ازمة مكتومة بين شيخ الأزهر ووزير الأوقاف، لا تلبث أن تهدأ حينًا حتي تعاود الاشتعال مجددًا، منذ أن صعد الدكتور مختار جمعة إلي منصب وزير الأوقاف، لكن طرفا الأزمة لم يتوان عن إصدار بيانات تدحض أنباء الخلاف بينهما، ليؤكدا علي العلاقات الطيبة التي تجمعهما.

حتي جاءت الخطبة المكتوبة لتفجّر أزمة، حرص الجانبان على أن تكون بعيدة عن الإعلام لفترة، وحاولا التقليل من آثارها بتبادل تصريحات تنفي وجودها، ردًا علي تقارير إعلامية تشير إلي احتدام الصراع بين المؤسستين، حول عدة قضايا.

ودعمت تلك التقارير الغياب المتكرر للإمام الطيب عن المحافل الدينية المشتركة بين الأوقاف والأزهر، والتي اعتادت الأخيرة المشاركة فيها بشكل أساسي بتمثيل من شيخ الأزهر نفسه، لكنها اكتفت في الأونة الأخيرة بإيفاد أحد وكلاء شيخ الأهر لينوب عنه في حضور تلك المناسبات، ما فسره البعض بدليل علي وجود خلاف عميق بين الطرفين.

ظل الخلاف بين الطرفين داخل الغرف المغلقة، حتي بدت معالم الأزمة بين شيخ الأزهر ووزير الأوقاف واضحة في العلن علي خلفية أزمة الخطبة المكتوبة، والتي أثارت منذ لحظة طرحها من جانب الأوقاف حالة من الجدل والاعتراض من جانب الأئمة والخطباء.

وعلى رغم أن الأزهر نأى بالمؤسسة على مدار أيام عن هذا الجدل وظل الأمر في نطاق الآراء الشخصية والفكرية لمشايخ فيه، إلا أنه سجل قبل أيام موقفا لافتا، بأن أكد وكيله عباس شومان أن قرار الخطبة المكتوبة "ليس ملزما لوعّاظ الأزهر".

وقال في تصريحات صحفية إن "ما يُتداول في شأن خطبة الجمعة المكتوبة لا علم للأزهر به في شكل رسمي، وهو غير ملزم لوعاظ الأزهر، إذ تم تزويدهم بمكتبة تجمع أمهات الكتب لثقل معارفهم فضلاً عن التدقيق في اختيارهم".

أعقبه بالأمس الثلاثاء، إعلان هيئة كبار العلماء برئاسة شيخ الأزهر قرارها برفض الخطبة المكتوبة، بإجماع الآراء، معتبرة أن هذه الخطوة بمثابة تجميد للخطاب الديني، مؤكدة أن الأئمة يحتاجون إلى تدريبٍ جاد وتثقيف وتزويدهم بالكتب والمكتبات؛ حتى يستطيعوا مواجهة الأفكار المتطرفة والشاذَّة بالعلم والفكر الصحيح، وحتى لا يتَّكئ الخطيب على الورقة المكتوبة وحدها.

وسطر قرار هيئة كبار العلماء فصلًا جديدًا في الصدام القائم بين الأزهر والأوقاف، لاسيما مع إصرار الأوقاف تمرير قرار الخطبة المكتوبة ضاربًا بنتائج اجتماع كبار العلماء عرض الحائط.

واشتعلت علي إثر ذلك حرب الاختصاصات، ففي الوقت الذي ترى فيه هيئة كبار العلماء في قرارها إلزاما لوزارة الأوقاف، إذ خرج وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان، ليؤكد أن قرار الهيئة أنهى حالة الجدل حول الخطبة المكتوبة بصورة نهائية، مشددًا علي أنه يجب على قيادات مجمع البحوث والأوقاف تنفيذ توجيهات الهيئة بشأن الاهتمام بمكتبات الدعاة لتشمل أمهات كتب التراث في فروعه المختلفة.

وفي المقابل، جاء موقف وزارة الأوقاف أكثر إصرارًا وتشبثًا، حيث أكد الشيخ جابر طايع، رئيس القطاع الدينى بوزارة الأوقاف، أن جميع القيادات والغالبية العظمى من الأئمة على قناعة تامة بأداء الخطبة المكتوبة وذلك فى إطار اختصاص وزارة الأوقاف فى تنظيم شئونها الدعوية والإدارية، مشيرا إلي أن الخطبة جزءًا من المشروع الفكري الكبير لتجديد الخطاب الديني وتحقيق الفهم المستنير للإسلام.

