب الشناوي كان صعبا عليه، ولم يرغب في تصديقه، وكتب عن ذلك: كامل كان يقول عنها لا أفهمها، فهي امرأة غامضة، لا أعرف هل هي تحبني أم تكرهني؟ هل تريد أن تحييني أم تقتلني؟

كامل الشناوي كان يشعر أن محبوبته قتلته، وكان يجلس يوميا يكتب عن عذابه، وأصبح يتردد على المقابر، وحينما سأله مصطفى أمين عن ذلك، أجابه قائلا: "أريد أن أتعود على الجو الذي سأبقى فيه إلى الأبد"، وظل كامل يعاني من قصة حبه لنجاة، حتى قيل إنه مات مكتئبا بسبب ذلك في 30 نوفمبر 1965.
في ذكرى رحيله.. سر تردد كامل الشناوي على المقابر بسبب نجاة الصغيرة
في ذكرى رحيله.. سر تردد كامل الشناوي على المقابر بسبب نجاة الصغيرة