أسبوعان مضيا على واحد من تراه الحكومة من أخطر القرارات الاقتصادية على الإطلاق في المرحلة الراهنة، بدأها البنك المركزي بأن اتخذ قرارًا مباغتًا بتحرير سعر صرف العملة المحلية وفقًا لآليات العرض والطلب وإطلاق الحرية للبنوك العاملة النقد الأجنبي من خلال آلية الإنتربنك الدولاري، الشهر الجاري، وذلك في محاولة للسيطرة على أزمة اختفاء العملة الصعبة وتناقص الاحتياطي النقدي منها مؤخرًا والتي شغلت الحكومة على مدار أشهر كما جاء في بيان شريف إسماعيل رئيس الوزراء حينها، ثم تبعته في اليوم ذاته بقرار آخر بزيادة أسعار المحروقات بنسب متفاوتة تصل إلى 46.8 %.
قرار المركزي بتعويم الجنيه جاء بعد إجراءات عدة اتخذتها الحكومة بالتعاون مع الغرف التجارية المصرية للقضاء على السوق السوداء التي سجلت أعلى مستويات للعملة الأميركية التي تجاوزت قبل أيام 18جنيها للدولار الواحد، بحسب مراقبون.
كما جاء متماشيا مع اتجاه الحكومة نحو إبرام اتفاقية مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار مقسمة على ثلاث شرائح، بين شروطها إعادة هيكلة السياسة النقدية بما تشمله من تحرير سعر صرف العملة المحلية، وخفض الدعم عن الطاقة، بحسب بيان البنك الدولي بشأن الشروط.
"تنازلات عملاء"
على صعيد حصيلة القطاع المصرفي من تنازلات العملاء من العملات الأجنبية بعد تعويم الجنيه منذ 3 نوفمبر، قدرت بنحو 3 مليارات دولار، أى حصيلة أسبوعين بعد تحرير سعر صرف الجنيه، بحسب تقديرات محافظ البنك المركزي طارق عامر.
حصيلة الدولارات رآها الدكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادي، حد معقول ومنطقي في ظل عدم وجود سيولة كبيرة في السوق المصرفي المصري، مرجعًا ذلك إلي أن قرار التعويم حد من الفجوة الكبيرة بين سعر صرف الدولار بين البنك المركزي والسوق السوداء.
وأشار إلى أن مع تقارب سعر الصرف بين البنوك والسوق السوداء أصبحت الأولي الخيار الشرعي الأكثر ضمانًا وأمان للمواطنين عبر أكثر من 10 آلاف فرع للبنوك منتشر في مختلف محافظات الجمهورية.
لكن الدكتور شريف الدمرداش أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، توقع أن يتبع قرار المركزي نتائج عدة خاصة فما يتعلق بتأثيرها علي ميزان المدفوعات حيث من المتوقع أن تدفع بأسعار السلع الأساسية نحو الارتفاع ، بعد أن ترتفع تكلفة وراداتها من 8.88 جنيه مقابل الدولار إلي ما بين 12-13 جنيه مقابل الدولار.
كما توقع الخبير الاقتصادي أن يحقق الميزان التجاري نسبة عجز متزايدة خلال الفترة المقبلة، بعد الارتفاع الطبيعي في فاتورة الواردات إثر تغير سعر صرف الجنيه، وهو ما سينعكس حتمًا علي ارتفاع تكلفة بند الدعم في الموازنة العامة للدولة، بخلاف المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي.
وشدد علي نجاح تلك الخطوة يتوقف أيضا علي مدي قدرة الحكومة علي تقليل الآثار السلبية وحماية الطبقات الأكثر تضررًا من موجة الغلاء المرتقبة، من خلال برامج تضمن وصول الدعم لمستحقيه، لافتًا إلي أنه الوضع لن يستقر وتتضح مدي نجاح القرار الأخير سوي بداية من الأحد المقبل حينما يتجه سعر الصرف الي الاستقرار عند حدود بعينها.
"الشهادات الادخارية"
في رد فعل سريع لقرار البنك المركزي برفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى 14.75% و15.75% على التوالي، كما قرر رفع سعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى 15.25% وزيادة سعر الائتمان والخصم بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى 15.25%، بدأت البنوك ماراثون لرفع العائد على الأوعية الادخارية ضم 20 بنكا.
حيث أصدر بنكا مصر والأهلي المصري شهادات ادخار جديدة أحدهما الخاصة بمصر مدتها سنة ونصف بعائد ثابت 20 بالمئة سنوياً، ويصرف العائد كل ثلاثة أشهر، ويتم احتساب المدة اعتبارا من يوم العمل التالي للشراء، والثانية الخاصة بالبنك الأهلي أحدهما مدتها عام ونصف، بعائد سنوي ثابت 20 بالمئة يصرف كل 3 شهور، والأخرى مدتها 3 سنوات بعائد سنوي 16 بالمئة يصرف شهريًا.
وفي هذا السياق، قدر يحيى أبو الفتوح نائب رئيس البنك الاهلى المصري، قبل ثلاثة أيام حصيلة الشهادات الادخارية ذات العوائد المرتفعة 16% ، 20% بنحو 60 مليار جنيه، مشيرًا إلى أن نسبة العملاء الجدد الذين اكتتبوا في الشهادات فئة 20% بلغت نحو 20%، فيما بلغت نسبة كسر الشهادات القديمة والاكتتاب في الشهادات الجديدة وصلت لنحو 80% من اجمالى الحصيلة .
فيما قال محمد الإتربي رئيس مجلس إدارة بنك مصر، إن مصرفه جمع نحو 40 مليار جنيه من حصيلة الشهادات الادخارية الجديدة بعائد 16%، و20%، لافتًا إلى أن حصيلة البنوك من الدولار تتضاعف منذ قرار البنك المركزي بتحرير أسعار الصرف.
