مثّلت أزمة الأحوال الشخصية للأقباط الخاصة بالطلاق والزواج الثانى صداعاً فى رأس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على مدار الأعوام الماضية، وتحديداً منذ تعديلات البابا الراحل شنودة الثالث عام 2008 على لائحة 1938 التى كانت تبيح الطلاق والزواج الثانى للأقباط، وقيّدها البابا فى شرط واحد وهو الزنا.
الكنيسة تشترط اجتياز امتحان «الكورس» للحصول على شهادة «خلوّ الموانع» لإتمام الزواج
ومنذ وصول البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، للكرسى البابوى فى نوفمبر 2012، وهو يولى تلك الأزمة أهمية خاصة، انطلاقاً من قناعته التى صرح بها أكثر من مرة بأنه لا يتحمل أن يقول قبطى أو قبطية إن الكنيسة ظلمته. وفى سبيل الوصول إلى حل لتلك الأزمة عقد البابا تواضروس مؤتمرين للأسرة خلال الأعوام الماضية حضرهما أعضاء المجمع المقدس للكنيسة، وتم الاستماع لأصوات المتضررين من الأقباط فى تلك الأزمة، قبل أن يتوصل البابا لحل بمشاركة الأنبا بولا، أسقف طنطا وتوابعها ومسئول المجلس الأكليريكى العام بالكنيسة المعنىّ بالأحوال الشخصية للأقباط على مدار 27 عاماً. وقد تمثّلت خطة البابا لحل الأزمة فى إعداد قانون جديد للأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس، وتم عقد جلسات خاصة للمجمع المقدس ومؤتمر فى مارس الماضى لمناقشة بنوده قبل التوصل لصياغته النهائية التى نشرتها «الوطن» فى مايو الماضى، والتى حظيت بقبول العديد من الأقباط أصحاب المشاكل ولاقت ترحيباً من المتحفظين المتمسكين بالتعاليم الكتابية، ويُنتظر تقديمها لمجلس النواب خلال دور الانعقاد الثانى للعمل به فى المحاكم.
أما الخطوة الثانية فى الخطة الكنسية لمواجهة تلك المشكلة فهى هيكلة «المجلس الأكليريكى العام» الذى كان يتولى مسئوليته الأنبا بولا ويتخذ من الكاتدرائية المرقسية بالعباسية مقراً له، وإدخال درجات التقاضى فيه لأول مرة، حيث شملت الهيكلة: «تشكيل لجنة مجتمعية للأحوال الشخصية، برئاسة البابا، وعضوية كل من سكرتير عام المجمع المقدس ورؤساء الدوائر الإقليمية، وتقسيم الكنيسة إلى 6 دوائر إقليمية بها مجالس برئاسة أحد المطارنة أو الأساقفة، وعضوية أسقف وكاهنين ومحام وطبيبة، ويجرى اختياره لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد».
وقد أصدر البابا قرارات بتشكيل هذه الدوائر، حيث يرأس المجلس الأكليريكى الإقليمى للقاهرة والجيزة الأنبا دانيال، أسقف المعادى وتوابعها، ويرأس المجلس الأكليريكى الإقليمى للوجه القبلى الأنبا باخوم، أسقف سوهاج وتوابعها، ويرأس المجلس الأكليريكى الإقليمى بالوجه البحرى الأنبا ثيئودوسيوس، أسقف وسط الجيزة وتوابعها، ويرأس المجلس الأكليريكى الإقليمى بأمريكا الشمالية والجنوبية الأنبا سيرابيون، أسقف لوس أنجيلوس وتوابعها، ويرأس تشكيل المجلس الأكليريكى الخاص بأستراليا وآسيا الأنبا بولا، أسقف طنطا وتوابعها، فضلاً عن وجود مجالس أكليريكية فى الإبراشيات، برئاسة مطران أو أسقف الإبراشية.
