قطعت السعودية الطريق على إيران، في استخدام الحج كورقة سياسية في علاقتها مع المملكة، بعدما نظمت أول أمس، استقبالا غير مسبوق، للحجاج الإيرانيين، القادمين من دول أخرى، الذين لم يستجيبوا لآوامر طهران هذا العام بمنع مواطنيها من آداء الفريضة.
وتعمدت السعودية حُسن استقبالهم بالورود، وضيافتهم في الصالات الخاصة بمطار الملك عبدالله، بمدينة جدة؛ لتحرج طهران وتحاول منع محاولات تسيس أداء فريضة الحج التي تتبعها منذ سنوات، ولازالت حتى هذا العام، وفقًا لتفسير صحيفة "عكاظ" السعودية.
تسيس الحج
ومنذ إعلان الدولة الإسلامية في إيران نهاية ثمانينات القرن الماضي، تحولت مواسم الحج والعمرة إلى منصات للتراشق السياسي بين الجانبين، الذي عُرف بعد ذلك باسم "تسييس" الحج والعمرة والذي بدا يشكل أحد أبرز وسائل الحرب بين طهران والرياض، فالأولى منعت حجاجها هذا العام والثانية استقبلتهم بالورود لإحراجها.
نشر منهج الشيعة
ويحفل التاريخ بمواقف مُشابهة بين الرياض وطهران، ومحاولات عدة من أجل تسييس فريضة الحج، فبدأ استخدام إيران للحج سياسيًا خلال عام 1981، أي بعد الثورة الإسلامية الإيرانية بنحو عامين، من خلال محاولة الإيرانيين نشر منهج الشيعة في تجمعات المسلمين خلال موسم الحج.
وكانت هناك محاولات أيضًا لاستعراض مبادىء ثورتهم الشيعية عبر الأدعية والمراسم الخاصة، منها "دعاء كميل ومراسم البراءة من المشركين"، ورفع الأعلام وتنظيم التظاهرات التي تنطق باسم الثورة في الحج.
متفجرات إيرانية
وفي عام 1987، دخلت المملكة في مواجهات دامية مع حجاج إيرانيين، بسبب اكتشافها كميات كبيرة من المتفجرات داخل حقائب الحجاج، كشفت التحقيقات وقتها أنهم كانوا ينوون تفجير بعض المقدسات الدينية، وسعوا إلى إغلاق الممرات وطرق الحج، وقاموا بإطلاق غازات خانقة، وتنظيم مسيرات تهتف للخميني وثورته في إيران، واستخدام فريضة الحج في أغراض سياسية.
وحين تعاملت السلطات السعودية مع الأمر، نجم عنه سقوط 400 قتيل إيرانيا، فقام الحرس الثوري بالاستيلاء على السفارة السعودية في طهران، وأدى ذلك إلى مقتل دبلوماسي سعودي في السفارة، وقطعت العلاقات السياسية بينهم حتى عام 1991.
هدوء حذر
وعادت أفواج الإيرانيين لأداء الفريضة بالمملكة بعد هذا العام مرة أخرى، وهدأت وتيرة استخدامها سياسيًا من قبل الطرفين، بغض النظر عن المناوشات التي تحدث على صعيد التصريحات بينهم، فكل عام تلوح طهران بنيتها في العودة إلى سابق عهدها بتنظيم التظاهرات ورفع الشعارات الدينية.
ألا أن السعودية في كل مرة كانت تكتفي بتحذير طهران من هذا الأمر، وتعلن عن حظرها الدائم لرفع الأعلام السياسية بين الحجاج، مؤكدة أن اتفاقيتها مع الدول بشأن تنظيم مواسم الحج لن تتغير مع أي دولة لأنها سياسية تستخدمها مع الجميع، ومنها حظر رفع الأعلام والشعارات السياسية.
عام النكبة السوداء
ولكن جاء عام 2015، حاملًا رياح خريف قوية بين طهران والمملكة، بعدما نشبت أزمة دبلوماسية بينهم، بسبب إعلان بعثة العمرة الإيرانية رصدها تحرش شرطيين سعوديين بشابين إيرانيين أثناء التفتيش، مستغلة الحدث للتنديد بالسعودية.
وأعلن وزير الثقافة الإيراني "علي جنتي" وقتها إيقاف رحلات العمرة للسعودية، قائلًا: "إن المراهقين الإيرانيين تعرضا لممارسة بذ&<740;ئة خلال تفتيشهما مما أساء إلى عزة وکرامة الشعب الإ&<740;راني، وسيتم تعليق الرحلات الجوية الإيرانية حتى يحاكم هذان المذنبان ويعاقبان".
