عندما نتحدث عن الراحل اللواء محمد نجيب، فإننا نتحدث عن أول ضابط جيش يدرس القانون، وأولهم دراسةً للإقتصاد السياسي، ودبلوم القانون، كما انه أول رئيس وزراء عسكري لمصر بعد رحيل الملك فاوق، وأول رئيس جمهورية لمصر بعد تحولها من الملكية للجمهورية، ولولاه ماكانت حركة الضباط الأحرار لتنجح.
نشأته
ولد محمد نجيب يوسف فى 20 فبراير عام 1901 وفي أقوال أخري في 7 يوليو 1902 بالخرطوم من أب مصري وأم سودانية، وكان الأخ الأكبر لتسع أبناء ولقد عاش مع والده البكباشي بالجيش المصري يوسف نجيب حتى عام 1917 حين حصل على الثانوية العامة، و توفي خلال مقاومة الثورة المهدية في السودان.
التحق نجيب بالكلية الحربية في مصر في أبريل عام 1917 وتخرج فيها في 23 يناير 1918، ثم سافر إلى السودان في 19 فبراير 1918 والتحق بذات الكتيبة المصرية التي كان يعمل بها والده ليبدأ حياته كضابط في الجيش المصري بالكتيبة 17 مشاة.
تعليمه
تلقى محمد نجيب تعليمه بمدينة ود مدني عام 1905 حيث حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، انتقل والده إلى وادي حلفا عام 1908 فالتحق بالمدرسة الابتدائية هناك، ثم التحق بكلية جوردون عام 1913 (جامعة الخرطوم حاليًا).
حصل على شهادة الباكلوريا عام 1923، والتحق بكلية الحقوق، ورقي إلى رتبة ملازم أول عام 1924، وكان يجيد اللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والعبرية.
في عام 1927 كان محمد نجيب أول ضابط في الجيش المصري يحصل على ليسانس الحقوق، ثم دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي عام 1929 ودبلوم آخر في الدراسات العليا في القانون الخاص عام 1931واشترك في القتال ضد القوات الألمانية عام 1943 .
أفكاره الثورية
مع قيام ثورة 1919 أصر على المشاركة فيها علي الرغم من مخالفة ذلك لقواعد الجيش، فيسافر إلي القاهرة ويجلس علي سلالم بيت الأمة حاملاً علم مصر وبجواره مجموعة من الضباط الصغار.
كما انه عندما أصدر الملك فؤاد قراره بحل البرلمان لأن أغلبية أعضائه كانوا من حزب الوفد الذي كان دائم الاصطدام بالملك فتخفى في ملابس خادم نوبي، وقفز فوق سطح منزل مصطفى النحاس، وعرض عليه تدخل الجيش لإجبار الملك على احترام رأي الشعب، لكن النحاس قال له: "أنأ أفضل أن يكون الجيش بعيداً عن السياسة، وأن تكون الأمة هي مصدر السلطات".
كما انه انضم بعد ذلك لتشكيل الضباط الأحرار ودعمه بقوة حتي أصبح له تأييد بين ضباط الجيش.
حياته العملية
حصل الشاب محمد نجيب على شهادة الكفاءة، ودخل مدرسة البوليس لمدة شهرين، وخدم في عدة أقسام، ثم عاد مرة أخرى إلى السودان عام 1922 وخدم في بحر الغزال، ثم انتقل إلى وحدة مدافع الماكينة في ملكال، و انتقل بعد ذلك إلى الحرس الملكي بالقاهرة في 28 أبريل 1923، ثم انتقل إلى الفرقة الثامنة بالمعادي بسبب تأييده للمناضلين السودانيين، و حصل على شهادة الباكلوريا عام 1923، والتحق بكلية الحقوق، ورقي إلى رتبة ملازم أول عام 1924.
رقي إلى رتبة يوزباشي في ديسمبر 1931، ونقل إلى السلاح الحدود عام 1934، ثم انتقل إلى العريش، و كان ضمن اللجنة التي أشرفت على تنظيم الجيش المصري في الخرطوم بعد معاهدة 1936 ثم اسس مجلة الجيش المصري عام 1937 ورقي لرتبة صاغ في 6 مايو 1938، ورفض في ذلك العام القيام بتدريبات عسكرية مشتركة مع الإنجليز في مرسى مطروح، ورقي بعد ذلك لرتبة قائم مقام في يونيو 1944، وفي تلك السنة عين حاكماً إقليمياً لسيناء.
وفي عام 1947 كان مسؤولا عن مدافع الماكينة في العريش، ورقي لرتبة الأميرالاي عام 1948.
