لن يعترف أحد أنه يغازل الثورة، ولكنهم جميعاً سوف يؤكدون أنهم كانوا ثوريين حتى قبل أن تبدأ الثورة.. وهكذا اتجه بعضهم إلى الأفلام التي انتهوا من تصويرها قبل الثورة، ولم تعرض بعد وبدؤوا في تغيير نهايات وأحياناً إضافة مقدمات، وهناك من يضع مشاهد إلى الشريط السينمائي أو يحذف مشاهد من أجل أن يخدع الجمهور قبل أن يكتشف أحد أن "أحمد" هو نفسه "الحاج أحمد".

أول الأفلام التي سوف تعرض قريباً وتنتقد بضراوة حسني مبارك "صرخة نملة" تأليف "طارق عبد الجليل" وإخراج "سامح عبد العزيز".. الفيلم انتهى تصويره قبل 25 يناير كان اسمه في البداية "الحقنا يا ريس" تستطيع أن تدرك بالتأكيد من هذا العنوان ما الذي كان يرمى إليه الفيلم في البداية، حيث إنه يروج لهذا المبدأ المرتبط عادة بالحاكم المستبد، والذي كانت الدولة ترحب دائماً به، وهو أن الرئيس هو المحبوب وهو المنقذ.. إنه صاحب القلب الكبير الذي ما إن يعلم بالفساد، فيتصدى فورا له.

تستطيع أن ترى في الدراما التي يقدمها الفيلم ما يقترب من كل الأفلام المصرية التي قدمت في عهد الرئيس السابق، وكانت تراهن على ما يريده الرئيس وتوافق عليه مؤسسة الرئاسة.

كان الهدف هو أن يتوحد الناس على الرئيس، لأنه ينقذهم في اللحظات الأخيرة، والحقيقة أن الإعلام كان يحرص على تصدير هذه الرسالة للناس، حتى في أبسط أشكالها، وهكذا مثلاً كان الرئيس السابق يتدخل لإنقاذ مستقبل طفلة من الضياع، لأنها كتبت رأيها في موضوع تعبير ضمن امتحان اللغة العربية هاجمت فيه النظام الحاكم ويتم إقصائها بعيداً وطردها من المدرسة وضياع مستقبلها، ويقف وزير التعليم عاجزاً يخشى أن يعيدها للمدرسة فيغضب الرئيس، وبالفعل الرئيس هو الذي يعيدها للمدرسة.



تدخل مبارك

كان الرئيس يتدخل حتى في التصريح بالأفلام التي لا تتناول شخصيته مباشرة، ولكنها تتناول قضايا ساخنة، مثل التطبيع مع إسرائيل "السفارة في العمارة" أو الفساد مثل "الجردل والكنكة" الجزء الثاني من "بخيت وعديلة"، برغم أن الانتقادات التي تناولتها الأفلام من الممكن عرضها بدون الرجوع للرئيس ولكنه الخوف.

وهكذا من الممكن أن ندرك ببساطة أن كل الأفلام التي تعرضت لشخصيته وافق عليها أيضاً الرئيس، قبل أن يرى الفيلم النور، وهناك أفلام كانت تتناول الرئيس، إلا أن مؤسسة الرئاسة كانت مترددة في قبولها مثل فيلم "ابن الرئيس" الذي كتبه "يوسف معاطي" ورشح لإخراجه "عمرو عرفة" حيث أرسلته الرقابة أولاً إلى مؤسسة الرئاسة ولم يخرج حتى بعد خروج الرئيس.

هامش الانتقاد

لا يستطيع أحد أن يدعي البطولة ويؤكد مثلاً أنه قدم فيلماً ضد رغبة مؤسسة الرئاسة.. الكل كان يلتزم بما تريده الدولة.. هامش الانتقاد دائماً مقنن وغير مسموح بتخطيه، ولهذا لا أصدق المخرج عندما يؤكد أنه انتقد مبارك في "صرخة نملة" قبل ثورة 25 يناير، كيف يحدث ذلك ونحن نعلم أن الفيلم كان اسمه قبل الثورة "الحقنا يا ريس"، والعنوان يحمل كل هذا الاستجداء للرئيس، فكيف صارت النملة تصرخ بعد 25 يناير؟!

فيلم "الفيل في المنديل" الذي شهد مؤخراً معركة جانبية بين بطل الفيلم "طلعت زكريا" والمخرج "أحمد البدري" يؤكد المخرج أنه لم يحذف مشاهد تحمل مشاعر حب يوجهها بطل الفيلم لمبارك، بينما بطل الفيلم يؤكد أنه بالفعل صور هذه المشاهد.

"طلعت زكريا" لم يخف أبداً حبه لمبارك، ومن المؤكد أنه صور هذه المشاهد، فهو على عكس الآخرين الذين تنكروا لكل مواقفهم السابقة.

ورغم ذلك فلا أعتقد أن فيلم "الفيل في المنديل" من الممكن أن يعرض الآن في ظل حالة الرفض الجماهيري التي يعانى منها "طلعت"، رغم تراجعه عن مهاجمة متظاهري ميدان التحرير، إلا أن المؤكد أن الفيلم تأجل عرضه إلى أجل غير مسمى.

وتبقى الأفلام التي صنعها مخرجوها من داخل ميدان التحرير وهى ما بين الأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية.. لا تزال هذه الأفلام في مراحل الإعداد الأخيرة، وينبغي أن نلاحظ أن قسطاً وافراً من هذه الأفلام سوف يقدم وكأنه مصنوع على مقاس الثورة، تتكرر خلالها المواقف نفسها والكلمات أشبه "بالكليشيه".

إننا ننتظر بين هذا الكم الكبير من تلك الأفلام أن نشاهد أفلاماً صادقة تعبر حقيقة عن الثورة، بدلاً من تلك التي سوف يصنعونها حسب الطلب لمجرد أنها تواكب الثورة وعلى مقاسها من النملة إلى الفيل!!