يبقى فيلم «ناصر 56» ومسلسل «بوابة الحلوانى» من الأعمال الخالدة فى الذاكرة الوطنية والفنية، سطرهما الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن، ليتفرّد بكونه مَن تناول الحدث التاريخى الأبرز «تأميم القناة»، دون غيره، ويظل العملان الفنيان بمثابة مرجع لا يمكن الاستغناء عنه فى تأريخ تلك الحقبة من تاريخ مصر.

المؤرخ والكاتب الكبير: 

وقعت «خناقة» بين صفوت الشريف ووزيرة الإعلام الليبى بسبب قرار المنع

اليوم بعد 60 عاماً على قرار تأميم القناة، يسترجع «عبدالرحمن» فى حواره لـ«الوطن»، ذكريات كتابة «ناصر والحلونى» والصعوبات التى واجهت خروج العملين إلى النور، ورد فعل الرئيس الأسبق حسنى مبارك بعد مشاهدة الفيلم، كذلك يكشف الكاتب الكبير سر شغفه الشديد بمنطقة القناة، وتحضيره لعمل جديد عنها ينوى تقديمه خلال الفترة المقبلة عن قناة السويس، واستعانته بالأبطال الأحياء لتلك الملحمة، وإلى نص الحوار..   ■ بعد مرور 60 عاماً على تأميم قناة السويس، هل ترى أن السينما والدراما نجحتا فى تأريخ الحدث؟ - للأسف، أنا الكاتب الوحيد الذى تحدّث عن تأميم القناة من خلال مسلسل «بوابة الحلوانى»، وأقول «للأسف»، لأننى كنت أتمنى تناول هذا الحدث الكبير فى أكثر من عمل فنى، وقد استعرضت فيه موقف المجتمع وقتها من القناة بعد حفرها وعدد الوفيات الذين سقطوا أثناء الحفر نتيجة التعب وسوء الظروف، أما فيلم «ناصر 56»، فتناول فترة التأميم وكيف صدم القرار الغرب، بخلاف ما قدمته فى الدراما، ولا أعرف لماذا لم يجتهد كتاب الدراما والسينما فى الحديث عنها.  أحمد زكى كان فى منتهى الحماسة للفيلم.. 

وقال لى: لو انتهيت من النص اليوم.. سنبدأ التصوير غداً

  ■ فى رأيك، لماذا لم تُقدّم أعمال كافية عن تأميم القناة فى الدراما، بعكس السينما؟ - نحن انتقائيون فى تاريخنا ككتّاب، نلاحظ أن البعض يُركز على جانب ما من الحدث، ويبدأ فى الكتابة عنه، ويتجاهل الآخر تماماً، وأتمنى أن يكتب المؤلفون عن القناة، خصوصاً بعد حفر القناة الجديدة، التى استدعت الحديث عن القناة الأساسية «المؤمّمة»، لأن تاريخ القناة مثير جداً ودرامى، ومن الممكن إنتاج أعمال فى غاية الروعة، والناس بدأت تتعرّف عليها، لأنه كان هناك عدد كبير من الناس، من بينهم مثقفون ومسئولون يجهلون دور القناة وأهميتها، والدليل أن فيه ناس اعترضت على التأميم وقتها، وطالبت بعدم الصدام، كما لو كانت بريطانيا ستتنازل عنها بسهولة، وهناك آخرون كانوا يريدون بيعها، وتم عرض الموضوع بالفعل على مجلس الوزراء عام 1910، وكان هناك مشروع فعلى قائم بأن بريطانيا تعطينا مبلغاً فى حدود 5 ملايين جنيه، وربما كان هناك مبلغ آخر مقابل استئجارها، وشراء المنطقة بأكملها.   ■ كيف جاء التحضير لفيلم «ناصر 56»؟ - كان هناك مشروع فى التليفزيون للمصريين الذين قدّموا شيئاً للوطن، بداية من رفاعة الطهطاوى، وطلعت حرب، وعباس العقاد، ونجيب محفوظ، وآخرين، وكان المشروع فى بدايته يضم 60 شخصية، من كتّاب ومخرجين، ولسوء الحظ لم يتم تنفيذ إلا مشروع واحد فقط، وكان عن «عبدالناصر»، وهو فيلم «ناصر 56»، بسبب أن المشروعات الجماعية فى مصر لم تكتمل، نتيجة مرورها بظروف صعبة، وكانوا مهتمين بالموضوع، وداخل فيه أحمد زكى، وحتى أثبت حسن نواياهم، وأقيس مدى جديتهم، لأن المشروع مر عليه نحو 3 سنوات ولم يُنفّذ، طلبوا منى مجموعة من الشخصيات لم تُقدّم من قبل، اخترت 7 أسماء، فى مقدمتهم جمال عبدالناصر من باب الاستفزاز، لأننى كنت أعرف تماماً أن ظهوره كان ممنوعاً فى التليفزيون، وتوقّعت الرفض، لكن المسئول آنذاك وقّع على المشروع ووافق على القائمة، ولم أصدق وقتها، وطلبت منه التوثيق فى الحال، وأحمد زكى كان برفقتى وقتها، وقال لى لو انتهيت من كتابة النص اليوم سنبدأ تصويره غداً، من مدى حماسه، لأنه لم يكن يتوقع هذا، لذلك لم يمر العمل على رقابة التليفزيون، أو أى جهة رقابية أخرى، لأن الشخصية فى الأساس كانت ممنوعة. تاريخ القناة مثير جداً.. 