والخطوة الثالثة هى اعتماد المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية خلال مؤتمر «الأسرة المسيحية والخدمات الكنسية»، الذى أقيم بدير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، مارس الماضى، وإقراره فى جلسته السنوية فى يونيو الماضى، برئاسة البابا تواضروس الثانى، إلزام الأقباط، اعتباراً من يوليو 2017، بالكشف الطبى للمقبلين على الزواج، واجتياز دورة المخطوبين ما قبل الزواج مع الحصول على الشهادة التى تثبت حضور الدورة كاملة، وهى الدورات التى بدأ تطبيقها تجريبياً فى بعض الكنائس والإيبارشيات خلال الشهور الماضية لإثبات مدى فاعليتها قبل أن يتقرر تطبيقها رسمياً وإجبارياً، لتأتى تماشياً مع قانون الأحوال الشخصية الجديد، وكحل وقائى لأزمة الطلاق والزواج الثانى.
وقالت مصادر كنسية لـ«الوطن»: إن تطبيق تلك الكورسات أثبت مدى فاعليتها، حيث إن إحدى الدورات اشترك فيها 150 من المقبلين على الزواج، ولم يتم طقس الإكليل منهم إلا عدد قليل، ما يعنى أن هذا الارتباط كان مقبلاً على فشل بعد الزيجات.
ويحاضر فى الكورسات الكنسية عدد من الكهنة والأطباء، وتتضمن مناقشة عدد من القضايا النفسية والروحية والجسدية للأقباط، بحسب الإعلانات التى تنشرها مراكز المشورة التى أنشأتها الكنيسة فى الإيبارشيات المختلفة التابعة للكنيسة فى الداخل والخارج خلال الفترة الماضية، والتى تقدمها الكنيسة للأقباط مقابل اشتراك رمزى.
وأكد القس بولس حليم، المتحدث الرسمى باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أن تلك الكورسات لا تحتوى، كما أُشيع، على أى كشف طبى خادش للحياء، فى إشارة إلى ما تردد عن إجراء كشوف للعذرية للفتيات القبطيات المقبلات على الزواج.
ويتم خلال تلك الكورسات طرح محاضرات عن أهمية الفحص الطبى قبل الزواج، وكذلك الجنس من الناحية الطبية، ويتم إلقاؤها عبر أطباء متخصصين، حيث يلقى طبيب تلك المحاضرات للرجال وطبيبة للسيدات، بالإضافة لمحاضرات عن حياة الشراكة الأسرية وكيفية تربية الأبناء، وشريعة الزوجة الواحدة، وأهم قوانين الأحوال الزوجية، فضلاً عن إلقاء محاضرات عن الإعداد الكنسى والذهنى والفكرى والعاطفى للزواج، والاحتياجات النفسية لطرفى العلاقة، والتعريف بالسيكولوجية الخاصة بكل من الرجل والمرأة، ومهارات الحوار الناجح، وحل المشاكل، ومشاكل السنة الأولى للزواج وتأثيرها على الحياة، ومهارات التواصل بين الرجل والمرأة، ومعايير النضح النفسى للزواج، والممارسات الروحية داخل البيت، والنظرة المسيحية للجنس.
وعلى الموقع الإلكترونى لمعهد المشورة الكنسية التابع لإيبارشية المعادى وتوابعها الذى يقدم تلك الكورسات، ومنها كورس «الاستعداد للارتباط»، نجد إشارة إلى أن الهدف من الدراسة هو تقديم الفهم الصحيح لأهداف فترة الخطوبة والتدريب على مواجهة مشكلات الحياة وكيفية حلها، وفهم جيد لنفسية الطرف الآخر والتعامل معه، والإعداد النفسى لمرحلة جديدة ومختلفة تماماً من جهة المسئوليات والأدوار.
ويشير الموقع إلى أن محتوى الدراسة يشمل الموضوعات التالية: «ما هى أهداف مرحلة الخطوبة؟ وهل الحب وحده يضمن نجاح الزواج؟ وما هى المشكلات الأكثر شيوعاً فى فترة الخطوبة؟ وما هى حدود التقارب والملامسات الجسدية بين الخطيبين؟ هل الجنس مقدس؟ لا أعرف شيئاً عن الجنس!». وأشار المعهد إلى أن الحد الأدنى لحضور المحاضرات 75% على الأقل ولن يُسمح بدخول الامتحان لمن لم يحقق هذه النسبة، وأن تصاريح الإكليل لا تصدر داخل إيبارشية المعادى إلا بشهادة إتمام هذه الدورة بناء على تعليمات الأنبا دانيال أسقف إيبارشية المعادى.