معجزة بعد حرب فلسيطين 1948
شارك نجيب في حرب فلسطين التي هزمت فيها الجيوش العربية أمام العصابات الصهيوينة، وكانت رتبته وقتها عميد وكان قائدًا لفيلق من فيالق الجيش، أصيب نجيب في تلك العملية سبع مرات، في إصابته الثالثه تلقي رصاصة علي بعد سنتيمترات من قلبه، ونقل للمشفي، وظن الأطباء أنه مات، وبينما دخل اليوزباشي صلاح الدين شريف لإلقاء نظرة الوداع علي نجيب، نزلت معة منه علي وجه نجيب الذي استيقظ فجأة، وعندها علم الأطباء انه علي قيد الأطباء وتم العناية به وعاد للحياة مرة أخري.
الضباط الاحرار .. وبداية طريق نهايته
بعد أن بدأ جمال عبد الناصر تشكيل تنظيم يدعي الضباط الاحرار؛ حيث تسببت هزيمة فلسطين في بث حالة من السخط والرغبة في القضاء على الإقطاع والفساد الداخلي وإنشاء جيش قوي، مع الالتزام في نظامه بالسرية المطلقة، كان التنظيم يريد أن يقوده أحد الضباط الكبار لكي يحصل التنظيم على تأييد باقي الضباط، وبالفعل عرض عبد الناصر الأمر على محمد نجيب فوافق على الفور.
وقال المؤرخ العسكري اللواء جمال حماد أحد الضباط الأحرار، أن الحركة لم تكن لتنجح لولا انضمام محمد نجيب إليها لما كان له من سمعة طيبة في الجيش، ولما كان لمنصبه من أهمية، إذ أن باقي الضباط الأحرار كانوا ذوو رتب صغيرة وغير معروفين.
الخطوات نحو يوليو 1952
بعد تشكيل تنظيم الضباط الاحرار وقيادة محمد نجيب له، قرر التنظيم دخول إنتخابات نادي الضباط لإختبار مدي قوتهم وتأثيرهم في الجيش، وبالفعل دخل نجيب الانتخابات في يناير 1952 أمام حسين سري عامر مرشح الملك، وفاز نجيب بإكتساح في شهادة نجاح أولي للتنظيم الوليد.
حاول النظام بعد ذلك رد نجيب عن الطريق الذي يسير فيه عن طريق وزير الداخلية وقتها محمد هاشم، بأن عرض عليه تولي منصب وزير الحربية، ولكن نجيب رفض ذلك.
خلال حديثهما أخطره محمد هاشم أن هناك 13 اسم لضباط في الجيش قاموا بعمل تنظيم يسمى ( الضباط الأحرار) ، وأن السرايا الملكية قد تعرفت على 8 افراد منهم وسيتم القبض عليهم ، مما جعل نجيب يجتمع على عجالة باللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار للإسراع بتنفيذ الخطة، والتي نفذت في 23 يوليو 1952.
تلك الخطوات التي كان من المقر لها ان تتم في العام 1955 تسارعت بعدما علم التنظيم بأنهم بصدد الوقوع في الأسر بعد أن افتضحت تحركاتهم، وبفضل نجيب الذي حذرهم، بدأت عدة اجتماعات وانتهت بالخطة الاخيرة، وتم التنفيذ في الموعد المطلوب، واستولي الضباط علي القيادة العامة للجيش، وفي اليوم التالي أصدروا بيانهم الشهير بصوت الراحل الرئيس محمد أنور السادات.
نجاح الضباط في عزل الملك
توقع الملك أن تكون تلك العملية حركة تطهير داخل الجيش فقط، ولكنه اخطأ التوقع بعد ذلك، و قامت وزارة نجيب الهلالي بالتواصل مع اللواء نجيب، والذي نقل له مطالب الحركة وهي:"تكليف علي باشا ماهر بتشكيل الحكومة، تعيين محمد نجيب قائداً عاما للقوات المسلحة، إبعاد الحاشية الملكية والمستشارين عن القصر الملكي"، ورضخ الملك لطلبات نجيب، وهو ما أكد ضعف موقف الملك.
وفي يوم 25 من يوليو قام محمد نجيب بإبلاغ على ماهر باشا بالإنذار بمطالب الجيش بتنازل الملك فاروق عن العرش لولي عهده الأمير أحمد فؤاد الثاني وضرورة مغادرة البلاد قبل الساعة السادسة مساءاً، وبعد عدة أحداث بل مجال لذكرها الآن وافق فاروق على المطالب لكونها ستحافظ على العرش في أسرته، وقام عبد الرازق السنهوري رئيس مجلس الدولة بإعداد وثيقة التنازل عن العرش، وقام الملك فاروق بتوقيعها وتسليمها لعلي ماهر.