ويري الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي أن جزء كبير من المستفيدين من الشهادات الادخارية عملاء قدامي، من أصحاب الودائع الكبيرة لدي تلك البنوك، ممن قاموا بكسر ودائعهم وشراء الشهادات ذات العائد الكبير، دون أن تضخ أموال جديدة إلي تلك البنوك.
وحذر الخبير الاقتصادي، في تصريح لـ"الدستور"، من تأثير تلك الشهادات علي الاستثمار سلبًا، من خلال حفز المستثمرين علي الاتجاه نحو الاحتفاظ بأموالهم لدي البنوك رغبة في الاستفادة من فوائد الشهادات بعيدًا استثمار أموالهم في تمويل المشروعات، ما ينعكس علب انحسار فرص العمل وزيادة معدل البطالة، وكذلك تراجع حجم الصادرات المصرية وما يتبعها من انكماش حصيلة العملة الصعبة والضرائب الداخلة الي خزينة الدولة.
وأشار إلي أن عدم التنسيق بين البنك المركزي والمالية والاستثمار سيكبد الدولة خسائر فادحة تتعلق بزيادة عجز الموازنة بقيمة 100 مليار جنيه نتيجة ارتفاع فوائد الدين باعتبار أن الحكومة أكبر مقترض من الدولة بقيمة تخطت 2.5 تريليون جنيه.
"أسعار الدولار"
تراجعت أسعار الدولار الأمريكي بشكل طفيف مقارنه بمستوياتها قبل قرار التعويم، حيث وصل متوسط العملة الخضراء في التعاملات النقدية للعملات الأجنبية وصل متوسط العملة الخضراء على نحومن 15.2جنية مصري للشراء ، 15.65 جنية مصري للبيع.
وكان الجنيه المصري أمام الدولار قد سجل في الأسبوع الأول من تفعيل قرار التعويم في البنوك المصرية ما يتراوح بين 16 و17 جنيهاً، بعد أن كان 8.88 قبل عملية تحرير الصرف.
"إشادة دولية"
صندوق النقد الدولي كان الأول المؤسسات الدولية التي سارعت في إعلان ترحيبها بقرار البنك المركزي المصري من تحرير نظام الصرف الأجنبي واعتماد نظام مرن لسعر الصرف، معتبرًا ذلك سيؤدي إلي تحسين تنافسية مصر الخارجية، ودعم الصادرات والسياحة، وجذب الاستثمار الأجنبي. وكل ذلك سيساعد على تعزيز النمو، وخلق فرص العمل، وتقوية مركز مصر الخارجي".
البنك الدولي هو الآخر رحب بإجراءات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي التي تنفذها الحكومة المصرية حاليا، قائلا إن حزمة الإصلاحات التي أعلنتها مصر مؤخرا ستساهم في إنعاش الاقتصاد المصري، مؤكدًا أن هذه الإجراءات ستساهم بشكل فعال في توجيه الموارد العامة نحو برامج زيادة النمو والبرامج الاجتماعية ذات الأولوية، كما ستؤدى إلى زيادة دخل الطبقات الفقيرة والمهمشة.
فيما توقع بنك الاستثمار برايم أن يسجل عجز الموازنة كنسبة إلى اجمالى الناتج المحلي نحو 14% للعام المالي 16/2017، في حالة انخفاض سعر صرف الدولار إلى 13 جنيه مع بداية العام المقبل 2017، كما توقع ارتفاع الإيرادات بنحو 5% لترتفع إلى 559 مليار جنيه مقابل 533 مليار جنيه.
وعن النمو الاقتصادي المتوقع للعام المالي الجاري 16/2017.. توقعت الورقة البحثية أن لا يتخطى معدل النمو الاقتصادي نسبة 3.4% نتيجة تراجع الاستهلاك الخاص، في ظل التدابير التقشفية التي من المتوقع أن ترفع معدل التضخم لأعلى من 18%، بينما سجل معدل النمو الاقتصادي 4.3% وفقاً للبيانات الأولية لوزارة التخطيط.
توقع "برايم" رجوع تحويلات المصريين العاملين بالخارج، إلى النظام البنكي الرسمي بعد تصريح التعويم، لتصل إلى 18.4 مليار دولار في نهاية العام المالي الجاري، مقابل 16.78 مليار دولار في العام المالي الماضي.
"البورصة"
اتجه المستثمرون الأجانب والمصريون للشراء في البورصة المصرية، في الأسبوع الأول من "تعويم الجنيه" أمام الدولار الأميركي بعد شهور طويلة من البيع والخسائر بأسواق المال المصرية.
وأدت عملية الشراء إلى مكاسب في البورصة بلغت نحو 90.7 مليار جنيه ليبلغ رأس المال السوقي لأسهم الشركات المقيدة نحو 519.4 مليار جنيه مقابل 428.7 مليار جنيه في الأسبوع السابق له بنسبة ارتفاع بلغت 21.2%. حسبما أورد تقرير لوكالة أنباء الشرق الأوسط.
إزاء ذلك، يشير أحمد فؤاد، المحلل المالي، إلي أن المستثمر الأجنبي اتجه للشراء في البورصة المصرية نتيجة "تعويم الجنيه" ما أدى إلى ارتفاع المكاسب، وهو ما لم يحدث منذ سنوات، على حد قوله.
وأضاف "فؤاد" في تصريحات صحفية له، أن تحرير سعر صرف العملة المحلية أظهر السعر الحقيقي للدولار، وعزز ثقة المستثمر بالشراء في البورصة المصرية.