«كوم هيتيم» قرية بقنا سادها الهدوء على مر العصور، حتى وقعت خلافات دامية بين عائلتي الطوايلة والغنايم عام 2004، ما أدى إلى سقوط قتيل وإصابة آخرين، وهدأت أجوائها ثانية عام 2006 عقب عقد صلح بين ذات البين فيها، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث كتب على تلك القرية أن للمرة الثانية في حالة ترقب وهلع، في انتظار سقوط ضحايا جدد.
وتواصلت "الدستور" مع عدد من أهالي "القرية الدامية" وبعض التنفيذين لرصد ما تمر به "كوم هيتيم" من ترقب وهلع.
فعلى بعد حوالى 536 كيلو متر من القاهرة من ناحية الجنوب تقع قرية كوم هيتيم بأبو تشت شمال محافظة قنا، وهي تابعة للوحدة المحلية لقصير بخانس، ويبلغ تعداد سكانها حوالي 10 الآف نسمة تحتوي على معهد أزهري ورياض أطفال ومدرسة ابتدائية وآخرى إعدادي.
شرارة النزاع
وفي مجتمع الصعيد كان متوارث من قديم الأزل أن النزاعات التي تجلب الثأر، كانت لها جلل وتحمل جمل وعبارات رنانة تعمل على طعن القلب مثل زواج ابنة القبيلة من خارجها أو سلب شخص لأرض آخر، وما يشابه تلك العادات الكبيرة لدى المجتمع الصعيدي التي تمثل عاراً على صاحبها، فيقوم دون تردد بحمل السلاح وارتكاب جريمته متفاخرًا أنه ثأر لنفسه، ولكن سرعان ما تحولت الأزمات الكبيرة من وجهة نظر تلك المجتمعات إلى خلافات يرثى لها، ولا تمثل قيمة ولا قامة لذلك المجتمع، فلهو الأطفال وكارت الشحن هاتف وثمن هاتف نقال وتسعيرة السيارة الأجرة جميعها خلافات تبدأ بمشادة وتنتهى بعدد من القتلى والجرحى.
ففي كوم هيتيم بدأ النزاع بين 2 من الشباب على كارت شحن لهاتف محمول، وتطورت المشادة الكلامية إلى قيام أحدهما بطعن آخر حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
التقاط الأنفاس "يافرحة ما تمت"
في عام 2006 بدأت الجراح تلتئم بالصلح بين العائلتين، وتم تقديم القودة، وبدأ الأهالي في التقاط الأنفاس والتعايش من جديد مخلفين ورائهم ما حدث على مدار عامين، ولكن سرعان ما عاد الهلع والخوغف إلى نفوس أهلها، عقب تجدد الخصومة وضرب عرض الحائط بالصلح الذي تم، ليقع 3 قتلى مسن وطفل وسيدة لتتطاير الأعيرة النارية بالهواء لترشق بكل من تواجد أمامها حينها دون أن تفرق بين كبير وصغير رجل وإمرأة.
هلع وتخاذل
انتاب الأهالي حالة من الهلع عقب تزايد عدد القتلى والجرحي، وعدم تمكن من تواجد بالمنطقة من إنقاذ القتلى بسبب تواصل إطلاق النيران دون توقف، حتى سيارة الإسعاف لم تتمكن من إنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى لفظ الجريح أنفاسه الأخيرة، ليلحق بمن صعدت روحهم إلى السماء.
ما تم اتخاذه من إجراءات حينها هو قطع التيار الكهربي عن تلك القرية لمدة 3 أيام دون السيطرة على الموقف من الناحية الأمنية بالشكل المنوط رغم انتشار القوات وفرض الكردون الأمني، وبدأت مطالب البعض بحظر التجوال في القرية بسبب تلك الاشتباكات.
تصاعد الأزمة وارتفاع حصيلة القتلى والجرحى
تفاقمت الأزمة بمنع بعض الأهالي لأبناءهم من الذهاب للمدارس، حرصاً على حياتهم في انتظار انتهاء النزاع بين الطرفين، وأخذت تتصاعد حتى بلغ عدد القتلى 7 أشخاص من العائلتين اليوم، عقب تجدد الاشتباكات، وسقوط شخصين من عائلة الطوايلة إثر تلقيهم طلقات نارية.
مطالب وتساؤلات الأهالي
وقال محمد إبراهيم سيد أحد أهالي القرية "لا نطالب بحياة مرفهة، وإنما بتوفير الأمن لباقي الأسر والعائلات التي ليس لها في ذلك الأمر.. لا ناقة ولاجمل".
وطالب أحمد السيد مصطفى من أهل البلدة، تدخل فوري وحل جذري لتلك الأزمة من القيادات التنفيذية والشعبية لحقن الدماء، خاصة أن القرية تعدادها السكاني قليل، متسائلاً "هل ينتظر المسئولون حتى تصبح كوم هيتيم خاوية على عروشها، كلما تفاقمت الأزمة، وسدد كل منهم سلاحه تجاه الاخر متجاهلين من معهم بالبلدة".
وتبقى كوم هيتيم رغم صغر مساحتها وقلة تعدادها السكاني إلا أنها تمثل خطراً على عديد من الأرواح وسنوات الموت تحاصرهم منذ عام 2004 وحتى اليوم، تاركة تساؤلات عدة عن دور قوات الأمن، وهل امتكلت العائلتان ترسانة أسلحة أكبر من البلدة ذاتها لتهدد حياة من فيها، ومتي سيتوقف نزيف الدماء بكوم هيتيم لتعيش في سلام.. وهل ستنجح الجهات الأمنية في السيطرة على الموقف والصلح بين ذات البين بعد أن ضاعت الثقة ونُقض عهد الصلح الذي تم في 2006.
جميع تلك التساؤلات تحتاج إلى أجابات واضحة من الجهات التنفيذية، ووضع حلول جذرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.