"أزمة الاختصاصات"

من وقت لآخر، تلوح أزمة الاختصاصات بين الأزهر والأوقاف في الأفق، كان آخرها ما تضمنه بيان وزير الأوقاف رغم تأكيداته الظاهرية علي أنه يكن كل الاحترام والتقدير للإمام الطيب، وأنه لا مجال للمزايدة علي الانتماء العميق للأزهر الشريف، إلا أنه تحدث لأول مرة عن استقلالية القرار في الوزارة عن المشيخة.

وتطرق البيان الصادر -قبل أيام قليلة- في إشارة غير مباشرة إلي أزمة تضارب الاختصاصات، إذ قال "نُقدر دور الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في إعطاء كل جهة ومؤسسة دينية أو دعوية حرية اتخاذ القرار فيما يتصل بشئون إدارتها طالما أن الأمر قابل للاجتهاد وتقدير الجهة للمصلحة بما لا يخالف نصًا شرعياً".

وتابع وزير الأوقاف، "إننا نتعامل مع سائر المؤسسات بذات القدر من التقدير والاحترام في إطار مسئولية كل مؤسسة عما يقع في نطاق اختصاصها".

"أزمة السلف" 

"تصاريح الخطابه".. فجرت هي الأخري أزمة جديدة بين الأزهر والأوقاف، شهدت سجالًا محمومًا بين الأزهر والأوقاف، في مارس قبل الماضي، حينما منح جمعة تصاريح خطابة لقادة التيار السلفي، مؤكدا أن القرار كان بمعرفة شيخ الأزهر، إلا أن مكتب الأخير في المشيخة أصدر بيانا، أكد أن شيخ الأزهر لا علاقة له بالأمر.

وفي ردّ فعل قوي، أكد بيان المشيخة أنه "لا علم للأزهر مطلقا بهذا الأمر، ولم يؤخذ رأي الأزهر فيه"، مشددا على أن الأزهر يستطيع لو أراد منح التراخيص دون وساطة بصفته "المنوط بالدعوة الإسلامية بنص الدستور".

وتزامن بيان الأزهر، مع غياب الإمام الأكبر، عن حضور افتتاح المؤتمر الدولي الرابع والعشرين للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، التابع لوزارة الأوقاف في سابقة هي الأولى من نوعها.

"تسيير القوافل الدعوية"

أدى التضارب في الاختصاصات بين الأزهر والأوقاف، بشأن عمليات تسيير القوافل الدعوية في المحافظات إلي قطيعة كاملة دامت أكثر من عاميين، وتوقف التعاون الكامل بين الجانبين في مجال العمل الدعوي المشترك.

ورغم إطلاق العديد من المبادرات من قبل الجانبين لاستعادة التعاون بين قوافل الأوقاف والأزهر، في المساجد والمصايف ومراكز الشباب والتجمعات والنوادى والمدارس والجامعات، لكنها ظلت محدودة ولم ترق إلى المستوى الذي كانت عليه من قبل.

"اتهامات الأخونة"

أخذت حدة الأزمة بين الطرفين تتصاعد على خلفية الاتهامات التي واجهها شيخ الأزهر بضم مستشارين متهمين بدعم جماعة الإخوان، وتأييد الرئيس الأسبق محمد مرسي، في مقابل اتهامات أزهرية لوزير الأوقاف بالوقوف وراء تلك الحملات على مشيخة الأزهر وشيخها.

ثم أعقبها قرارا باستبدال محيي عفيفي أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، بالدكتور محمد مختار جمعة لعضوية المكتب الفني لشيخ الأزهر، رغم ما أكده الأخير أن جمعة كان يشغل سابقًا منصب عضو المكتب الفني لشؤون الدعوة في الوقت الذي لم يكن قد تم فيه تعيين أمين عام لمجمع البحوث الإسلامية، والآن وبوجود الدكتور محيي الدين عفيفي، في منصب الأمين العام لمجمع البحوث، أصبح هو المختص بشؤون الدعوة والوعظ.

"تجديد الخطاب الديني"

لم تجن دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي للمؤسسات الدينية الكبري بتجديد الخطاب الديني سوى مزيد من الصراعات بين الأزهر والأوقاف، في ظل الرغبة المحمومة من الجانبين لحمل لواء التطوير.

وكانت النتيجة كما يؤكد واقع الحال "صفر"، فلم تتجاوز نشاطات الأزهر عن عقد عدة مؤتمرات تضم أطياف متنوعة من علماء بما فيها الحضور الشيعى والدرزي والبهري، والإباضي، ليتحدثوا جميعا عن الإرهاب وخطورته وضرورة تجديد الخطاب الدينى، دون نتيجة ظاهرة ثم غابت المشيخة عن عدة فاعليات نظمها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية برعاية وزير الأوقاف.