وأكدت مصادر كنسية أن بعض الإيبارشيات تُلزم مقبلى الزاوج على حضور كورسات المشورة، مثلما تلزمهم بعدد معين من المحاضرات وإلا لن يتم السماح لهم بدخول الامتحانات، ولكن إيبارشيات أخرى مثل إيبارشية «شبرا الشمالية» سهّلت على الأقباط الأمر بطرح كورسات مشورة إلكترونية عبر «الفيس بوك، وسى دى»، حيث يقوم الشخص بمشاهدة محاضرات محددة على موقع الإيبارشية، وبعد شهر يتقدم للامتحان الشفوى والتحريرى، وإذا نجح بنسبة أكثر من 70% سيحصل على شهادة تفيد حصوله على «كورس مشورة الارتباط»، على أن يتقدم الشخص بتسجيل بياناته فى الاستمارة المعدة لذلك والمتوافرة فى كل كنائس شبرا الشمالية ودفع الرسوم وتقديم صورة من الرقم القومى، وسيحصل على كشف بأسماء المحاضرات والـ«سى دى»، وبعد شهر من استلام الاستمارة سيتم إبلاغه بميعاد الامتحان.
وأشارت المصادر إلى أنه بعد انتهاء تلك الكورسات يتم عقد امتحانات للمقبلين على الزواج فى المحاضرات التى تم تدريسها لهم، وعليها درجات، ولا تعطى شهادة إتمام الكورس إلا لمن يجتاز تلك الكورسات بالحصول على 70 درجة على الأقل فى الامتحان، وهى الشهادة التى بدونها لا يُمنح المقبلون على الزواج شهادة «خلوّ الموانع» والتى تُعتبر أحد الشروط الأساسية لكتابة عقد الزواج وإتمام طقس الزواج الكنسى «الإكليل»، حيث ينص قانون الأحوال الشخصية الجديد فى مادته «26» فقرة «9»، على أنه يثبت الزواج فى عقد يحرره رجل الدين المسيحى المرخص له من رئاسته الدينية بإجرائه، ويشتمل عقد الزواج بالأخص على البيانات الآتية: «9» إثبات حصول الزوجين على شهادة خلوِّهما من الموانع الزوجية من الكنيسة التى ينتمى إليها كل من الزوجين.
وتضاف الكورسات الكنسية الإلزامية للمقبلين على الزواج إلى ما سبق أن قررته الكنيسة من تطبيق الكشف الطبى الإجبارى على الأقباط لإعطاء تصاريح الإكليل بعد ضم كشف إدمان المخدرات له، وذلك منعاً للمشاكل الزوجية التى يسببها، واتساقاً مع نصوص قانون الأحوال الشخصية الجديد للأقباط الأرثوذكس الذى أقرته الكنيسة ويُنتظر تقديمه للبرلمان خلال دور الانعقاد الثانى له والذى يبدأ فى أكتوبر المقبل.
ويمنع القانون الجديد، فى المادة 23 منه، إتمام زواج الأقباط، فى حالات معينة ما لم يقبل الطرف الآخر هذه الحالة كتابة وقت الزواج، وهى: «إذا كان لدى أحد طالبى الزواج مانع طبيعى أو مرضى لا يُرجى زواله، يمنعه من الاتصال الجنسى، كالعنة والخنوثة والخصاء، وإذا كان أحدهما مصاباً بآفة عقلية أو نفسية أو عصبية، وإذا كان أحد الطرفين مصاباً بمرض قتال أو مزمن يجعله غير صالح للحياة الزوجية، وإذا كان أحد الطرفين مصاباً بالإدمان المزمن، وأنه يقع باطلاً كل زواج يتم بالمخالفة لأحكام هذه المادة إذا تمسك ببطلانه الطرف الآخر، وذلك خلال ثلاث سنوات من تاريخ علمه اليقينى بسبب البطلان، أو إذا تجاوز العلم هذه المدة وكان الأمر قد تطور إلى الإيذاء الجسيم وخطورة المعيشة المشتركة».