سؤال طرحه علىّ الأستاذ الكبير حسن المستكاوى: أين اختفى نور الشريف؟ قالها خلال جلسة نقاش تناولت موقف الفن والفنانين من ثورة 25 يناير ومن الأحداث الساخنة التى يشهدها المجتمع المصرى حاليا.
السؤال كان ضروريا، خاصة أن الفنان الكبير نور الشريف، كانت ثورته على الفساد الاجتماعى والسياسى فى مصر لا تهدأ بداخله.. كان كلما ذهبت لأجرى معه حوارا عن عمل جديد، ينقلب الحديث إلى وضع الحاكم والمحكوم.. وإلى الهوة السياسية التى تعيشها البلاد.. إلى سلب الحقوق ووأد الأحلام.. إلى طغيان الحكم الديكتاتورى وقهر الديمقراطية..
الحديث كان يتشعب بتلقائية إلى أحداث المجتمعات العربية كلها وليس المواطن المصرى فقط.
كنت أتوقع أن يظهر الفنان نور الشريف فى بداية مشهد الحرية.. ذلك المشهد الذى طالما حلم به الشريف فى أعماله السينمائية والمسرحية وحتى التليفزيونية..
والتى كانت صرخته دائما عالية الإحساس الفنى والزمنى.
فى دمشق وفى ساحة المسجد الأموى عبَّر لى نور الشريف عن أمنياته فى أن يجمع العالم العربى حلم واحد، وأن تفيق مصر من غيبوبتها لتعود إلى مكانها الطبيعى فى طليعة الأمة العربية.. قام الشريف وهو يتجول معى فى سوق الحميدية بدمشق بشراء عدد كبير من السيوف ربما يمكِّنه القدر من تجسيد شخصية تستطيع عبر عمل فنى توحيد الوطن كله وتحريره من الفساد السياسى والاجتماعى الذى جعل دوره غائبا فى ظل التبعية لأمريكا وإسرائيل.
كاد نور الشريف يبكى من التفاف الجمهور حوله وهم ينادونه بأسماء شخصياته الثائرة الشهيرة التى جسدها فى أعماله وحاولت أن تثأر للمشاهد من ظلم الواقع وتورط النظام فى هذا الظلم: حاتم زهران وهو يناجى زمنه.. الموظف الحائر بالبحث عن سيد مرزوق.. الصراف حسن عز الرجال الذى ينضم لكتيبة الإعدام.. مصطفى ضابط الحراسات الخاصة الذى يحاول إنقاذ المجتمع فى عيش الغراب.. ثناء الذى سالت دماء أسرته على الأسفلت.. المصور شمس الذى يسجل أعمال الفساد.. حسن سواق الأتوبيس الذى ينتقم من الحرامية.. العسكرى أبو الوفا الذى يحبط محاولات الرشوة.. السائق قرشى الذى يواجه تجارة الأعضاء فى «الحقونا».. مدرس اللغة العربية فرجانى آخر الرجال المحترمين.. الضابط فؤاد فى «عنبر الموت».. الضابط حسام الذى لم يخش «الكلام فى الممنوع».. فلماذا يخشى نور الشريف الكلام الآن؟.. لماذا قرر الاختفاء من الصورة؟.. هل ثورة 25 يناير وما أحدثته من تغييرات كانت تفوق أحلامه، أم أن صدمتها فاقت أوهامه؟.