بعد الملك
بعد مرور 50 يوم ونتيجة للتصادم مع مجلس قيادة الثورة قدمت وزارة على ماهر استقالتها، وشكلت وزارة جديدة برئاسة محمد نجيب ليكون أول رئيس وزراء غير مدني، وفي 9 سبتمبر أصدرت وزارة نجيب قانون الإصلاح الزراعي ، وفي 21 صدر قانون تحديد الملكية الزراعية ثم قانون تنظيم الأحزاب، ثم في 10 ديسمبر عام 1952 صدر قرار بإلغاء دستور 1923 وصدور مرسوم بحل الأحزاب السياسية، وفي يناير 1953 تم تشكيل لجنة لصياغة الدستور مكونة من 50 عضو برئاسة على ماهر، وصدر دستور مؤقت في فبراير 1953 ينص على سلطات واضحة لمجلس قيادة الثورة.
نجيب .. أول رئيس لمصر
في 18 يونيو 1953 تم إعلان قيام الجمهورية وإلغاء الملكية في مصر، وتم أختيار محمد نجيب كرئيس للجمهورية والذي أحتفظ بمنصبه كرئيس للوزراء مع تخليه عن منصب وزير الحربية وقيادة الجيش.
و بدأت الخلافات تدب بينه وبين الضباط الاحرار، من بين تلك الخلافات طلب الرئيس الراحل جمال عبدالناصر من نجيب أن يعين عبد الحكيم عامر وزيرًا للحربة متجاوزًا العديد من القيادات والرتب، ورفض نجيب في البداية ولكنه قبل بعد ذلك لتعرضه لضغوط وهو ما جعله يشعر بأن هناك مراكز قوة بدأت تتشكل، وبدأ التفكير في إحياء الحياة النيايبة.
يوليو .. طردت ملكا واحدا وجاءت بثلاثة عشر ملك
بدأت تصرفات بعض الضباط لا تعجب نجيب، ولا الناس، وسرت مقوله وقتها تقول بأن يوليو طردت الملك وجاءت ب 13 آخرين، ودبت الخلافات الكبيرة بينه وبينهم في قضية المحاكمات العسكرية لسياسين وحبس الصحفيين والعديد من القضايا الأخري، ليتقدم بإستقالته في فبراير 1954، وعلي إثر ذلك خرجت احتجاجات في الشوارع، وبعدها طلب الضباط الأحرار من نجيب العودة حفظًا للأمن، وبالفعل عاد مرة اخري، و في 5 مارس صدرت قرارات ركزت على ضرورة عقد جمعية لمناقشة الدستور الجديد وإقراره، وإلغاء الأحكام العرفية والرقابة على الصحف والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين.
عزل نجيب
توجه نجيب يوم 14 نوفمبر 1954 لمكتبه بقصر عابدين، و لاحظ عدم أداء ضباط البوليس الحربي التحية العسكرية، وعندما نزل من سيارته داخل القصر فوجئ بالصاغ حسين عرفة من البوليس الحربي ومعه ضابطان و10 جنود يحملون الرشاشات يحيطون به، فطالب منهم الابتعاد حتى لا يتعرض جنوده للقتال مع جنود الحرس الجمهوري، فاستجاب له ضباط وجنود البوليس الحربي، الا أن ضابطين من البوليس الحربي ظلا يتبعانه أثناء صعوده إلي مكتبه، فنهرهما، فقالا له إن لديهما أوامر بالدخول من الأميرالاي حسن كمال، كبير الياوران، فاتصل هاتفيا بجمال عبدالناصر ليشرح له ما حدث، فأجابه عبدالناصر بأنه سيرسل عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة ليعالج الموقف بطريقته.
وصل عامر، والذي أبلغ نجيب بأنه تم عزله من السلطة، وتحديد إقامته في منزل زينب الوكيل زوجة النحاس باشا في المرج، و ظل حبيس فيلا المرج حتى أمر الرئيس السادات بإطلاق سراحه عام 1971، ورغم هذا ظل السادات يتجاهله تماما كما تجاهله باقي أعضاء مجلس قيادة الثورة.
كان ما يسلي محمد نجيب طوال سنوات الإقامة الجبرية في المرج تربية القطط والكلاب، واعتبر القطط والكلاب أكثر وفاءا من البشر، وحينما توفي أحد كلابه دفنه في الحديقة وكتب علي شاهد القبر" هنا يرقد أعز أصدقائي".
مؤلفاته
كتب نجيب العديد من الكتب خلال فترة حياته، وهي "رسالة عن السودان 1943، و مصير مصر 1955، و كلمتي للتاريخ 1975، و كنت رئيسا لمصر 1984".
وفاته
تُوفي محمد نجيب في 28 أغسطس 1984 بعد دخولة في غيبوبة في مستشفى المعادي العسكري بالقاهرة، أثر مضاعفات تليف الكبد.