ورغم ذلك أعلنت الرياض إحالة شرطيها المتهمين للادعاء العام بعد إبلاغ السفير الإيراني، وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السعودية حينها: "إن أنظمة المملكة القائمة على الكتاب والسنة كفيلة بإيقاع أشد العقوبات على من تتم إدانته بارتكاب مثل هذه الجرائم".
وفي الأسبوع الذي سبق هذا الحادث أيضًا، أعادت السعودية طائرة إيرانية منعتها من الهبوط، وقالت إنها لم تحصل على تصريح كافية، وهو تفسير انتقدته الخطوط الجوية الإيرانية وقتها، مؤكدة أن الرحلة الجوية كان مستوفية لكل الشروط.
وظل عام 2015 هو الأصعب في العلاقات بين السعوية وإيران على صعيد فريضة الحج، فجاء يوم 11 سبتمبر حاملا كارثة للمملكة، بسقوط رافعة سعودية كانت تعمل في مشروع توسعة المسجد الحرام بمكة، على الحجاج خلفت ورائها ما يقرب من 108 شهيدًا، من بينهم 11 إيرانيًا وحوالي 238 جريحًا، من بينهم 25 إيرانيًا.
"السعوديون لا يملكون الكفاءة لإدارة شؤون الحج، ويجب سلبهم إياها ومنحها للجنة منبثقة من البلدان الإسلامية كمنظمة التعاون الإسلامي، وتقديم الخدمات للحجاج"..هكذا عقب عضو لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني "باقر حسيني" على الحادث.
وبهدف قحام السياسة في الأمر وصف الحكومة السعودية بأنها لا يهمها سوى تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية، ولا تولي أي اهتمام بالشؤون العقيدية والمعنوية، بل إنها تريد ممارسة الاستغلال وتحقيق منافعها الخاصة.
وأضاف: "بالنظر إلى شن السعودية هجومًا على اليمن فقد فقدت الكفاءة اللازمة في إدارة شؤون موسم الحج وأن من يطلق على نفسه لقب خادم الحرمين الشريفين يمارس العدوان على المسلمين".
ثم جاء حادث تدافع منى صبيحة 24 سبتمبر 2015، والذي أودى بحياة 769 حاجًا من بينهم 465 إيرانيًا، حسب الرواية الرسمية السعودية، ليشعل الصراع بين طهران والرياض من جديد، حيث حمل مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان الحكومة السعودية مسؤولية الحادث، مطالبًا بموافاة الجانب الإيراني بالتحقيقات الواردة في هذه الكارثة وما إذا كانت هناك شبهة جنائية.
وهو ما أشار إليه أيضًا علي خامنئي بقوله: "يتعين على الحكومة السعودية أن تتحمل مسؤولية هذا الحادث المحزن، سوء الإدارة والأفعال غير الملائمة تسببت في هذه الكارثة".
أما على المستوى الشعبي فقد تظاهر مئات الإيرانيين في 27 سبتمبر أمام السفارة السعودية في طهران احتجاجًا على مقتل الحجاج الإيرانيين، متهمين السلطات السعودية بتدبير هذا الحادث والتسبب فيه، مما زاد حالة الاحتقان بين الشعبين أكثر.
إيران تمنع حجاجها
ولم يمر عام 2016، دون مناوشات أخرى بين السعودية وطهران، بعدما أصدرت الأخيرة قرار في يونيو الماضي، يحذر على مواطنيها اداء فريضة الحج في السعودية، بعد أن رفضت التوقيع على مذكرة تفاهم مع السعودية متهمة إياها بوضع العراقيل ومنع الإيرانيين من التوجه إلى بيت الله الحرام.
واختلف الجانبان حول عدد من القضايا، فطلبت ايران السماح لحجاجها عقد مراسم أو تجمعات ذات طابع سياسي وحمل أعلام بلادهم خلال موسم الحج، ورفضت السعودية ذلك على أساس أنه سيعيق حركة الحجيج من دول العالم.
وفشل الجانبان أيضًا في التوصل الى إتفاق حول آلية إصدار التأشيرات للحجاج، حيث أصرت طهران بإصدارها في بلادها وفضلت السعودية معالجة تلك الطلبات إلكترونيًا على غرار حجاج الخارج، كما كانت شركات الطيران المسموح لها نقل الحجاج الإيرانيين محل خلاف بين الجانبين أيضًا.