ومن الممكن تقديم دراما رائعة عنه..

وسأستعين بـ«أبطال التأميم» الأحياء فى عمل جديد

 

■ هل واجهت صعوبة فى كتابة الفيلم؟ - جمع المادة كان أسهل شىء، لأن معظم المراجع كانت عندى وجمعت معلومات كثيرة دون قصد، لكن الكتابة فى البداية كانت صعبة جداً، لأننى كنت أبحث عن طريقة مختلفة للكتابة لا تشبه أى فيلم تم تقديمه، وكان فى مصر كتب وعناوين عن «عبدالناصر» يصل عددها إلى 2000 كتاب حصلت على معظمها، بالإضافة إلى مقابلتى أشخاصاً كانوا قريبين من الرئيس، ومنهم سامى شرف وقعدت معه ومع آخرين.   ■ هل شغفك بالقناة قد يدفعك إلى تقديم عمل فنى آخر عنها؟ - رغم أننى محب للتغيير، لكن واضح أننى تعلقت بالقناة وأصبحت شيئاً مهماً فى ذاكرتى، وعلى استعداد لتقديم عمل آخر الآن، وبالفعل لدىّ مشروع فنى عن القناة، وعندما تم عرض «بوابة الحلوانى»، طلب منى صديق مقرّب التحدث مع أولاده عن القناة وأهميتها، وهذا دليل على دور الدراما فى تعليم وتثقيف الجمهور.   ■ وما طبيعة العمل الذى تنوى تقديمه؟ - لدىّ أشياء كثيرة، منها وجود 15 شخصاً فى بورسعيد والإسماعيلية والسويس، ما زالوا على قيد الحياة، كل واحد منهم لديه حكاية تصلح لعمل درامى، بجانب بطولات عظيمة لا يمكن تصورها.   ■ قدّم فريد شوقى فيلم «بورسعيد» عن تأميم القناة، ما الفرق بين هذا العمل و«ناصر 56»؟ - فريد شوقى قدّم الفيلم عام 1957، أى بعد التأميم بعام واحد، وتحدّث فيه عن قناة السويس فى حدود البطولة فقط، وكان بتكليف من الرئيس جمال عبدالناصر، أما فيلم «ناصر 56» فقد تم تقديمه عام 1994، والفرق كان كبيراً بين العملين، وبالمناسبة تم ذكر التأميم فى عدة أفلام، لكن لم يُقدم عمل بشكل شمولى إلا «ناصر 56»، ولاقت قناة السويس اهتماماً كبيراً فى الخارج، وكتب عنها، ونحن لم نهتم بها إلا بعد التأميم.   ■ ككاتب، كيف تتخيّل وضع مصر حال عدم تأميم القناة؟ - كنا سنُحرم من الفائدة الكبيرة للقناة، رغم أنها أغلقت لأكثر من عام خلال فترة الحرب، والصراع كان سيختلف، بغضّ النظر عن القناة، لأنها جزء من مصر، غير أن الأشياء التى فعلها «عبدالناصر» بما فيها العدالة الاجتماعية، وبناء مصانع، وفكرة الكرامة، لم يكن سيُكتب لها النجاح، أو التحقيق من الأساس، وبما أن بريطانيا كانت صاحبة النصيب الأكبر فى ملكية القناة نتيجة بيع الخديو توفيق نصيب مصر لها، كانت ستستولى عليها.   ■ كيف استقبل الجمهور العرض الأول للفيلم؟ - تم عرض الفيلم فى افتتاح مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون، بحضور رئيس الجمهورية وقتها حسنى مبارك، وقرّر منع الفيلم لمدة عام كامل، بسبب أنه كان يتحدّث عن «عبدالناصر»، وعلّق عليه قائلاً: «هو مين اللى بيحكم مصر؟ إحنا ولّا جمال عبدالناصر؟»، وفهمنا من الكلام منعه ورفضه للفيلم، وبدأ الجميع يثور من الخارج والداخل حتى تم تشكيل ضغط قوى على الدولة، وهاجمت وزيرة إعلام ليبيا صفوت الشريف فى مصر، وقامت خناقة بينهما على مركب فى النيل. وقالت إن الفيلم ملك لكل العرب، و«عبدالناصر» زعيم الأمة، ووصل الحديث إلى الرئيس ووافق على عرضه، ووقتها سجل أرقاماً قياسية فى دور العرض، ويُعتبر من الأعمال التى تُمثّل تطوراً فى السينما، وحقّق إيرادات بالملايين وصلت إلى 12 مليوناً فى الوقت الذى لم تُحقق فيه السينما هذا الرقم لأى عمل آخر، وحقّق النجاح نفسه فى الوطن العربى، وبعض البلاد كانت أكثر حماساً من مصر، مما يدل على اهتمام الناس بالقضية، ولم نُكرّم من الرئيس رغم تكريمه أبطال فيلم «أيام السادات»، وأعطاهم أوسمة، ولم نتأثر، لأن سمعة الفيلم أوسمة كبيرة، وتلقيت إشادة من كل المشاهير حول العالم.